الأقباط متحدون - بنكتب لمين.. ومين بيقرأ؟!
أخر تحديث ٠٢:٠٤ | الجمعة ٤ ابريل ٢٠١٤ | برمهات ١٧٣٠ ش ٢٦ | العدد ٣١٤٩ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

بنكتب لمين.. ومين بيقرأ؟!

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

مفيد فوزي
الكاتب ليس بشرا مختلفا، إنه مثلك تماما يفرح ويحزن وربما يختلف عنك فى أنه لا يصل إلى لوثة الفرح ولا ينزل إلى قاع الاكتئاب. لعله يحافظ على ثبات الانفعال باسم مسؤولية الكلمة.

وأنا هنا أتحدث عن الكلمة التى تحدث التأثير أو التغيير ربما يكتب إنسان عادى أفضل منى ولم تتح له فرصة للكتابة الصحفية. وفى شبابى عرفت كاتبا (من منازلهم) لعله أشهر قارئ كاتب حينذاك. أنا مثلا لم أكن أحصل على النمرة النهائية فى الإنشاء وكان خطى ركيكا، وبجهد هائل تحسن خطى وأصبح مقروءاً. أما الكتابة فهى مخزون قراءه وسفر ولقاءات بالناس

وتلك نصيحة أشهر كتاب زمانى سلامة موسى. الفرق بينى وبين القارئ هو اختيار (الزاوية) التى أطل عليه منها وأريد فى «صباحيات المصرى اليوم» على حد وصف جارى العزيز حمدى رزق أن أتواصل مع القارئ عبر هذه المساحة وليس عبر فيس بوك أو تويتر فأنا مازلت أكتب بخط يدى مقالاتى وحواراتى وأشعر بمتعة لا حدود لها عندما يلمس سن القلم صفحة الورق.

لم أكتب قط على كومبيوتر ومازلت أرسل ما أكتب، وبالفاكس: أردت الحوار بصوت عال وليس بصوت صاخب بينى وبين قارئ (معنى) بالشأن العام. بالمناسبة لن أخفى مشاعرى وأنا أكتب. وأصارحكم أنى أكتب بعد ظهر الأربعاء وربما ألهث قليلا فوق الورق. يقطع تدفقى رشفة شاى أخضر على يسار أوراقى، تحسبا لانفعالى فوق الورق. أخشى انقطاع الكهرباء فجأة مثلما هو معتاد يوميا، وفى بلاد أخرى تسقط حكومات عدا فى مصر، فحكومات مصر متخصصة فى (عقاب الناس) ووزير الكهرباء مازال فى مكتبه.

ألهث فى الكتابة قبل أن يحل المساء وتجىء (الضلمة) ولا أحب أن أكتب على ضوء (كشاف صينى) هذيل، هو أسوأ دعاية لدولة الصين، بيد أن من جلب هذه الكشافات السيئة (اللى بتبوظ) بسرعة، قد استرخص واستورد كشافا درجة ثالثة وصار يكسب الملايين بعد أن أصبح المصريون يستخدمون الكشافات الصينى حين تنقطع الكهرباء حيث نشطت تجارة بيع (المولدات الكهربائية) هنا تتجلى مهارة الكسيبة المصريين، يضعون خططا لمواجهة الناس بالكوارث. ولما كنت أعلم لعبة الحكومة السخيفة التى تستوجب عليها السخط واللعنات أخذت حماما ساخنا كعادتى منذ كنت طفلا قبل انقطاع (الميه والنور).

كنت أفكر مليا فى عبارة أحمد بهاء الدين يوم قال (البديهات أحياناً تحتاج لإيضاح) فمن البديهيات أننا نكتب للناس ولكن - وهذا هو المهم - من يقرأ ما نكتب؟ لابد من استبعاد الأميين وهى نسبة كبيرة ولابد من احترام جيل فائت فهو الذى مازال وفيا للكلمة والحرف المطبوع وتمثل الصحافة الورقية، أحد أهم طقوسه ويعود أحياناً من الشغل و(الجورنال) تحت إبطه.

وكان يحل الكلمات المتقاطعة فى الجورنال قبل أن تلغى الصحف هذا الباب وقد أصبحت حياتنا كلها كلمات متقاطعة، أما الشباب فهم يلقون (نظرة) على النت يطالعون المقالات ذات العنوان «الحراق» هؤلاء الشباب قلما يكملون مقالا وهم يمثلون نسبة كبيرة يعيشون على أرض الفيس بوك ويكتبون بوستات مسخرة وليس لديهم اهتمامات عامة، هناك نسبة صغيرة مهتمة وتواظب على قراءة الصحف على النت ولا يشترون أى صحيفة. هناك من يكتفون بالفرجة على قراءة الصحف فى برامج الشاشات ويتكفون بالعناوين الكبيرة وربما لا تعنيهم التفاصيل وهناك - السيدات بالذات - يقرأن شريط الأخبار على الشاشة ويكتفين بذلك مع أن الستات كن يمثلن قوة اقتصادية شرائية للصحف والمجلات

ولكن وفرة قنوات التليفزيون سحبت البساط من تحت الصحف. ولكن ما يهمنى ليس عدد من يقرأون الصحف بقدر قيمتهم كقوة مؤثرة قادرة على التأثير. هناك - مثلا - قنوات تليفزيونية مشفرة ومع ذلك فإن مشاهديها لهم تأثير وقدرة على التغيير. ومع ذلك فلابد من الاعتراف بأن الجميع يرمقون (تورتة الإعلانات) بالكثير من الاهتمام. وهناك حقيقة ربما تغيب عن البعض وهى أن بعض نجوم التليفزيونات الخاصة مازالوا فى مواقعهم الخاصة بدعم من شركات الإعلانات وليس برغبة الملايين من الناس. إلى حد كبير يحكم سوق الإعلان نجومية أسماء تشاهدونها يوميا، والقناة ليست إلا شاشة عرض ولا يهم المعلن سوى سخونة البرامج و«المزز».

وارتفاع نسب المشاهدة له عوامل كثيرة ليس من بينها «رقى» المادة أو «الاستفادة من معلومة أو تجربة» ورغم أن الصحف تبذل أضعاف جهدها بالانفرادات والمذكرات والتحقيقات الجارية فى المحاكمات وتفوز بقراء «موسميين» وليسوا دائمين، فإن توزيعها ليس هو المأمول وبالطبع فإن الإعلان يغطى النفقات التى لم تعد مثلما كانت، أتساءل بعقل مفتوح ومازلت أكتب (بصوت عال) لقارئ على نفس ذات الموجة. ما المادة التى يشعر القراء فى هذا الزمن الأغبر بأنها مادة «مرغوبة»

هل نشر أخبار الإرهاب والجنازات والرفض والشجب والثأر للشهداء من ضروريات الصحيفة؟ هل نشر المواد الرومانسية مطلوب وبأى قدر؟ هل نشر الجريمة مادة مقروءة؟ هل القضايا الفنية وحكايات الفنانين وبعض فضايحهم من باب الإثارة يرفع التوزيع؟ هل مشاكل الناس وصرخاتهم مادة محببة لقارئ الصحف؟ ما نوعية توجه المقالات؟ هل تكتفى برصد الواقع المخيف أم تتجاوزه إلى أمل كاذب؟ هل الكاتب الذى يستشرف المستقبل رغم غموضه تنفذ كلماته إلى القلب؟ هل تلجأ الصحف للحوار مع رموز نادرة الحديث فى أحوال البلد والتصورات والبدائل؟ ماذا يجعل من الصحيفة صديقة القارئ وهى تعتمد على الصدق واحترام الكلمة المسؤولة؟ هل الكلمة (الصدمة) ضرورية حتى لو خاصمت الأعراف؟

أردت من خلال مقالى معرفة (اتجاهات) قارئ هذا الزمان فهو 1- مفتقد الأمن والأمان، 2- مشوش التفكير، 3- قليل الثقة بما يسمع أو يقرأ، 4- عائم على بركة من الأخبار المتضاربة، 5- واقع تحت تأثير متناقضات غريبة، 6- ضعيف الأمل فى الغد، 7- تعلو لديه نبرة الإيمان بترتيب الله قبل اليأس.

أردت الاقتراب - ككاتب - من طبيعة الرأى العام وقماشته فإذا ما خاطبته، كان هناك صدى وإلا كان تهويما وانطلاقا نحو مجهول. أكتب هذه السطور متلاحما مع قارئ مفتوح المسام، عنده اتفاق غير مكتوب أن الحد الأدنى بينى وبينه هو الحفاظ على مصر، فى المغرب مثلا هناك اتفاق بين الحكومة والمعارضة على (احترام التاج). وفى وقت سقطت فيه هيبة الأب والحكومة والرئيس وأصبح الجميع معرضا لسفالة غير متوقعة، وبعيدة (السما عن الأرض) فى الموضوعية، أبحث عن الحد الأدنى - ليس فى المرتبات - إنما فى الحفاظ على قيم تربينا عليها وأطيح (بضم الألف) بها. إن ما يشغلنى هو عودة مصر بأهلها الطيبين وسماحتهم ووسطية أديانهم وتكافلهم الاجتماعى ولغتهم المهذبة بعد تجريف الشخصية المصرية قرابة عامين ونصف، هل نحتاج إلى معجزة؟ زلزال ينسف الماضى، بركان يحمل ناراً على أسوأ ما طفح على حياة الإنسان المصرى؟ فيضان نهر يبتلغ دولة الوهن والعجز والفشل؟ أمطار ثلجية تكنس الإرهاب وسنينه؟

وأعود وأسأل: لمن نكتب وهل يقرأ الناس وهل للكلمات تأثير؟ وهل لأقلامنا على اختلافها سمة مشاعل الأمل؟ إن الكتابة من أصعب المهام باستثناء صيد التماسيح! ولن تموت الصحيفة مهما تطورت الصحافة الإلكترونية وتظل الكلمات (شموعا) على الطريق.
نقلآ عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع