كان لا بد أن أهنئ خالي بالإفراج عنه، وبزواجه القريب من جانيت، لم يذكر لي عنوانه لأسباب أمنية، طلب مني أن أنزل مطار هيثرو وأن أجلس في كافتيريا حدد لي اسمها، بعد ربع ساعة مرت عليّ آنسة وسألتني هامسة: هل أنت متأكد أن خالتي بتسلم عليك؟
فأكدت لها ذلك، فأشارت لي بأن أتبعها. ركبنا «الأندر جراوند» ثم نزلنا بعد ساعة تقريبا، مشينا نحو عشرين دقيقة وأخيرا أشارت إلى بيت إنجليزي صغير وقالت هامسة: هذا هو بيت خالك.. لا تضرب الجرس، اقرع الباب برقة ثلاث مرات.
قالت ذلك واختفت. فتحت لي جانيت الباب، يا إلهي.. هل توجد أنثى بهذا السحر والجمال.. يا لك من محظوظ يا خالي عبده.. ظهر خالي واحتضنني مرحبا وهو يصيح: أهلا أهلا يا علي يا ابن أختي روحية والله وكبرت يا واد.. أهلا أهلا نورت إنجلترا.. على فكرة أنا أتابع زاويتك في جريدة «الشرق الأوسط».. ولى بعض الملحوظات.
قلت: يا خالي أنا لم أتعلم الصحافة بطريقة منهجية.. أنا مسرحجي كما تعلم.. ولكن الأيام..
قاطعني: ينقصك فقط دقة التوثيق.. لا بد أن تتأكد من صدق المعلومة التي تذكرها.. سأعطيك مثالا.. لقد ذكرت أنني اخترعت كرسي علاج البواسير، المعلومة غير صحيحة، صاحب الاختراع هو صديقي الدكتور عطية أبو المعاطي.. السبب في وقوعك في هذا الخطأ هو أنني توليت تقديم الاختراع في مؤتمر عالمي.. هو دمياطي بلدياتك كما تعرف، إنه أحد أحفاد الشيخ أبو المعاطي وهو شيخ له كرامات.. هل سمعت عنه؟
قلت: نعم.. لقد كان خواصا وأشهر كراماته كانت أيام الحرب الصليبية. كانت مجموعة من الفرسان الدمايطة تجري هاربة من الجنود الصليبيين، واستنجدوا به.. خبئنا يا عم أبو المعاطي، فطلب منهم أن يختبئوا تحت قفة من الخوص.. صاحوا في دهشة غير مصدقين.. هل تسخر منا؟ فقال لهم بصرامة: لا تضيعوا الوقت ادخلوا تحت القفة، فدخلوا جميعا تحتها.. وبعد لحظات ظهرت فصيلة الفرسان الصليبية وسأله كبيرهم: يا عم الشيخ.. هل رأيت جنودا فارين؟
فرد عليهم: نعم رأيتهم.. ولقد اختبأوا تحت هذه القفة.
فصاح به كبيرهم: هل تسخر منا يا رجل؟.. أم أنك إنسان كاذب؟
فرد عليه بهدوء: أنا لا أسخر من أحد ولا أعرف الكذب.. لقد اختبأوا جميعا تحت هذه القفة.
فقل كبيرهم: اتركوه.. هذا رجل مجنون.
فانصرفوا مسرعين يبحثون عن الجنود الدمايطة.. هذه هي أكثر كراماته شهرة.. فهل الأخ عطية له أيضا كرامات من هذا النوع.. وفي أي فرع من فروع المعرفة حصل على الدكتوراه.
قال خالي: من قال إنه حاصل على الدكتوراه..؟ كثير من الأسر في دمياط تطلق على ابنها اسما مركبا، اسمه هكذا في شهادة الميلاد.. الدكتور عطية.. هذه عادة قديمة عند المصريين.. هل تذكر أحمد فؤاد ومحمد توفيق ومحمد سمير..؟
لم أتمالك نفسي من الصياح: ومع ذلك سمعت طبيبا حاصلا على الدكتوراه فعلا يقول مدافعا عنه في برنامج تلفزيوني.. نعم هو ليس حاصلا على الدكتوراه وحتى لو فرضنا أنه يعمل بوابا.. فقد أتى بما لم يأتِ به العلماء.. وكررها ست مرات.
صاح خالي: اعملي لنا قهوة يا جانيت.
ردت في نعومة: حاضر يا سي عبده.. عينيَّ.
الشرق الاوسط