الأقباط متحدون - «اللى بنى مصر» محمود الجندى
أخر تحديث ٠٦:٤٠ | الاربعاء ١٦ ابريل ٢٠١٤ | برمودة ١٧٣٠ ش ٨ | العدد ٣١٦١ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

«اللى بنى مصر» محمود الجندى

 ثروت الخرباوى
ثروت الخرباوى

قال أحدهم ذات يوم: إن مشهدا تمثيليا صادقا فى مسرحية جيدة أكثر تأثيرا من ألف خطبة على المنبر، وقد رأيت بعينى التطبيق العملى لتلك المقولة فى مسرحية «اللى بنى مصر»، وأظنها كانت ليلة رائعة تلك التى ذهبت فيها إلى مسرح فاطمة رشدى بالمنيل لأشاهد تلك المسرحية، والحق أننى لم أكن قد سمعت عنها من قبل، وقد يكون هذا تقصيرا منى، ولكنه أيضا كان تقصيرا من أجهزة الإعلام التى فى وسط انشغالاتها بالحالة السياسية الجامحة فى مصر لم تنتبه إلى مسرحية جادة تحكى عن مصر، قام ببطولتها مجموعة من الممثلين الشباب يتقدمهم الفنان الكبير «الشاب» محمود الجندى، وليس لك أن تتعجب وأنا أصف محمود الجندى بأنه الفنان الشاب، ولا تظن أن الشاب هنا من «الشَيْب» بل هو من الشباب، ذلك أن من وهبهم الله قلوبا حية ومشاعر راقية لا يشيبون أبدا مهما مرّ عليهم الزمن، هل سمعتم عن روح غزاها الشيب؟! الشيب لا يصيب إلا الأبدان لأن الزمن يمر على الجسد فقط ولا سلطان له على الأرواح، ومع ذلك فإن شباب الروح ينطبع على الجسد، فترى صاحب الروح الصافية الرائقة الراقية وقد استنار وجهه واستدار عمره فعاد إلى شبابه الأول، وهكذا رأيت محمود الجندى فى مسرحيته، وحين سألته وسأله غيرى: نراك شابا كما كنا نراك فى سنواتك الأولى فى الفن؟ قال: لأننى أنام وليس فى قلبى كراهية لأحد، ومع محمود الجندى فى مسرحية «اللى بنى مصر» أدركت أنه وصل إلى سن الحكمة التى يتألق فيها الفنان فيرتقى إلى درجة من الإبداع لا يدانيه فيها أحد، ومعه بكيت على حال مصر وما وصلت إليه بفعل أبنائها، بكى محمود الجندى بصدق وهو يؤدى دوره فأبكانى وأبكى جمهوره، ولكنه بكى كما يبكى الرجال، والرجال حينما يبكون لا تُذرف الدموع من عيونهم، ولكنها تندفع من قلوبهم فتتسلل من مآقيهم عزيزة. فى تلك المسرحية ثق أن الأمر سيختلط عليك، هل هذا الرجل الحزين هو محمود الجندى أم أنه طلعت حرب، وحينما تتعايش مع الأحداث ستنسى تماما محمود الجندى ولن يكون أمام نظرك إلا طلعت حرب «اللى بنى مصر» تدور الحياة تحت تمثاله فى ميدانه الشهير، فيشهد التمثال من مكانه مصر التى تغيرت، ويشتد كربه وهو يرى الشباب العاطل الذى يبحث عن فرصة عمل، والشباب الذى يبحث عن شقة ليتزوج فيها، والشباب الثائر الذى يرفض كل شىء للا سبب، كل مصر كانت تحت التمثال، حتى رجال الفساد وأساطينه، هؤلاء الذين أفسدوا كل شىء حتى المعانى الجميلة للحياة، فأصبح القبح بديلا عن الجمال، والتطرف بديلا عن التسامح، والسرقة تحت غطاء الاستثمار منهجا، تجمعت كل هذه الأشياء فى لحظة فريدة فى الكون حول تمثال طلعت حرب فتحرك الحجر، وانتفض التمثال، وكيف لا يتحرك الحجر وهو الذى قال الله عنه: (وإن منها لما يهبط من خشية الله).

تحرك تمثال طلعت حرب وتكلم، وأخذ يجوب القاهرة التى قهرناها، فتقابل مع شاب وخطيبته يسعيان على أرزاقهما فيجدان الأبواب مغلقة إلا أن يتنازلا عن قيمتهما كبشر، والتقى بأحد رجال مصر الذين كانوا يأملون أن تعود مصر سيرتها الأولى فتنهض وتأخذ بمنهج طلعت حرب فى الاقتصاد، حتى إنه من فرط تأثره بطلعت حرب أصبح أحد القابعين ليل نهار تحت تمثاله يشكو حاله له، ويبكى له أوجاع مصر، ويبثه شجونه إذ حصل على الدكتوراه ومع ذلك لا يجد عملا! وحين يتعرف الثلاثة على تمثال طلعت حرب الذى دبت فيه الحياة، يطلب منهم أن يأخذوه إلى مصر ومؤسساتها، ويا لها من حسرة سيطرت على اللى بنى مصر وهو يجد أن مصر تراجعت فى كل شىء وعن كل شىء، وحين يذهب إلى استوديو مصر ينتابه الذهول مما وصل إليه حال السينما، ويقارن بين هذا المشروع الذى أنشأه ليرتقى بوجدان المصريين وثقافتهم، ويكون فى الآن ذاته مؤسسة اقتصادية كبيرة، حتى إنه قال لمرافقيه: لقد كانت السينما هى المصدر الثانى للدخل فى مصر بعد السياحة فما الذى حدث لها، رأى التمثال الحى أصحاب محال الجزارة وهم يتحكمون فى السينما فينحدرون بها إلى أسوأ منحدر! وهكذا ظلت الحسرة تناوش قلب طلعت حرب «التمثال» وهو يرى مصر أخرى لا يعرفها.

ولا يبقى لى إلا أن أشيد بإخراج المخرج الشاب الرائع إسلام إمام الذى أجاد تحريك الممثلين على خشبة المسرح، ورغم قلة الإمكانيات إلا أنه تعامل بحرفية شديدة مع المتاح له، وقد أمتعنى الممثل المبدع هشام إسماعيل الذى قام بدور الشاب العاطل الذى يبحث عن فرصة عمل لائقة وشقة يتزوج فيها، إلا أن شخصيته التى تعرفت عليها فى دور «فزاع» فى مسلسل «الكبير قوى» كانت طاغية فلم يستطع أن يمحوها، ومع هشام إسماعيل كان الممثل مدحت تيخة مبهرا فى اندماجه فى دور الدكتور العاطل المحب لطلعت حرب، ولكن أكثر من لفت نظرى فى مجموعة الشباب الذين قاموا ببطولة المسرحية فتاة غير عادية اسمها «سعاد» ولا أعرف بقية اسمها، فلو تنبه أحد لموهبتها فإننى أكاد أجزم أنها ستكون صاروخا كوميديا لا مثيل له فى السينما والمسرح، وأخيرا فلكل الفريق وعلى رأسه محمود الجندى أقول لهم شكرا لكم فقد كنتم عظماء، ولكن هل شعر بكم أحد؟!

نقلا عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع