الأقباط متحدون - حكامنا لا يتعلمون
أخر تحديث ١٩:٠٤ | الاربعاء ٩ ابريل ٢٠١٤ | برمودة ١٧٣٠ ش ١ | العدد ٣١٥٤ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

حكامنا لا يتعلمون

صوره تعبيريه
صوره تعبيريه

بقلم : أنطوني ولسن / أستراليا

عام 1955 له ذكريات عديدة على المستوى الشخصي و المستوى المصري العام .

في ذلك العام كنا طلبة مدرسة التوفيقية الثانوية في شبرا ، وكنت في السنة النهائية " التوجيهية " القسم العلمي ، وقع الأختيار  في تلك السنة على مدرستنا لتكون أول مدرسة ثانوية  على مستوى الجمهورية يعلن عنها وزير التربية والتعليم السيد كمال الدين حسين عن البدء في إرسال طلبة التوجيهية بمدرسة التوفيقية الثانوية بشبرا في رحلة بالقطار لزيارة كل من مدينة الأقصر ومدينة أسوان . وبهذا كنا أول طلبة تذهب لزيارة الصعيد " الجواني " .

حديثي هنا لن أتناول فيه أي شيء عن تلك الرحلة . إنما فقط سأتحدث عن المحلات التجارية في مدينة أسوان في ذلك الزمن الجميل الذي وللّا  وانتهى ولا أمل في عودته .

لفت نظرنا جميعا نحن الطلبة منظر المحلات التجارية في أسوان بغض النظر عن نوعية تلك المحلات وما تبيع . المحلات من الخارج لا أبواب حديدية ولا أقفال عندما يغلق أصحابها محلاتهم إنما يضعون كراسي صغيرة أمام المحلات فتعرف الناس أن المحل مغلق . لكن فقط بستائر من شرائح البلاستيك والتي لا تعوق الزبائن من الدخول إلى الداخل .

كطلبة في عز الشباب كنا ندخل المحل وإذا وجدنا أشياء معروضة يمكن تذوقها مثل " البلح " وغيره . نأكل مهما أكلنا صاحب المحل لا ينهرنا ولا " يشخط " فينا بل يتركنا نجوب المحل أحيانا نشتري وأحيانا كثيرة لا نشتري ، نشكر صاحب المحل فيرد علينا " أهلا ومرحبا بكم في أسوان " . هذا ما لفت نظري عن أسوان وأول زيارة لها في حياتي .

حصلت على شهادة التوجيهية في نفس العام بمجموع يؤهلني الألتحاق بكلية العلوم أو كلية طب الأسنان . لكن والدي رحمه الله إختار لي كلية الحقوق فقدمت أوراقي للألتحاق بكلية حقوق القاهرة وتم قبولي كطالب بالكلية .

بعد فترة وجيزة من الزمن وفي نفس العام 1955 أعلنت الحكومة عن طريق  ديوان الموظفين عن عقد إمتحان للطلبة الحاصلين على شهادة التوجيهية لهذا العام 1955 . تقدمت بطلبي وفي الموعد المحدد ذهبت وأديت الأمتحان . بعد فترة ظهرت نتيجة الأمتحان وكان ترتيبي بالنسبة للناجحين الـ 11 من العدد الكلي للناجحين البالغ 2000 متقدم . الـ 10 الأوائل تم تعينهم بوزارة الخارجية ، ومن 11 إلى 300 في وزارة الداخلية على قوة " قسم البطاقات الشخصية " الذي أضيف إلى " مصلحة تحقيق الشخصية " .

لن  أتطرق إلى العمل في ذلك الوقت . لكن سأبدأ حديثي بعدما استقل هذا القسم وأصبح له إسم " مصلحة الأحوال المدنية " .

إستمر عملي بالمصلحة مع التمييز الذي حصلت عليه منذ اليوم الأول للعمل وذلك بسبب ترتيبي في نتيجة الأمتحان بديوان الموظفين . هذا التمييز جعلني أول الموظفين في تولي منصبا إداريا كمساعد لمشرف القسم الذي بدوره مساعدا لمفتش القسم .

تلك الميزة مع بعض الزملاء لاحقا جعلتنا نقوم بأعمال إضافية كشرح طبيعة العمل للقادمين الجدد سواء موظفين أو مفتشين مدنيين أو من ضباط الشرطة  إلى جانب عملنا .أ ضف إلى ذلك الذهاب إلى المكاتب التي أصبحت في جميع أقسام ومراكز الشرطة في الجمهورية  . وكنت على رأس القائمة إذا حدث إحتياج أحد المكاتب للمساعدة أو لأي سبب تراه المصلحة يوجب الذهاب .

