بقلم: القس بولس فؤاد
تعرَّض الكُتَّاب والإعلاميون المعروفون لقضية التحرُّش الأخيرة بفيْض من الأفكار والردود والتعليقات الرائعة والتى إن أظهرَتْ ، فهى تُظهِر حدْب هذا الشعب العظيم على رفض الماضى وإعلان مرحلة جديدة من التغيير الإجتماعى والروحى.
ولما كان الجانب الروحى فى حياة الفرد من أبرز النقاط التى تم الإشارة إليها ، رأيتُ أن أشارك إخوتى فى هذه المسئولية الجسيمة والترِكة الثقيلة التى تجثُم على صدر ما يتجاوز نصف المليار شخص ، آملاً ن تتحقق مقولة " سباق الألف ميل يبدأ بخطوة واضحة" .
ألا يوافقنى أحبائى الذين كتبوا وتحدَّثوا عن ظاهرة التحرُّش ، وألقوا باللوم كله على الشباب وعلى الأسرة وتقصيرها فى التنشئة ، أن أزيد على ذلك وأضيف إلى ما قيل " أن الجميع مسئولون عما حدث ويحدث ، وما سيحدث أيضاً.
البيت ، المدرسة ، الإعلام ، المجتمع ، الكنيسة ، المسجد ، الذين فى منصب قيادة أو رعاية من أى نوع ... إلخ كلهم مشتركون.
إن ثقافة الزَّيْف المتراكمة عند غالبية الشعب المصرى والتى عشناها لعدة عقود أو قُل " قرون" ، لا بد أن ينتج عنها هذا النتاج ، وهذا ليس ذنب أحد منفرداً لكنه ذنب من قدَّم الوهم للناس على أنه حقيقة حتى يُحقِّق من وراء ذلك قصداً آخر كشفته الأحداث والسنين.
إن من يقطُن فى شارع جسر السويس من الناحية الغربية (حى الزيتون) يقول لك – إذا سألته عن مكان إقامته – أنه يسكن فى مصر الجديدة.
وتقرأ فى صفحة الوفيات أنه " سقط سهواً فى نعى فلان الفلانى أنه قريب فلان الفلانى حفيد فلان باشا " ، وحضرت بنفسى لقاءات تبودِلت فيها كلمات المحبَّة ومعانى الوطنية ،
( وهو ما يُعرَف بالنفاق الإجتماعى) ، وكان المُتحدِّث يكذب ، والمستمعون الجالسون يعرفون أنه يكذب ، وكان المُتحدِّث يعرف أن السامعين يعرفون أنه يكذب ، وكان السامعون يعرفون أن المُتحدِّث يعرف أنهم يعرفون أنه يكذب. ... وهلم جرَّا.
الإعلام السياسى يهاجم إحدى البلاد ، والإعلام الخاص يعرض مسلسلات نفس البلد والتى أشعلت الشهوات الكامنة فى أعماق الشباب.
الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعى يعرضون الجنس فى صراحة وقِحة والدِّين يحُضّ على العفة والطهارة ، الظروف الإقتصادية لا تسمح بالزواج فى ظل موروثات بالية تقف حائلاً بين الشباب وبين تحقيق أملهم فى حياة زوجية كريمة ، ومطالب الحياة يصعب تغطيتها ، فيعزف الشباب عن الزواج.
لذلك ، هناك من يتزوج عرفياً وهناك من يسلك طريق الرذيلة ، وهناك من يتزوج زواجاً خاطئاً ( يكتشف بعد قليل أنه ضل الطريق ) ، وهناك من يجد فى التحرُّش ( على الماشى) وسيلة للتنفيس عما تمتلىء به حواسُّه وعقله وقلبه من كل ما ذكرتموه من وسائل التواصل الحديثة.
لقد أثرتم ياأحبائى موضوعاً شائكاً يتوقف عليه مستقبل هذه الأجيال.
إنها ليسست قضية تديُّن زائف أو تربية خاطئة فقط . إنها قضية مجتمع بأكمله ، ورِث الوهْم وَورَّثه لأبنائه وأحفاده ، ونحتاج أن نجتثّ هذا الزيف كله من حياة الإجيال.
دعونا نعيد النظر فى منظومة التعليم ، برامج التلفزيون ، إمكانية توفير الأندية الرياضية ووسائل الترفيه البرىء للشباب ، القدوة الصالحة ( وهى أهم أساليب التربية) ، مفهوم الديمقراطية ، ثم بعد ذلك نتحدَّث كيفما نشاء.
ملحوظة: لستُ سياسياً ولا مُصلِحاً إجتماعياً ولا إعلامياً ، ولكنى قدَّمتُ رؤيتى المتواضعة لعلها تساهم فى إزاحة هذا الحِمل الثقيل.