الأقباط متحدون - حلاوة روح ...ويهود فرنسا
أخر تحديث ٢٠:١١ | الاربعاء ٢٣ ابريل ٢٠١٤ | برمودة ١٧٣٠ ش ١٥ | العدد ٣١٦٨ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

حلاوة روح ...ويهود فرنسا

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

مي عزام
فى مايو عام 1969 عاشت فرنسا أياما عصيبة ، بسبب إشاعة أنتشرت فى مدينة أورليان انتشار النار فى الهشيم ، الإشاعة أثارت الذعر وحولت الجميع لأفواه ترددها ، الأذن تسمع ولكن اللسان لايردد نفس الكلمات التى سمعها ولكنه يضيف عليها القليل من توابل الخيال و مذاقات التفسير، ومع اتساع دائرة السمع والكلام ، تحول الأمر إلى فاجعة.

مع بداية شهر مايو أنتشرت شائعة فحواها أن عدد من نساء مدينة أورليان أختفت فى ظروف غامضة ، هؤلاء النساء زبونات لمحلات ملابس داخلية أصحابها من اليهود ،وبدأت الإشاعة تعطى مبررات لهذا الأختفاء ،وهو أنه يتم حقن النساء بمادة مخدرة ،أثناء تواجدهن فى حجرات خلع الملابس ويتم نقلهن سرا إلى غواصة حيث يتم تسفيرهن لخارج البلاد للعمل فى الدعارة ، فهناك شبكة رقيق أبيض وراء عمليات الاختطاف هذه ، هذه الإشاعة أثارت الذعر فى المدينة كما أثارت الهلع فى فرنسا كلها ، بعدما نشرتها وسائل الأعلام وأفاضت فى الحديث عنها وظهر شهود عيان تبرعوا فى تأكيد بعد تفاصيلها ، ولكن الغريب أن شرطة المدينة أعلنت أنها لم تتلق أى بلاغ حول غياب أى فتاة أو سيدة فى أورليان ، وكان تعليق الأهالى مفاجأة ، فلقد أتهموا أصحاب المحلات اليهود وأبناء جلدتهم الأثرياء بشراء افراد الشرطة وتقديم رشاوى ضخمة لهم حتى يسكتوا عن الأمر ،و يتجاهلوا بلاغات الاختفاء ، وبدأ الأهالى فى مقاطعة تلك المحال والبصق على واجهاتها الزجاجية كلما مروا بجوارها بل أصبح هناك عداء خفى لكل ماهو يهودى وكل محل يبيع ملابس داخلية نسائية ، فلقد أصبحت تلك المحلات فى المخيلة الشعبية بالمدينة مسرحا محتملا لعمليات قذرة . ومثلما بدأت الشائعة أنتهت ، بعد ما تبين أنه لا أساس لها من الصحة ،الشائعة أنتهت ولكن الظاهرة أثارت التساؤل :لماذا حدثت ؟وكيف انتشرت بهذه السرعة ؟وكبف تمكن الخيال من خلق تفاصيل دقيقة تحاكى الواقع وتفرضه كحقيقة؟

لم يقف المثقفون الفرنسيون موقف المتفرج أو المعلق السلبى كما يحدث عندنا ، بل حلل صحفيون الظاهرة بالأضافة لمفكرين وعلماء أجتماع منهم المفكر وعالم الاجتماع الفرنسى إدجار موران الذى كون فريق بحث برئاسته لدراسة هذه الظاهرة ونشرت نتائجها فى كتيب صغير فى نفس العام ، وكان تفسير موران للظاهرة أنها محاولة من الأباء وكبار السن من الرجال للوقوف أمام مستجدات تحدث فى المجتمع تمثل لهم انحرافا ،وهو استقلال النساء وخروجهن للحياة والتمتع بمباهحها مثل الرجال ، بالأضافة إلى خوف ورعب هؤلاء على بناتهم وزوجاتهم مما قد يحدث لهن فى غرف خلع الملابس وهن يخلعن ملابسهن ويقسن الملابس الدخلية ، و هو ما شكل البذرة الأولى للشائعة و غذى خيالهم ،فهذه المخاوف تحولت لوحش يدير الصراع بالنيابة عنهم ويعيد المرأة إلى مكانها فى البيت خوفا ورعبا مما ينتظرها خارجه.

ان هذا لم يحدث فقط مع شائعة اورليان ولكنه يحدث مع كل حدث وظاهرة فى المجتمعات التى لديها ثقافة وقيم تخشى عليها ،كما حدث مؤخرا فى ايرلندا عندما منعت الحكومة ظهور الفتيات دون العاشرة بمكياج فى أى مسابقة حفاظا على براءتهن وحرصا على طفولتهن ، النخب المثقفة الواعية وعلماء الاجتماع يسارعون فى دراسة الظواهرللوصول لجذورها لتفسيرها مما يسهل بعد ذلك فى إيجاد حلول يمكن للحكومات أن تطبقها ،بعد عرضها على الرأى العام ومعرفة رأيه وردود أفعاله تجاهها .

فى مصر نتعامل مع الظواهر بالقطعة ، فالسبكى وأفلامه ظاهرة ليست جديدة وكان يجب أن تدرس منذ زمن طويل ، فهو لايقدم سينما تخاطب الطبقة الشعبية ، وليته يفعل ،بل يقدم افلاما تخاطب فئات عشوائية ليس لها جذور ولامعايير اخلاقية أو ثقافية، ولكن تتوفر لديها موارد تسمح لها بارتياد السينما مرة ومرات ،وتحقق له أرباح كبيرة فى شباك التذاكر ، والسبكى بياع ، فهو فى الأصل تاجر لحوم ، وبالنسبة له لايفرق كثيرا أن يتاجر بلحم البقرة أو التيس أو هيفاء وهبى ، كله لحم مطروح للبيع والتسويق ، وكان واجب على مراكز الأبحاث الاجتماعية فى مصر أن تدرس ظاهرة الليمبى وقلب الأسد وحلاوة روح وغيرها من ابداعات السبكى ، لتفسير أسباب نجاح تلك الأفلام تجاريا وماهى الفئات التى تخاطبها وكيفية معالجة الأمر لدى تلك الفئات من الأساس ، فالعلاج ليس لدى السبكى بالتوقف عن انتاج مثل هذه الأفلام التى تجعل من أفراد تلك الفئات المنبوذة أبطالا ، حيث يجد هؤلاء أنفسهم على الشاشة وهو ما يجعلهم يشعرون بالتطهر بالاتحاد والتماهى مع هذه الشخصيات كما يقول أرسطو ،وأيضا الفخر ، فهذه النماذج التى يزدريها المجتمع ولايحترمها و يحاول أن ينفى وجودها ـ هى موجودة بالفعل ولاتجد لها من يخاطبها غير السبكى باللغة التى تفهمها وهو ما يشعرهم بالرضا.

هذا الاستعلاء والازدواجية التى تعيشها النخبة المثقفة المصرية ، لن تفيد البلد بل هى تساعد فى مزيد من الأحتقان بين مختلف فئاته وأطيافه والحل هو استخدام العقل والعلم ....كفايانا قرارات عاطفية ، مثلما حدث من إبراهيم محلب ،ننساها بعد حين ونعود لنفس الموال من جديد .
نقلآ عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع