محمود خليل
سؤالان، وإجابتان، استوقفانى فى حوار جريدة المصرى اليوم مع الرئيس الأسبق «مبارك»:
السؤال الأول: حضرتك مع «السيسى» يا فندم ولّا موش معاه؟
الإجابة: مفيش غير السيسى دلوقتى.
السؤال الثانى: وحمدين صباحى؟
الإجابة: حمدين صباحى ده مفيش فايدة منه.. إزاى يبقى رئيس؟ بس أنا حتجنن!
الحقيقة أننى استمعت إلى هذين السؤالين وإجابة «مبارك» عليهما أكثر من مرة، وفى كل مرة كانت تزداد حيرتى فيما يحملانه من مضمون. فهل من المنطقى أصلاً أن يُسأل الرجل عن موقفه من الجيش، و«المشير» المرشح؟ وهل لهذا السؤال إجابة أخرى متوقعة غير التأييد؟ هل كان من المتصور مثلاً أن يقول «مبارك» إنه ليس مع الجيش بل يؤيد الإخوان، وإنه لا يدعم المشير «السيسى» الذى وصفه بعد موجة الثورة الثالثة فى 30 يونيو بوصف «العُقر»، انطلاقاً من الدور الذى لعبه فى إعادة كرة السلطة ثانية إلى المؤسسة العسكرية؟!
«حمدين صباحى ده مفيش فايدة منه».. هكذا قال «مبارك» عن المرشح المحتمل المنافس للمشير «السيسى». لماذا لا توجد فائدة من «حمدين صباحى»، رغم أنه سبق وترشح للرئاسة وحصد ما يقرب من خمسة ملايين صوت، ورغم أنه يمتلك برنامجاً -قد نتفق أو نختلف معه- لكن يبقى أن من حقه أن يقدمه إلى الرأى العام المصرى، والاختيار بعد ذلك للشعب. فالكلمة الفصل لا بد أن تكون للمواطن، إلا أننا أمام رئيس أسبق يرى أن شعبه غبى لا يفهم، جاهل لا يعلم، وأن من الخير له أن يُفرض عليه من يحكمه فرضاً. لقد قال «مبارك» فى أحد التسريبات السابقة لائماً على هذا الشعب: «مش انتو اللى اختارتوا الإخوان؟»، حسناً هذا الشعب انخدع بالإخوان واختارهم للحكم، لكن هذا الشعب نفسه هو الذى أطاح بهم، حين خرج فى 30 يونيو. كان من الممكن أن يفكر «مبارك» على هذا النحو، لكن كيف يفعل ونحن أمام رئيس يحتقر شعبه؟!
ما الذى يدعو رئيساً أسبق إلى أن يعبّر عن خوفه من أن يصاب بالجنون من «حمدين صباحى» المرشح المحتمل الوحيد للآن، سوى شهادة ذاتية بـ«الاستبداد» ورغبة دفينة لديه بإعادة مصر مرة ثانية إلى عصر «جمهورية الاستبداد» التى تأسست خلال فترة حكمه؟ لقد ذكرت لك ذات مرة أن الانتخابات الرئاسية المقبلة سوف تكون قريبة الشبه إلى حد كبير بانتخابات 2005، لكن يبدو أن هذا الأمر لم يعد يعجب «مبارك»، إذ يريد أن يعيد المشهد إلى زمن الاستفتاء، فاختفاء «حمدين» من مشهد الانتخابات المقبل يعنى ببساطة أننا سنصبح أمام استفتاء على المشير «السيسى»، وقد احتاط قانون الانتخابات الرئاسية الحالى لهذا الأمر واشتمل على مادة تتعامل مع هذا الموقف، وكأن هناك ترتيباً من نوع ما لينتهى المشهد الانتخابى إلى هذه النهاية!
السؤالان السابقان، وإجابة مبارك عليهما، يعكسان نمطاً من التفكير يمكن وصفه بـ«التفكير الطائش»، وهو تعبير عن حالة من حالات فقدان التوازن الانفعالى لدى نخبة إعلامية وسياسية، ولدى رئيس سابق أطاحت به ثورة، ومحاولة يشوبها «الجهل» وأحياناً «الخرف» لاستعادة مشهد الأرجح أنه لن يعود، إلا إذا آمنا بأن الموتى يمكنهم العودة إلى الحياة!
نقلآ عن الوطن