كتبت فى مقالى السابق عن مفهوم الدوجما، حين كنت أتكلم عن دوجما حكم العسكر، وأن الدوجما ما هى إلا قوالب فكرية جامدة تتحول إلى صنم فكرى لا يقبل الشك والنقاش والتحديث بناء على أى معطيات أو مستجدات، وتعلمنا أن أشد الأنواع هو الدوجما المبنية على أساس دينى كما عاصرنا تنظيم الإخوان الإرهابى. ومن متابعة المشهد السياسى بعد ثورة يناير، لاحظت نوعًا آخر من الدوجما يعلو صوته بصفة مستمرة، وتتبناه مجموعة من السياسيين والحركات والشخصيات وأدباء عالميين، وهو دوجما «متلازمة مبارك»! بمعنى الخوف المستمر من شبح نظام مبارك، واستدعاء مفردات الدولة البوليسية والقمعية والتعذيب عمال على بطال، وتوظيفها فى أحداث معينة لأغراض بعينها، وإذا كنا تحدثنا عن الدوجما، فما المتلازمة إذن؟
المتلازمة syndrome هى مجموعة من الأعراض المرضية، سواء نفسية أو بدنية، تصب فى النهاية لمسبب واحد، وهى تلازم الشخص المريض باستمرار، ولا يستطيع التخلص منها بسهولة.. نظام مبارك كان عبارة عن شبكة مصالح من رجال الأعمال، مدعومة بنظام سياسى على رأسه مبارك نفسه.. مبارك حاليًا فى السجن هو أولاده، وشبكة المصالح تفككت، وتم حل النظام السياسى، فتفكك تمامًا عصب النظام وعموده الفقرى!
التعلل بوجود شخصيات فرادى على الساحة، أو فى المحافظات ليس لهم أى تأثير مادام انهار الهيكل، وانهارت الشبكة، هؤلاء المرضى بمتلازمة مبارك ربما جزء منهم بحسن نية فى تخوف مشروع من عودة النظام الأسبق، لكن أشعر أن الأغلبية تتناغم مع مفردات مشروع الربيع العربى الإخوانى الأمريكى، وآلته الإعلامية! الموضوع لا يحتاج لذكاء لملاحظة نغمة الميديا والإعلام الغربى بعد 30 يونيو مباشرة عن عودة نظام مبارك، والدولة القمعية البوليسية، وهات يا جارديان، وغنى يا واشنطن بوست، وإشجينا يا آشتون!
مرضى متلازمة مبارك ركبهم «ستين عفريت» من قانون التظاهر، ورغم أن الدولة فى حرب شرسة ضد الإرهاب، ونحتاج لأى تشريع يساعد الشرطة الباسلة، ولو بمجرد إخطار عن مكان وميعاد المظاهرة، لم يفهموا أن هذه المعلومة ستفيد جدًا الشرطة، وأن أى مظاهرة سلمية بدون إخطار تخول الحق للداخلية للتدخل قبل وقوع المصيبة «كام مسيرة إخوانية بدأت سلمية وانتهت بحرق وقتل وتخريب؟!»، ولكن أبدًا.. مرضى متلازمة مبارك يقفون بقوة ضد عودة الحرس الجامعى لحفظ الأمن فى الجامعات، ومنح الطالب الذى يريد أن يتعلم حقه الدستورى فى التعليم، وسط إرهاب ممنهج ومخطط وليس شغب طلبة! وقد رأينا أن التخريب فى الأزهر تم تحجيمه بعد طلب رئيس الجامعة دخول الشرطة، لكن مرضى متلازمة مبارك يخدمون على الإخوان بسذاجة، أو عن عمد، فبعد أن خسر الإخوان الشارع والجامع بفضل وزير الأوقاف الواعى والفاهم لم يتبقَ لهم سوى ساحة الجامعات كأمل أخير لهم فى هدم الدولة.
مرضى متلازمة مبارك راكبهم شياطين الإنس والجن من الشرطة والجيش، ويهاجمون السيسى بضراوة، زاعمين أن نظام مبارك سيدخل فى بطانة السيسى لو فاز بالرئاسة.. مرضى متلازمة مبارك ينتعشون عند سماع أى قصة تعذيب وهمية ومفبركة، ويصدرونها فورًا للإعلام الغربى والمنظمات الحقوقية المشبوهة.. مرضى متلازمة مبارك يتحدثون ليل نهار عن الديمقراطية، ويقولون إن انتخابات الرئاسة المقبلة لن تكون ديمقراطية، وسيتم تزويرها فقط لأن السيسى مرشح رئاسى، ولا أدرى أى وهم يعيشون فيه، وهل السيسى يحتاج لتزوير؟! وهل هناك شعب سيسمح بتزوير أى انتخابات مرة أخرى؟!.. أيدوا مرسى وقالوا نعطيه فرصة من أجل صنم الديمقراطية الذى يعبدونه، لكن الديمقراطية جاءت عند السيسى وحرنت.. حالة مرضية تثير الشفقة من مرضى يحاربون طواحين الهواء، أعتقد أن علاجهم النفسى الوحيد هو العلاج بالصدمة، حبسهم فى عنبر ملىء بصور مبارك وعرض بعض الفيديوهات عن عودة الرئيس مبارك فى الحكم فعليًا.. سيصابون بجنون وصرع مؤقت، وبعدين هايقوموا يبرطعوا ويبقوا زى الفل.. بالشفا.
نقلا عن اليوم السابع