وصلتنى هذه الرسالة الغاضبة من عالم كبد وأمراض متوطنة وباحث متخصص فى «طب المنصورة» وهو د. ناصر موسى، وهو أحد عشاق هذا الوطن والخائفين على مستقبله الذى سيضيع إذا سادت الخرافة وانتصر الدجل، والذى لا يبغى من هذه الرسالة إلا مصلحة البلد وصورة المؤسسة العسكرية وإعلاء قيمة العلم والعقل، تقول الرسالة:
بعيداً عن ادعاء البطولة وحب الوطن الذى أصبح الآن مزاداً علنياً مثل صكوك الغفران نهبُها لمن يتفق معنا فى الرأى، ونمنعها عمن يختلف معنا، بصرف النظر عن مدى حبّه لمصر، فلا أحد يزايد علينا فى حب مصر، فكلنا مصر ومصر كلنا، فمن منا، أو بالأحرى من أبناء هذا الوطن، لا يحب أن يرى مصر أم الدنيا وقد الدنيا، كما قال أحد أبنائها الشرفاء، ولكن يا سادة، النجاح لا يأتى بالتمنى، والسماء لا تمطر ذهباً، ولكن زمن المعجزات لم ينتهِ ولن ينتهى طالما كان هناك العقل البشرى، أليس غزو الفضاء وتفتيت الذرة والاستنساخ معجزات؟ أوليس الإنترنت والمحمول والكهرباء وغيرها من الاكتشافات العلمية معجزات؟ ولكن يبقى السؤال: كيف تحققت هذه المعجزات؟ الإجابة ببساطة شديدة: بالعلم الذى هو نتاج العقل البشرى، ولكن العلم، يا سادة، له قواعد وأسس متعارف عليها ومستقرة منذ عشرات السنين، ولم يعد مجالاً للنقاش الآن، ولكن الذى يخضع للنقاش والجدل هو المنتج العلمى.
هذا الكلام بمناسبة اختراع جهاز علاج فيروس «سى» بواسطة اللواء طبيب وطبيب الشهرة بالوراثة الذى قُدم لنا فى البداية بهذه الصفة، ثم لواء دكتور ثم لواء كيميائى، ثم اتضح أنه خريج معهد فنى صحى!! وأنا هنا أناقش سيادة اللواء بصفته باحثاً، بعيداً عن انتمائه لمؤسسة وطنية عريقة لها كل الاحترام والتقدير، وهذا حق علمى لنا، هناك بعض الملاحظات التى تجعل هذا الجهاز من الأساس هراء علمياً: الأولى، وحسب رواية اللواء مكلف فى جريدة «الوطن» يوم الاثنين 24 مارس، أنه تم تجربة الجهاز على 50 مريضاً مصابين بفيروس «سى»، هذا رقم يا سيادة اللواء مكلف لا يصلح للتقييم فى الأبحاث العلمية، وبالذات العلاجية التى تتم على آلاف المرضى، وفى مراحل مختلفة قبل قبول أى علاج، والثانية من المؤكد طبياً أن هذا الفيروس يتكاثر داخل خلايا الكبد وبعض الخلايا الليمفاوية، والسؤال هنا: كيف يمكن عن طريق تدمير الفيروس فى الدم أن ينتهى الفيروس تماماً، بينما المخزن الذى يضخ الفيروس إلى الدم وهو خلايا الكبد، ما زال كما هو يحتوى على الفيروس، والملاحظة الثالثة، حيث ذكر اللواء مكلف فى نفس العدد من نفس الجريدة أنه أعطى كبسولات لرفع المناعة، وقد تم تدمير الفيروس داخل خلايا الكبد عن طريق هذه الكبسولات، والسؤال يا سادة هنا، إذا كانت هذه الكبسولات تدمر الفيروس داخل الكبد وهى عملية أصعب من تدميره فى الداخل حيث إنه فى الكبد داخل حماية الخلية، فلماذا لا تدمره بالمرة فى الدم ونستغنى عن هذا الجهاز ونكتفى بالكبسولات فقط؟!! وأخيراً أعلن اللواء أنه يجرى أبحاثه على هذا الفيروس منذ 22 سنة، بينما لم يكتشف هذا الفيروس إلا منذ 24 سنة فقط، ولم يتم التعرف على طبيعة تركيبته الوراثية بصورة دقيقة إلا فى أواخر التسعينات، فكيف استطاع أن يجرى أبحاثه قبل التعرف على تركيبته الوراثية؟! رحم الله شاعرنا نزار قبانى عندما قال فى قصيدته الشهيرة «هوامش على دفتر النكسة»: «إذا خسرنا الحربَ فلا غرابة.. لأننا ندخُلها بكلِّ ما يملكُ الشرقىّ من مواهبِ الخطابة.. بالعنترياتِ التى ما قتلت ذبابة.. لأننا ندخلها بمنطق الطبلة والربابة». هذا هو شعارنا الآن فى البحث العلمى، وهذا منهج أدى إلى هزيمة ما زلنا ندفع ثمنها حتى الآن، ولأن مصر ولّادة وأُم الرجال عندما تغير المنهج والتفكير إلى تفكير علمى صحيح استطاع نفس الأبطال الذين ظلموا بهذه الهزيمة أمثال عبدالمنعم رياض، والجمسى، وسعدالدين الشاذلى أن يقودونا إلى نصر أبهر العالم بالعلم والتخطيط السليم، وليس بالفهلوة.
نقلا عن الوطن