من هنا بدأ التردد على أسوان وغيرها من بلاد الصعيد وبحري " الدلتا " وغيرها من الأماكن .

بالنسبة لأسوان ما ذكرته عن المحلات إستمر كما هو بنفس الطريقة وبنفس الثقة في أمانة الناس .

لكن عندما بدأ العمل في بناء السد العالي وفي إحدى الزيارات فوجئت بتغيرات غير متوقعة في المحلات . الستائر البلاستكية والكرسي الذي كان يوضع أمام المحل كعلامة أن المحل مغلق لا مكان لها ،بل وجدت الأبواب الحديدية والأقفال وفي بعض المحلات بناء حاجز طوبي مرتفع قليلا مع وجود الباب الحديدي الذي يغلق فوق ذلك الحاجز . عندما سألت أحد أصحاب المحلات عن ذلك التغير . إبتسم وقال كل شيء إتغير وفيه أغراب من بحري " لا يقصد هنا أهل بحري من هم من الدلتا مثلا ولكنه يقصد كل من هو آت من الشمال " .

بدأ في بناء السد العالي إلى أن أبلغتنا الوزارة بضرورة إعداد أهالي النوبة للتهجير وكان على المصلحة إرسال بعثات إلى النوبة للقيام بتلك المهمة .

إتفقت مع المفتش العقيد محمد نصار خليل على أن أذهب معه والفريق الذي سيختاره إلى النوبة . لكن حدث أن طلب مني المفتش أن أذهب لمقابلة العميد محمود أنور حبيب النائب لمدير المصلحة .

ذهبت إلى مكتب العميد الذي بادرني بسؤال لم أكن أتوقعه .

** فيه عندك أي عائق عائلي يمنعك من الذهاب إلى النوبة مع البعثة الذاهبة لإعتذار أحد أفرادها لظروف عائلية ؟

** عن نفسي لا مانع .. لكن العقيد نصار كنا قد حددنا الذهاب إلى النوبة هو وأنا وبعض الزملاء . فلا أعرف ماذا سيكون رده .

** المهم عندي إنه لاتكون عندك موانع عائلية والسفر غدا وحيكون معاك زميل من المصلحة ورئيس اللجنة من الفيوم ومعه موظف آخر . لا تهتم به إفعل ماتراه صالحا للعمل . فوت على الخزنة علشان تاخد المصروفات التي ستحتاج إليها فترة وجودك في النوبة . شكرته وانصرفت . أثناء صعودي السلالم لأخبر المفتش إذ بي أسمع صوته وهو يقول لي " روح ياخويا إنتو ناس فلصو "  وكنت وصلت إلى حيث كان ينتظرني بعدما حدثه العميد أنور حبيب وذهابي إلى المأمورية.

لم أعلق كثيرا على هيجانه وبالفعل تركت العمل بعد أن حصلت على المصروفات المالية .

في مساء اليوم التالي توجهت إلى محطة مصر لأستقل القطار رقم 88 الذاهب إلى أسوان والتقيت بالزميل فايز هناك .

وصلنا أسوان وكنت أعرف بيت سكرتير مفتش أسوان الأستاذ عباس فتوجهنا إليه وهناك ظننت أنني مازلت شابا ودخلت إلى " الحمام " لأستحم قبل الذهاب إلى النوبة . لا أدري ما أن بدأت المياه تتساقط فوق جسمي حتى شعرت بقشعريرة ونوبة من " العطس " فأوقفت الماء وارتديت ملابسي وأنا في حالة يرثى لها .

جاءت السيارة التي ستنقلنا إلى مكان السد العالي ومنه نركب سفينة تأخذنا إلى القرية التي سنبدأ منها وبالطبع التقينا أيضا بالزميلين الأخرين . وأدخلوني إلى داخل السد العالي محمولا على " نقاله " ويا لعجب الزمان .

وصلنا إلى قرية " أبو هور " وكانت اللجنة السابقة في إنتظارنا لنتسلم مهام العمل بعدهم . ما أن رأني العمدة في حالتي حتى أسرع وأحضر لي مشروبا دافئا شربته وبعد دقائق صرت معافى تماما .

قضيت في النوبة 45 يوما متنقلا من قرية وأخرى . وفي كل قرية كان العمدة وأهالي القرية يصرون على أن تكون وجبات طعامنا منهم على الرغم أننا كنا نخبرهم ونريهم ما إشتريناه في أسوان من طعام . لكنه الكرم النوبي .

كنا في شهر رمضان ومع ذلك كنت وزميلي فايز المسيحيان في اللجنة . لكن عمدة و أهالي قرية " أبو هور " أصروا على أن نفطر في الصباح وكان متواجدا معنا فنانا إسمه آدم وهو مسيحي أيضا وهو متخصص في النحت الخشبي وله تماثيل في جميع أنحاء العالم الغربي إلا مصر والدول العربية " ولا تعليق عندي " . يأتي وقت الظهيرة فينادون علينا لتناول طعام الغداء . وعند الفطور كنا أيضا نجدهم عاملين حسابنا مع الصائمين بحضور العمدة . ويأتي وقت العشاء ويقدم لنا العشاء أما السحور فلم نكن نهتم به وطلبنا منهم عدم تحضير أي شيء لنا .

الشعب النوبي طيب وأصيل . حقيقة وجدت فيهم الروح المصرية السمحة الكريمة والمحبة للناس . شيء واحد لم أكن أتذوقه وهو الخبز الذى لا يقدمون غيره . هداني تفكيري أن أرسل أحد " الخفراء " الملازمين لنا ببنادقهم مجرد عمل إحتياطي . أقول بالفعل تم الأتفاق معهما على أن يذهب أحدهما إلى بيته في أسوان ويقضي ثلاثة أيام في بيته ويعود لنا بالخبز " الشمسي " الشهير عند أهل الصعيد نجحت الفكرة وبهذا نكون قد تغلبنا على مشكلة الخبز .

تنقلنا من قرية إلى أخرى نؤدي عملنا دون مشاكل لكني كنت أختلط بأبناء النوبة وخاصة كبار السن فكانوا يتمنوا الموت قبل نقلهم إلى أسوان .

 مباني النوبة مبنية بطرق معمارية شاهدت الكثير من المهندسين الأجانب وخاصة من إيطاليا لدراسة طرق بناء هذه المنازل التي يمكن التحكم في حرارة الصيف وبرودة الشتاء بفتح شباك في أعلى المبني عن طريق حبل مدلى وقت الحر لتدخل نسمة الهواء التي ترطب المكان . وفي الشتاء يتم فتح شباك خاص فتدخل الشمس وتتم تدفئة المكان .

عبرنا أيضا على معبد " جرف حسين " وقالوا لنا أنه نسخة كاملة من معبد أبو سنبل الذي تم نقله . لكنهم لم يستطيعوا إنقاذ معبد " جرف حسين " .

الحياة كانت تسير جميلة وممتعة بين أطيب شعوب العالم . لكن حدث ذات يوم في إحدى القرى أن ضرب الزميل المفروض فيه أنه رئيس اللجنة " خفير " العمدة ولم يكن عندي علم بذلك . جاء وقت الأفطار ولم نرى العمدة ولا الطعام . سألت الزملاء فأخبروني بما حدث . توجهت إلى مقر العمدة وحدي . نهض الرجل لمصافحتي وجلسنا وبدأ يخبرني بما حدث . بعد أن سرد عليّ ما حدث سألته لماذا لم تأتي لتخبرني بما حدث بدلا من هذا الفعل الصبياني . نظر إلي غير مصدق لما سمعت أذناه . فأكدت له ما قلت موضحا له أن معنا طعامنا وجميع القرى رفضت أن إستخدام ما أتينا به من طعام . ونحن في شهر رمضان المبارك فكيف تتصرف هكذا دون إنذار على الأقل . وكنت جادا جدا في حديثي معه والغضب واضح في نبرة صوتي . لكنه أمسك بيدي واعتذر وقام ناهضا وطلب من نفس " الخفير " أن يحمل الطعام وذهبنا جميعا لتناوله مع إصراري أن يجلس " الخفير " ويفطر معنا لكن هل إنتهى الموضوع ؟  لا لم ينتهي .

التجارة في بلاد النوبة عن طريق " المراكب الصغيرة " . عرف شباب النوبة ما حدث . رفضوا بيع السجائر له . كان المنع عقابا شديدا عليه فقد كان مدخنا بطريقة جنونية ولم يكن يصوم من أجل التدخين . يدخن ولا يأكل . بالنسبة لي كان الشباب يبيعوا لي السجائر وكل ما أطلبه منهم . مرّ يوم والثاني بعد ما لم يعد معه سجائر وأصبح في حالة شديدة الغضب . تكلمت مع الشباب وأقنعتهم بضرورة إحضار السجائر التي يدخنها وإعطائها لي الأن . بالفعل تم ذلك . إنتهت المأمورية على خير وعدنا إلى أسوان .

