بقلم عمرو خفاجي
فيما كانت كل صحف العالم تفرد صفحاتها للأزمة الأوكرانية، خلت الصحف المصرية من متابعة هذه الأزمة، اللهم إلا فى الإطار التقليدى الذى يمكن أن نطلق
عليه تأدية واجب فى الصفحات المخصصة للشأن الإقليمى والدولى، بينما كانت الأخبار المحلية فى حالة طغيان كامل فى جميع وسائل الإعلام، كما هو معتا منذ أكثر من ثلاث سنوات، بالطبع لا جدال على أهمية ما يحدث فى بلادنا خاصة فى ظل انتظار انتخابات رئاسية، لكن الحقيقة تقول لنا إن ذلك الوضع المنغلق للصحافة المصرية كان سائدا حتى قبل ٢٥ يناير، وأصبحت أخبار الإقليم والعالم خارج اهتمامات الصحافة وبالتالى أصبحت بعيدة عن اهتمام القارئ، مما يكرس الوضع السيئ لعدم الفهم والاتصال بما يجرى من حولنا، ويدفعنا لمزيد من الانغلاق والتقوقع فى لحظة ينفتح فيها العالم على بعضه بعد التطور المذهل لوسائل الاتصال الحديثة.
الأمر لا يتوقف على أحداث أوكرانيا وموقف بوتين وردود الفعل الغربية تجاه ما يحدث فى القرم، رغم أنه حدث جلل ويكشف عن عودة الصراع الأمريكى ــ الروسى، الذى اعتقدنا أنه توقف مع انهيار الكتلة الشرقية، بل يمتد إلى الأحداث المثيرة التى ينشغل بها العالم، مثل اختفاء الطائرة الماليزية، ففى الوقت الذى تنشر فيه وسائل الإعلام العالمية أدق تفاصيل الحادثة الغريبة ومحاولة العثور عليها، من الصعب أن نعثر فى صحفنا على أخبار متطورة حول هذه الحادثة، فى الصحف الكبرى العالمية أخبار عن تعمد الطيار الانخفاض بطائرته من ٣٥ ألف قدم إلى خمسة آلاف قدم هربا من الرادارات، والانحراف بها عن مساره المعتاد صوب الصين، وتفتيش بيت الطيار وآخر رسائل الطاقم لمراكز المراقبة الجوية، وفى صحفنا اختفت أخبار الطائرة من رادار جميع الصفحات وكأن الأمر لم يعد له وجود.
منذ قرن من الزمان كانت الصحافة المصرية مشغولة بما يحدث فى العالم، وكانت تبعث بمحرريها لمناطق الصراع فى أربعة أنحاء العالم رغم صعوبة الانتقال والتواصل، والجميع يعرفون أن مجد صحفى مثل الأستاذ محمد حسنين هيكل بدأ مع تغطيته لحرب كوريا، لذا كان من الطبيعى وجوده فى حرب ١٩٤٨، أو فى الولايات المتحدة لتغطية انتخاباتها، أو ذهابه للهند والصين الناهضتين، هذا يعكس أولا مدى اهتمامنا بما يجرى حولنا، بينما نحن الآن لا نذهب إلى تونس أو ليبيا أو سوريا أو اليمن، ومازلنا ننتظر ما يقوله العالم عما يحدث فى هذه البلدان الجارة، وطبعا من يتابع هو بالضرورة يتشرب بوجهة نظر من نقل له الخبر وعلق عليه، وخرجنا كليا من مسار متابعة الأحداث بعد أن أهملنا المشاركة فى صنعها أو حتى الوجود فى الغرف التى تحدد مصير الأحداث.
حالة الصحافة، تكشف حالة السياسة، وهى حالة التراجع الكامل عن الشأن الإقليمى والدولى، وأن مصر فقدت الكثير مما كانت تمتلكه عبر العهود الماضية، وأن القدرة السياسية لدينا تقزمت تماما، وبعد أن كنا من اللاعبين الأساسيين فى المنطقة، لم نصبح حتى من الاحتياطيين، بل ملعوب بنا وبمصيرنا، ولا نملك سوى شجب كل من يحاول أن يبنى لنفسه دورا فى المنطقة، ولا أعرف هل هذا يشغل صناع القرار لدينا ويؤلمهم ما يحدث، أم إنهم أيضا مثل الصحف لا ينشغلون إلا بما يدور من أحداث فى الشوارع المحيطة بمقارهم، وصب اللعنات على منافسيهم دون أن يحركوا ساكنا، أخشى أن نكون قد بدأنا فى التآكل.
نقلآ عن أونا