بقلم يوسف سيدهم
مضي زمن كان الأقباط يطالبون الدولة بحقوقهم في بناء الكنائس الجديدة والعناية بالكنائس القائمة سواء كان بتدعيمها أو ترميمها أو توسعتها أو هدمها كلية وإعادة بنائها...
صحيح أن الإصلاح التشريعي في هذا الخصوص لم يتحقق بعد, لكن الواضح أنه قادم نصب أعيننا بعد أن تم ترسيخه في الدستور الذي أحال ذلك إلي أول برلمان ينتخب-أي البرلمان المقبل...لكنني عندما أقولمضي زمن في مستهل هذا المقال أقصد حين كان الأقباط يطالبون الدولة بحقوق الأقباط في دور العبادة وكان وقتها تعبير حقوق الأقباط يستخدم بشكل عفوي حتي تبين للأقباط أن هناك تيارات متأسلمة ومتطرفة تتربص بذلك التعبير لتحوله إلي مفهوم طائفي يفصل الأقباط عن المصريين ويخصهم بالذمية وبالمواطنة من الدرجة الثانية ليمارس التسلط والوصاية عليهم...وفي هذا الصدد كانوا يلقون في وجه الأقباط مفاهيم صادمة تدعي أن الإسلام يحافظ علي الكنائس القائمة إلي أن تتصدع وتهدم فلا تبني كنائس في مواقعها وبالتالي فلا مبرر أصلا لبناء كنائس جديدة!!!
ولعل ذلك الواقع المريض وما كان يلقيه في وجه الأقباط من سطوة وفرز وفتاوي كئيبة ثبت عدم صحتها,هو الذي أدي إلي صك تعبيرحقوق المواطنة عوضا عنحقوق الأقباط لأن تحت مظلةحقوق المواطنة يقف جميع المصريين دون تفرقة أو فرز ويتمتعون بالمساواة المطلقة في الحقوق والواجبات...وأحمد الله أن حقوق المواطنة وجدت طريقها إلي أسمي معايير الدستور للتأكيد علي أن لافرق بين مصري وآخر مهما اختلف الأصل أو الجنس أو اللون أو الدين أو العقيدة أو حتي الطبقة الاجتماعية أو الانتماء السياسي.
أردت أن أوضح ذلك قبل الخوض في الفتوي التي أعرضها اليوم والتي صدرت مؤخرا عنلجنة الفتوي بالأزهر الشريف,ذلك لأن تلك الفتوي الكريمة في توجهها ومضمونها لايجب أن تصرفنا عنحقوق المواطنة,وإذا كنا اليوم نرتاح ونطمئن إلي ما تقدمه هذه الفتوي يجب أن نتلقاها في إطار ترسيخ سماحة الإسلام ورعايته لأقباط مصر,لكن دون أن نفرط في معيار المساواة المطلقة دستوريا بناء علي معيار المواطنة.
تقدم المواطن محمد مصطفي محمد بالدعوي رقم831لسنة 2013 أمام هيئة مفوضي الدولة بالإسكندرية-دائرة البحيرة-يطلب استخراج فتوي من لجنة الفتوي بالأزهر الشريف لبيان مدي مشروعية هدم الكنائس وبيعها وشرائها وجعل أرضها في غير الغرض المخصصة لأجله...وبعد بحث الأمر أصدرت اللجنة الفتوي التالية التي أعرض لأهم ماجاء فيها:
الأصل العام للشريعة الإسلامية أن كل صاحب عقيدة مخالفة لعقيدة المسلمين له حقوق عليهم مادام غير محارب لهم.والشريعة خصت أهل الذمة ببعض الحقوق بحكم إقامتهم الدائمة في ديار الإسلام-وكذلك المستأمنون من السائحين أو الزائرين بموجب عقد الأمان الذي بين المسلمين وبينهم وذلك بهدف تحقيق التعايش السلمي الآمن بين أبناء الأسرة الإنسانية كلها.وأهل الذمة الذين يقيمون مع المسلمين لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم.
أهل الذمة لهم حق حرية الاعتقاد,ولهم حق حماية الحياة,ولهم حق حماية العرض,ولهم حق حماية الممتلكات,وعلي ذلك فلغير المسلمين في ديار الإسلام حق الإقامة آمنين مطمئنين علي دمائهم وأموالهم وأعراضهم,وعلي الحاكم حمايتهم من كل من أراد بهم سوءا ومنع من يقصدهم بالأذي,ومن ذلك حماية دور عبادتهم وقد كتب عمر بن عبد العزيز إلي عماله ألا يهدموا بيعة ولا كنيسة ولا بيت نار.وذهب المذهب الحنفي إلي أن البيع والكنائس في المدن والقري لايتعرض لها أحد ولايهدم شئ منها.
علي هذا فالكنائس الموضوعة الآن في دار الإسلام كلها ينبغي ألا تهدم,بل نصت المذاهب الحنفية والشافعية علي أنه إذا انهدمت كنيسة فللذميين إعادتها لأن الأبنية لا تبقي دوما.ولا يمنع أهل الذمة من ترميم ماتصدع من الكنائس والبيع ونحوها لأن المنع من ذلك يفضي إلي خرابها وانهيارها وذلك يستوي مع هدمها.
تفيد اللجنة بأنه لايجوز التعرض للكنائس أو الأديرة بالهدم أو الاعتداء عليها أو تحويلها لغير الغرض الذي أقيمت من أجل ومن فكر في ذلك لم يستجب لقرآن ربه وأحاديث رسوله ولم يحسن الجوار ولم يرع عهده ولم يظهر بمظهر التسامح الذي هو من أبرز صفات المسلمين,فقد خان الله ورسوله وذمة المسلمين.
بكل التقدير والعرفان أتلقي هذه الفتوي السمحاء التي تفصل بوضوح في أمر أهل الذمة وما يخص عبادتهم وكنائسهم وأديرتهم والتزام المسلمين بحمايتهم وإتاحة الحفاظ علي تلك المنشآت وتدعيمها وعدم هدمها...ولكني مازلت أتطلع إلي يوم يستعيض المصريون فيه عن تعبير أهل الذمة بتعبيرالمصريون الأقباطكما أقف أبحث داخل معيار المواطنة فأجد أنه بدلا من التزام المسلمين بحماية الكنائس والأديرة سوف بترسخ بموجب الدستور والقانون التزام الدولة ومواطنيها المصريين باحترام وحماية المساجد والكنائس والمعابد علي السواء.