لم أعد مباشرة إلى القاهرة بل ذهبت إلى مركز كوم أمبو لأرى البيوت التي أعدتها لهم الحكومة . كانت المقارنة صعبة جدا . فارق كبير بين بيوتهم في النوبة وبيوتهم في كوم امبو .

هكذا كان حال أهل أسوان بعد بناء السد العالي . وهكذا رأيت طيبة ودسامة خلق النوبيين .

مرت الأيام وأنهيت عملي وهاجرت إلى أستراليا . لكن لم أهاجر مصر .. هاجرتها بالجسد والعقل ، أما الروح والقلب فما زالا هناك أتابع كل الأحداث بها .

بعد تولي المشير طنطاوي إدارة شئون البلاد وما حدث بعد السماح لـ 3000 مجرم هارب من السلفيين وغيرهم من الجماعات الأرهابية وبدأت المصائب تحل على مصر والشعب المصري . عين المشير أحد المسيحيين محافظا لأسوان وهاجت أسوان وخلعوا قضبان القطارات ولم تصلح معهم كل الوسائل بما فيهم الشيوخ في إثنائهم عما يفعلون . وتم لهم ما يريدون بعد أن تكبد المصريون الخسائر الناجمة عن الأحداث في أسوان .

الأخبار السيئة التي سمعنا عنها وشاهدنا أثارها في تصوير جثث القتلى على عربات " كارو " مهين ومشين " . لم يهتم أحد بما يحدث على أرض الواقع . لا أيام المشير طنطاوي ولا أيام الدكتور مرسي ولا أيام المستشار عدلي منصور وحكومة الببلاوي وأصبح العبء ثقيل على حكومة محلب .

عار عليكم يا حكام مصر . لأنكم لا تتعلمون من الأخطاء السابقة وتستمرون في الحكم وترتكبون نفس الأخطاء في حق الشعب المصري .

أهالي أسوان وأهالي النوبة وما لمسته بنفسي وعايشته معهم وما تذكرته ونقلته لكم في هذا المقال لهو شاهد على أنهم أطيب شعوب العالم . فكيف يحدث هذا ؟

هل حقيقة أن مصر في حالة حرب ضروس مع الأرهاب ؟ إذا كانت الأجابة بنعم . وأعتقد أنها كذلك . ما الذي إتخذته الحكومات المتعاقبة بعد إزاحة " مرسي " من تدبيرات لحماية الوطن واستبعاد قيام حرب أهلية مخطط لها من أميركا والمتأسلمون !. لا شيء على أرض الواقع وكأن الحكومات هي جزء من الحكم الأخواني تنفذ تكملة ما كانوا يريدون فعله في مصر .

وأيضا إذا كنا حقيقة وحقا مازلنا في حالة حرب مع الأرهاب . لماذا تركنا حكومة الببلاوي طوال تلك الفترة ؟ ولماذا نرى رئيس الحكومة الجديد يضرب عرض الحائط لهذه الحرب ويسير في الشوارع دون حراسة ؟ هل لأنه واثق أن الأرهاب لن يطاله يوما لا سمح الله ؟ وكيف تسمح الحكومة السابقة والحكومة الحالية بوجود وزراء من الأخوان في الحكومة والرئاسة وفي الجامعات والمدارس دون إتخاذ إجراءات حاسمة وإبعادهم عن مناصبهم ؟ عمليات الصلح العرفي لا أرى في وجودها ما يصلح في هذا العصر ويجب أن يكون القانون هو الحكم والحاكم وكفانا تأخرا ورجعية . كذلك القبائل التي مازالت تعيش على أرض مصر بقوانينها وتدير الناس بها دون الأهتمام بالقانون المدني الذي تتولاه المحاكم المصرية ؟ ولماذا نبقي على هذا القول " قبائل عربية " وهم من مواليد مصر ويعيشون على أرض مصر والشعب المصري لم يغير هويته المصرية ؟ أليس من الأفضل أن يتم إلغاء هذه التسميات ليكون الجميع مصريين !.

لكن الحقيقة المؤلمة أن الشعب المصري قد ضاع ولم يعد هناك من يكلف نفسه البحث عنه وعودته إلى دياره ووطنه مصر أحد .

بدأت أكتب مقالا بعنوان " السيسي الصخرة " لكني توقفت .

لأني أخشى وأخاف أن يكون جميع المترشحين لرئاسة الجمهورية عبارة عن " فنكوش " عادل إمام .


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter