الاربعاء ١٩ مارس ٢٠١٤ -
٣٥:
٠٨ م +03:00 EEST
بقلم : ماجدة سيدهم
" جل عبقرية الأنثى في أمومتها ..مباركة الخليقة بك يا سيدة الحياة "
*مامااااااااااااا..
شقت الصيحة حرقة صمت الكفن بينما الحليب مازال يحبو بفم الصغير، هنا في هدأة الوحشة والزحام يقرع الأبواب بلا هوادة صغيري دونما تفسير للمسافات المتباعدة بيننا ،وليس على ضفاف الحنين من ينزع عن مضجعه ملحا مبللا بالاحتياج أو يزرع في روعه المخوف الماء اللطيف ، يشب الصغار وقد كسى الفقد طموحات الفهم لديهم حيث المزيد من نماء لوخزات العزلة ،ومازال ذات السؤال أكثر عمقا وصمتا يضج سكوننا :لماذا تركتني ماما ؟ ماما لازلت احتفظ بآخر مصروف منك لي ،أعد قروشه كل يوم وأقتفي أثر رنة صوتك تلاحقني كي أُبدل جوربي المتسخ ، لم أبتع منه الحلوى ولا علبة الألوان ،أقرأ بعثرة سطوري اليك وأرمم حروفها المتكسرة.. هل تسمعينني ..؟: ماما تمتلئ مدرستي اليوم بعلب الهدايا والبالونات وأغنيات تكسّرني ، تهزم قوتي وتشفر كل تعاليم احتمالي ، أفتش عنك في كل الملامح فلا أحد يشبهك ماما ، احدق في كل النداءات علك تتعثرين بي وتجدينني ، لن أشاغبك في البحث عني فتعالي الآن ماما أنا هنا، في كل الزوايا الموحشة أنا هنا ،عيني ممتلئة بك لذا أبكي فتهطلين حليبا يغمرني بقبلات حارقة ابتلعها وأرقد في زاوية ما من الحلم وأعيش كل التفاصيل الباقية، مجهد ظهري بحقيبة موجعة من الفراغ بينما مثقل قلبي بهدية معلمتي أقدمها - ثم لا أجدك مثلهم على الباب أهرول كي تعانقينني، باب المدرسة فارغ، باب البيت مغلق وباب الحجرة عار .. ماما لا أحد في الزحام يحس بي ، فقط انتظرك..
؟ *مامااااااااااااا...
عامي الثالث عشر اليوم أكملته ،وحدي حللت شعري الذي طالما عقدتيه كضفيرة ظهرية ،انتظرك تقبلينني وكما وعدك لي أن تمسين وجنتيّ بالحليب هامسة : "مبروك يا بنوتة ،صرت عروستي الحلوة "، ثم تداعبيني مفاجئة فوطا صحية وأول فستان منقوش بدلال البنات و تطوقين عنقي بقلادتك الفضية التي طالما أصريت عليها ، ماما تفوقت سنوات كثيرة دونك لذا لم أبرح مقعدي في صفوف الوحشة ،في خزانتي احتفظ بملء عطر حاجاتك ..مرآتك البرتقالية ومجفف الشعر ،طلاء أظافرك مازال لينا وهاتفك لم يخلف موعد الصباح ،يقولون أن صوتي يطابق صوتك بينما أغنيات الاحتفال هي ملح على جرح لا يبرأ لذا تلهبني غصة فتهطلين وميضا يغمر افتقادي فلا أحد في الزحام يحس بي ،لكني أجدد الانتظار ، ماما فقط احتاج ان تضمينني.. أهدأ وأناااام –هل تسمعينني..؟
*ماماااااااااااا...
رفيقة الأيام الحلوة خاوية دونك الآن ، لم أبرع في الرد على السؤال ،الاحتفال يتكرر لذا يجيد سحقنا بأظافر الحـَزن ،الصغار يضج بهم الحنين بينما تلاحق أحداقهم عناق كل الأمهات بالأبناء ،فيلتصقون بي وأقرأ صمتهم جيدا ، في زوايا الجـَلد أبكي فتهطلين بالضحك تلطفين وحشتنا فلا أحد في الضجة يحس بنا ،أعلم أنك تسمعينني ،هل تسمعينني ..؟ *ماماااااااااااا..
.أحبك ماما .. اليس هذا بكاف كيلا تنحني بكل هذا الدفق الأزرق ، شاق على قلبك صليب اختطافي الموجع وطعم التكريم في فمك مُر بحلقي ،ما بالها طناجرك خالية من طعم الاكتمال وأعيادك كلها حبلى بأنـّات تتهدل بالابتسام ،سامحيني.. لم أقصد إيلامك فلا أحد في الزحام يحس بك -لكنك وطن بأسره لذا تهطلين بدربك هدوءا وتعزية..هل تسمعينني ..؟
* تزدحم الساحة بثورة الراقدات وصيحة الثكالى، يرفعن قلادات لوجع كل اليتامى: ارفعوا أياديكم عن جرح الأحشاء وكفوا عن نثر رذاذ هدياكم - فهناك يتسول من يرسم بالطبشور أما ويتكئ ،كم من نوايا صالحة مضغت من اللحم الحي ثم تتركه لنيل سواد الغربان ، الأمهات لا يحتجن أعيادا أو تتويجا لفطرتهن وغريزتهن ،الأمومة ضوء الهي ينبثق مكتملا وينضج حادا كنصل محبة قوية كالموت ،شاهقة كالأبدية ،لا تطلب ما لنفسها ولا ترجو في قلبها شرا ،لا تتفاخر بما لا ليس لها ،هي فطنة عناق جارف لا ضفاف لها لذا تتساقط دونما مطمع ،تفهم جيدا كل لغات الغياب والاغتراب وتصنع أيضا من المستحيل شبعا ،اذهبوا واطرحوا السؤال على كل الأمهات "ماذا لو رحلتِ عن أسرتك وغادرت الآن مرقد الصغار..؟"
*طرح
*****لماذا لا نكتفي بتكريم عبقرية المرأة المصرية ونضالها في أعياد 16 مارس عوضا عن احتفال عيد الأم 21 لذات الشهر وما يخلفه لكثيرين من مرارات الفقد التي لا تبرأ ويكون ذات اليوم كرنفالا بإطلالة الربيع بكل تورد بهجته . فأجمل الهدايا الغاء هدايا الفقد الموجعة .
*كل العام وأنت الأصل أيتها المصرية الفريدة.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع