أسطورة صندوق باندورا الإغريقية أراها تتحقق الآن فى مصر صوتاً وصورة، إنه الصندوق الذى ما إن فتحته المرأة الوحيدة على كوكب الأرض آنذاك، رغماً عن زوجها، حتى انطلقت منه كل الآثام والشرور والشياطين، وانقلبت الأرض إلى جحيم، ولكن بقى فى الصندوق «الأمل» مقفولاً عليه حتى هذه اللحظة، ما إن تنفسنا نسائم الحرية حتى فُتح صندوق باندورا الشياطين وغطاء بلاعة أبشع السلوكيات التى من الممكن أن تقابلها فى شعب، وآخرها هذه الخناقة العبثية التى راح ضحيتها، حتى كتابة هذه السطور، خمسة وعشرون «بنى آدم» نُقلت جثثهم كالذبائح على الكارو والنصف نقل!
لا بد أن نعترف أثناء تمجيدنا للشعب المصرى الذى ثار على الفساد وبعدها على تجارة الدين والذى هو فعلاً يستحق التمجيد كنواة قيم يعلوها التراب الآن ويكسوها صدأ السنين العجاف، لا بد من الاعتراف بأن عدد الذين اكتشفنا أنهم ناقصو التربية ومعدومو العقل ومتصحرو الوجدان هم عدد كبير جداً أكثر مما توقعناه وتخيلناه، لا نريد أن ندفن رأسنا فى الرمال ونظل ننفخ فى ذواتنا وأننا الأفضل والأذكى والأشجع ونظل نلملم فى كل أفاعل التفضيل وننسى كل أفاعى القبح الكامنة داخلنا، سنوات طويلة من التعليم المتدنى والثقافة الخربة والتسرطن الوهابى والوعى المزيف والعشوائية المتوغلة والقبح المسيطر والساكن خياشيم ومسام وأدمغة المصريين أفرز لنا كل هذا الخراب النفسى والتدنى الأخلاقى والوضاعة السوقية، ما إن لمستنا الحرية بعصاها السحرية حتى سرت فينا كهرباء الفوضى وكأنك وضعت فيشة التلاجة اللى موصلة على السد العالى عدل!! ستنفجر الثلاجة فى وجهك لأنك لم تضع منظم التيار، منظم الأخلاق، منظم السلوك، تسير عكس الاتجاه تحت اسم الثورة والحرية، تبلطج فى شغلك باسم الثورة والحرية، تشتم وتتحرش وتقل أدبك وتمسح من قاموسك كل كلمات الذوق وتستبيح محطماً كل الأعراف والقوانين، تدوس على الطفل وتهمل العجوز وتصعد على جثث جيرانك وأصدقائك وزملائك، كل هذا متعللاً بقانون الثورة والحرية، حقاً كل الشعوب فيها هذه النوعية، لكن المفاجأة أننا اكتشفنا أن هذه النوعية السيكوباتية متدنية السلوك والأخلاق تمثل نسبة لا يستهان بها تؤثر على النسيج العام، ومن صوتها العالى وغوغائيتها الغالبة تحس أنهم أغلبية، إنه صندوق باندورا خرجت منه هوام وحشرات وعقارب وحيات وضباع وحثالة وصيّع وبلطجية ومتسولو شهرة ومدعو أخلاق وسماسرة دين ومدمنو بانجو ومغيبون ومتآمرون وسفلة وأوغاد..
السؤال: هل سينفعنا الأمل الذى بقى خافتاً صامتاً فى قاع صندوق الباندورا فى الانتصار على كل هذه الشياطين؟
نقلا عن الوطن