قصة: عـادل عطيـة
نطق به القاضي..
وها هوذا ابنه، يتلقى حكماً بالسجن لمدة ثلاث سنوات؛ لمشاركته في تظاهرة دون ترخيص!
اختطفه الزمن..
ابنه لم يكن قد تخطى الرابعة من عمره بعد، عندما اختطفته عصابة اجرامية، مطالبة بفدية مقدارها: عشرة آلاف جنيه!
فكان الابن الخطأ للأب الخطأ؛ لأنه لم يكن يملك من هذا المبلغ، سوى الستر!
ولكنه استطاع، بمعاونة ذوي النيّات الطيبة، تدبير هذا المبلغ الفادح، الذي به استطاع استرداد فلذة كبده!
في ذلك الوقت، لم يكن يتخيل، أنه بعد مرور أربعة عشر عاماً، على ذلك الكابوس المظلم، أن يجد أبنه، مجدداً، بقبضة عصابة اجرامية أخرى، أكثر قساوة ووحشية، اختطفته بطريقة لم يعتدها أهل مصر من قبل.
فعصابة العشرة آلاف جنيه، استطاعت أن تختطف جسد أبنه، فقط، بينما بقيت روحه، وبقى عقله، يحنان إلى البيت، وإلى الأهل.
أما هذه العصابة، فأختطفت عقله منه، بينما هو في بيته وبين أهله كأنه ليس في البيت، وليس من أهله، تشتاق روحه، المأسورة في الوهم، إلى من يزهقها بقبضة من اصابع الديناميت، ويشتاق جسده، المقيّد بالاكاذيب، إلى من يمزقه أرباً بوابل من المواد الناسفة!
ما العمل، قالها الأب بحسرة، فأنا لا أستطيع أن أفديه بالمال؛ لأن الخاطفين لا يطلبون مالاً، بل هم الذين يمنحونه بسخاء فريد، حتى أصبح أبني يملك من مالهم، ما لم استطع امتلاكه أنا، بجهدي وعرقي، خلال سنوات عمري الفائتة!
ولا استطيع أن أفديه بعقلي؛ لأنه لم يعد يصغي إلى خبراتي، وإلى نصائحي، المغموسة، بحكمة السنين!
أعرف أن الناس، تلقي على باللوم القاسي، وكأنني خنت الأمانة، ولكنه الظلم بعينه.. ألم تكن تربية ورعاية آدم وحواء لابنيهما: قايين وهابيل، واحدة.. ومع ذلك، صار أحدهما قاتلاً، والآخر أمسى مقتولاً؟!؛ لأنه ببساطة: كان هابيل مطيعاً لوالديه، أما قايين، فكان، دائماً، فتى جانحاً متمرداً!
وبينما كان الأب مخطوفاً في هذه الأفكار الليلية، أفزعه صوت عربة الترحيلات، وهي تتحرك، حاملة أبنه إلى السجن البعيد؛ فلم تحتمل عينيه كبت الدموع الجامحة، التي انفجرت كبركان ثائر!...