مينا ملاك عازر
كتب أحد الكتاب الأقباط المسيحيين المحترمين مهاجماً توراته ويقول، أنها بعد مصريته، ويدعي أن ثمة اكتشافات أثرية تثبت كذب بعض الأفكار التوراتية، ويدعي أن الإسرائيليون سرقوا أمجاد تحتمس الفرعون المصري ونسبوها لداوود ملكهم، ويستشهد بالواقعة الأشهر التي حدثت بين بيجن والسادات حين قال الأول أنهم بناة الأهرام، ولم يدرك السادات حينها أنهم يسرقون تاريخه.
وقبل ما أفند الهرتلة التي أتى بها صاحبنا المحترم إلا في هذه المسألة التوراتية، أحب أن أنوه له عن أن توراتي لا تأت بعد مصريتي فلولا ما بتوراتي التي هي جزء من إنجيلي عامةً، لما صار الأقباط المسيٍحيون وطنيون
ورفضوا يوماً ما حماية قيصر روسيا ٍلهم، ورفضوا اعتبارهم أقلية من قبل الإنجليز لإيجاد تكؤة لوجودهم في البلاد، تاريخ الأقباط مليء بالمواقف المشرفة التي يرسخها إنجيل قال سيدهم فيه أنه جاء ليكمل لا لينقض، فهو يكمل على التوراة، فقال اعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله، أي أنه رسخ لمفهوم الوطن، ولاحترامنا لقواعده وقوانينه، ولعل الكاتب المحترم يذكر علاقة البابا كيرلس بعبد الناصر؟
وكيف قبل الأول قلب الأخير لأن التوراة التي يدعي أنها بعد مصريته تقول أن قلب الملك في يد الله، فالتوراة والإنجيل يكرسون للوطنية الحقة وليس معنى أن بني إسرائيل كانوا على خلاف مع أحد الفراعنة وقال عنه الكتاب المقدس أنه غرق وأيد ذلك القرآن وبعض الآثار، أقول لا يعني هذا أن التوراة تكره مصر، وأنها مزيفة، ونحاول أن نسيء تفسيرها، وفهم قصصها بشكل يسيء لها دون أن نتعمق فيها، ولو كلف نفسه الكاتب المحترم لأدرك أن التوراة ذاتها روت عن فرعون يوسف، كيف احتفى بأهل بني إسرائيل
وأقاموا ببلاد مصر مدة طويلة وتشهد أيضاً أنهم كانوا مجرد رعاة ولم ينفوا هم هذا، كما يعيرهم الكاتب الفاضل، وأشاروا أنهم كانوا عبيد في أرض مصر، ومجرد بناءين وليسوا مهندسين، بنوا مدن –وليس أهرامات- تحت إشراف المصريين القدامى العظام، وليس هذا فضل منهم وإنما استعباد لهم وهذا فخر للفراعنة، فقد فعلوا ما عجزنا نحن عن فعله يا سيدي ما يعني أن أي ادعاء لبيجن ومن على شاكلته بخصوص الأهرامات هو محض خرافات لا تؤيدها التوراة نفسها.
أما مسألة داوود الذي ورد عنه فى الكتاب المقدس يوماً أنه كان يقود 600 رجل ويحاول الحرب في صفوف شعب الفلسطينيين ضد شعبه بني إسرائيل الذين كانوا يطاردونه نزولاً على أوامر ملكهم ثم فجأة صار يقود مئات الألاف من الرجال ويستشهد بها ليثبت كذب التوراة، وأنهم سرقوا أمجاد تحتمس المصري، فهذا لا لشيئ إلا لأنك لم ترهق نفسك بقراءة التوراة "العهد القديم" كما أجهدت نفسك وقرأت لعلماء وكتاب غربيين، فلو كنت قرأت لعرفت أن تعداد شعب بني إسرائيل وقت أن كانوا يطاردوا داوود وال600 رجل الذين معه كان عدداً كبيراً، ولما وصل داوود الملك لحكم بني إسرائيل بعد مقتل الملك الذي كان يطلب نفسه، أصبح من البديهى أن يقود نفس العدد الكبير من شعبس بني إسرائيل الذي كان يقوده شاول الملك الذي سلفه والذي كان يبغضه.
أما مسألة سرقة داوود لمزاميره من هنا ومن هناك فأحيلك لكتاب استحالة تحريف الكتاب المقدس للقس مرقس عزيز لتدرك حقيقة ما تقول وتعرف، أن الكتاب المقدس وحدة واحدة من قديمه لجديده، وحتى إن صدقت في مسألة أن هناك أمثال من سليمان مأخوذة من أجزاء من المصريين القدامى فهذا –وإن كنت أستبعده- فلا مانع في ظل اتفاق الشعوب عامةً للآن على أمثال متشابهة وحكم مستقرة بين بعضها البعض، فلو نظرت للتراث الألماني وأمثاله الشعبية وحكمه مثلاً ستجد منها ما بالأمثال والحكم المصرية وهكذا بين كل البلاد .
المختصر المفيد اقرأ كتابك المقدس بعهديه القديم والجديد لترسخ وطنيتك، ولا تحاول ترسيخها من كتب لها فيما تكتب مآرب، وقد تكون اجتزءت منها كما اجتزؤوا من كتابك المقدس.