الأقباط متحدون - فتاوى الشنكحاوى
أخر تحديث ٠٤:٢٧ | السبت ١٥ مارس ٢٠١٤ | برمهات ١٧٣٠ ش ٦ | العدد ٣١٢٩ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

فتاوى الشنكحاوى

فاروق عطية

 فى بلادنا كثير من الموالد على مدار العام، ولا يخلو يوما من مولد فى مدينة من المدن. على سبيل المثال لا الحصر يقام بالقاهرة مولد سيدنا الحسين، وفى قنا مولد سيدي عبد الرحيم القناوى، وفى أبوتيج مولد الفرغل، وفى طهطا مولد أبو القاسم، وفي طنطا مولد شيخ العرب السيد البدوي، وفى ميت دمسيس مولد الشهيد مار جرجس الرومانى، وفى بلقاس مولد القديسة دميانة، وفى دمنهور مولد أبو حصيرة. وفى كل الموالد يتكدس الناس فى المولد وتنتشر سرادقات الرقص وفرق الفنون الشعبية والمسرح الارتجالى، وتزدهر المقاهى بالرواد.

وفى أيام الصبا كنا نرتاد هذه الموالد لنضحك على فتاوى وقفشات الشنكحاوى. كان الشنكحاوى كوميديان ارتجالي طيب يتناقل بين الموالد ليعرض مونولوجاته الشعبية ويدخل مع المشاهدين فى حوارات وقفشات ضاحكة. المشاهدون يسألونه أسئلة محرجة وكان يجيب عليها دون تقكير بقفشات لاذعة وفى الغالب جنسية فاضحة وأحيانا سياسية مغلّفة. ويبدو أن فتاوى الشنكحاوى قد أصبح لها مدرسة راسخة رسوخ الأطواد، وتلاميذها من رجال الدين والفكر والسياسة، يفتون دون تفكير تماما كما كان يفعل الشنكحاوى فى الزمن الغابر. وسألقي في هذه العجالة حزمة من الضوء علي بعض من هذه الفتاوى الشنكحاوية المعاصرة.

   خرج علينا مشايخ الوهالبة بفتوى تحريم تطعيم الأطفال ضد شلل الأطفال لأن من اكتشف المصل الشافى يهودى !! وهنا تعنّ بعض الأسئلة: هل للعلم دين أو وطن؟ وهل يتعارض استخدام نتاج علم علماء دين معين مع تدين من يدين بديانة أخرى؟ وهل تناسى أصحاب الفتوى أن فى عصر ازدهار العالم الإسلامى فى مرحلتى الخلافة الأموية والعباسية أن جُل العلماء والأطباء المشهورين والمكرمين من الخلفاء كانوا من اليهود والمسيحيين المغتصية بلادهم ولم يكن هناك ضير من الانتفاع بعلمهم؟ والسؤال الأهم: لماذا لم ينتج لنا مفكرى الوهالبة الصحراوية وجهابزة مشايخها طوال العقود الأخيرة سوى الإرهاب الدموى الوحشى الذى شهده وما زال يشهده العالم ويكتوى بناره؟!! بالطبع ليس لديهم إجابة لانشغالهم فى إطالة اللحية وتقصير الجلباب وفرض الحجاب والنقاب. ويضيف أصحاب الفتوى لا فضت افواههم وزادهم الله جهلا على جهالتهم أن المصل يضعف القوة الجنسية وهم أدرى بهذا العامل لأنه شاغلهم الشاغل، فاستخدموه للتخويف والترهيب. وهل استندوا فى تحريمهم تطعيم الأطفال الي نص من القرأن أو السنة، لأنه إذا كانوا يعلمون لا تحريم بدون نص ؟ والسؤال الأهم: هل يريد هؤلاء الجهابزة بهذه الفتوي أن تنتشر الاصابة بشلل الأطفال بين أطفال المسلمين حتي يمتليء العالم الإسلامي بأجيال من العجزة ؟؟ألا يكفهم ما هم فيه من تخلف عقلي حتي يزيدونه بتخلف جسدي ..؟؟ !!

   كما امتلأت محطات الإذاعة والتلفزة بالعديد من مدعى الفتوى، يفتون فى الغث والثمين، كصنبور ماء بدون جلدة يسح بلا توقف، وأن كانت الفتاوى تافهة فالمستفتى أتفه. على سبيل المثال تستفتى سيدة أظنها لعوب أنها تخلع ملابسها فى وجود كلبها، فيجيبها المفتى الهمام أنه إذا كان الكلب أنثى فلا جناح عليها أما إذا كان الكلب ذكرا فحرام حرام حرام. إلى هذا الحد من السفه وصلت فتاوى مدعى الدين والتدين وهم أجهل من الجهل نفسه.

  قد يكون مقبولا سماع مثل هذه التراهات من دعاة شباب لم يتفقهوا فى الدين ولم تعركهم الحياة، ولكن أن تصدر الفتوى من شيخ جليل يتربع على كرسى أستاذية الحديت والسنة بكلية أصول الدين ويضع فى كتابه الذى يدرس لطلبة الأزهر أحاديث لا يقبلها عقل ولا منطق فهذا ما يحيّر ويثير السخط والسخرية. فقد جاء في مؤلف لشيخنا الجليل عبد المغنى حديث رضاعة الكبير الذي بجيز رضاعة الكبير من زميلته في العمل حتي يسمح بخلوتهما علي أن تكون خمس رضعات مشبعات حتى تصير أما له بالرضاعة ولا تحل له. وأمام طوفان المعارضة أصر فضيلته على أن الحديث صحيح لا شك فيه لقوة سنده، مدعيا أنه وضعه فى كتابه دفاعا عن السُنة ضد المهاجمين الأمريكان، وأن من واجبه الدفاع عن السنة كمتخصص فيها. ثم عرج على حديث الذبابة وأصر على أنه حديث صحيح أيضا، وقال أنه قرأ بحثا علميا من أستاذ كبير فى دولة عظمى أنه اكتشف أن تحت جناح الذبابة الأيمن دواء شاف لمرض السكر جار تصنيعه. ولست أدرى ما دخل أمريكا فى هذا الموضوع؟ ربما أراد فضيلته استدرار عطف المعارضين بمهاجمة أمريكا كما يفعل الكل بلا مناسبة. وليت فضيلته يعلم أن أكبر مراكز الإثارة لدى الأنثى تكمن فى ثدييها وأن مجرد مداعبة حلماتها تنهار كل مقاومة لديها وتستسلم لمن يفعل دون مقاومة. اليست دعوته رضاعة الكبير هى دعوة للدعارة وليست وقاية من الفتنة..؟!! أما عن حديث الذبابة الذى يصر على أنه صحيح رغم أن ما جاء به لا يقبله عقل ولا منطق بل يؤدى للتقزز والغثيان. وكلامه المرسل بدون سند عما أثبته العلم حول ذلك ليس إلا كلام لا سند له وأنا أتحدى أن يدلنى أى متخصص فى علم الحشرات عن هذا البحث وعن إسم الباحث واسم الدورية العلمية المنشور بها، والآن كل البحوث العلمية موثقة ويمكن الرجوع إليها.

   يقول د. محمد المسير الاستاذ بجامعة الأزهر: إن ارضاع الكبير ليس حكما شرعيا وقد أجمع الفقهاء علي ان هذا الإرضاع لا يثبت التحريم. وما ورد من آثار حول هذا الموضوع قضية خاصة لا يقاس عليها ولا يفتي بها ولا تمثل مشكلة في المجتمع الإسلامي، وأضاف ان هذه الفتوي كاذبة شرعا لاننا بهذا نبرر الجريمة ونقنن الفاحشة وندعو إلي الفجور. وتساءل من هو الإنسان السوي الذي يرضع ثدي امرأة حتي لو حلب له اللبن، بلاشك سيكون إنسانا شاذا وغير مستوفي الأخلاق ومتهماً في فطرته. يقول د. عبدالصبور شاهين الأستاذ بكلية دار العلوم جامعة القاهرة: إن هذا نوع من الدعارة الرسمية ولا يقبله عاقل لا لأخته ولا لابنته ولا حتي يقبله مسلم لغير المسلمة ولذلك أتمني ان يهال التراب علي هذا الرأي وعلي صاحبه، وأضاف اننا للأسف وصلنا لحد اننا نبيح أعراضنا أمام العالم ولا ينبغي ان نلتمس المبررات للدعارة وسلوك الفاحشة، وطالب باتخاذ إجراء عقابي من الأزهر لردع أي إنسان يخرج عن ثوابت الدين، وان يصدر مجمع البحوث الإسلامية بياناً يستنكر فيه ما حدث لتصحيح الصورة.

      والأخطر والأشد إثارة للدهشة انزلاق قدم رجل جليل كنت أظنه المثل الأعلى فى الانضباط وإعمال الفكر فيما يكتب وهو فضيلة الشيخ د.على جمعة مفتي الديار المصرية (السابق) فى فتواه عن تبرك الصحابة بشرب بول النبي وقد تكون فتواه هذه أخطر علي الدين من فتوي إرضاع الكبير‏  ليس فقط لأنها تخاصم العقل الذي ينبغي أن يكون المعيار الأساسي لتقويم أي نص ديني يزعم البعض انتسابه للإسلام‏ لأن استخدام العقل فريضة تلزم كل مسلم‏ فضلا عن الجهالة وفساد الذوق اللذين يتسم بهما هذا القول الذي يصعب تصديقه حتي وإن ورد في نص مكتوب‏، ولأن وجود أي نص في أي كتاب خارج النص القرآني‏ لايمنحه حصانة من النقد أو يعفيه من ضرورة إخضاعه لأحكام العقل مهما كان اسم الكتاب ومهما يكن ذيوع شهرة صاحبه‏.‏ وأظن أن الضرر الذي يلحق بالدين الإسلامي جراء نص التبرك بشرب بول النبي بالغ وخطير‏‏ لأنه يضع المسلمين في دائرة التخلف‏، ويتصادم مع صحيح الدين الذى يعتبر بول الإنسان نجسا ينبغي التطهر من آثاره حتي تصلح صلاته وعبادته بما في ذلك بول النبي‏، لأن الرسول بحكم النص القرآني بشر تسري عليه كل ضرورات أحكام الطبيعة الإنسانية التي تسري علي البشر بما في ذلك الموت‏.‏ وإنى أتساءل ما هي الفائدة التي تعود علي الأمة من وراء هذه الفتاوي وما الداعى لكثرتها في هذا العصر الأعوج أم ان الأمر يراد به اشغال الناس بسفاسف الأمور وتافهها..؟!!

  والمطلوب من شيوخنا الأجلاء الذين نقتدي بهم ونحترمهم بدلا من الفتاوى الشنكحاوية بذل الجهد إقتداء بما بذله السلف الصالح لتوعية الناس بصحيح الدين‏، مطلوب الإجابة علي عديد من التحديات والمشكلات التي تؤرق عيش المواطنين البسطاء فيما يتعلق بمواقف معينة تحتاج للفتوى الصحيحة وأن يوضحوا بعيدا عن التعميمات الفضفاضة الغامضة‏ وعن التهديد بالجلد والنار والثبور وعظائم الأمور‏!‏ مثلا مسألة التمويل العقاري والضرائب وفوائد البنوك وختان البنات وملبسها وخدمة السائحين الأجانب الذين جاءوا ضيوفا علينا، وماذا عن برامج التليفزيون ومسلسلاته ومسابقاته وفيديو كليباته وصبيانه وبناته؟ هل نحرق الصحف ونلغي التليفزيون ونغلق الفضائيات مثلا؟ وهل تستقيم الحياة اذا فعلنا ذلك كله؟ ماذا نفعل قولوا لنا‏، أفتونا بفتاو صادقة أمينة بدون التزلف للنظام والتمسح فى الرياسة، فتاوى صحيحة وليست شنكحاوية..!!‏  أو نرجوكم دقيقة سكوت لله, فمن قال لا أدري فقد أفتي.  رحم الله الشنكحاوى وأدام الله علينا مدرسته الخالدة فى الإفتاء ..!!


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter