الأقباط متحدون - الفاشل الذى لم يحاول!
أخر تحديث ٠٨:٠٥ | السبت ٣ مايو ٢٠١٤ | برمودة ١٧٣٠ ش٢٥ | العدد ٣١٧٨ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الفاشل الذى لم يحاول!

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

مفيد فوزي
لا أكتب فى الواقع عن شخص بعينه منعاً للتأويل أو الثرثرة، ولا أحدد على طريقة الفوازير ملامح أحد بذاته ولا أنزع قناعاً عن وجه شخصية ما مثلما فعل ناقدنا الراحل د. لويس عوض فى كتابه (الأقنعة). أنا أكتب عن قيمة فى حياتنا اسمها النجاح ولا أظن إنساناً فى الوجود لا يصبو نحوها. وأعترف أننى أكتب بحبر التجربة عمن رأيت وعايشت وخالطت قرابة أكثر من خمسين عاماً أحملها فوق ظهرى.

ولست أدعى النجاح، فقد جربت الفشل وذقت مرارته ولكنى حاولت وكررت المحاولة حتى عبرت عثرات السقوط فى الفشل وربما اعتقدت أن الفاشل هو (ناجح لم يحاول) والشاعر الإنجليزى شيللر يقول (انهض بجناحيك من عثرتك لتحلق فى سماوات بعيدة). وربما يقول نفس المعنى كاتبنا العظيم سلامة موسى (انفض عن نفسك غبار الفشل وقم لمحاولة أخرى)

ومازلت أتذكر عبارة قرأتها فى مجلة (المختار) ويعرفها أبناء جيلى جيداً وتقول: «إن إديسون مخترع الكهرباء وصل للمصباح بعد فشل ألف مرة». وتستطرد المختار: «لكنه لم يكف عن المحاولة»، هنا أقف عند كلمة «المحاولة»، لأنها كلمة السر فى النجاح، والنجاح أنواع وأصناف وأشكال ولكنه فى نهاية الأمر (هروب من إحباط الفشل)، وبعض الناس يعلق فشله أو لنقل عثرته على الظروف والحظ.

وفى تقديرى المتواضع أن الحظ «يحالف» المجتهد والموهوب، و«يتخلى» عن الكسول وعديم الموهبة. صحيح هناك محظوظ ولكن لأسباب مجهولة يعلمها الله، وأكبر خطأ فادح نسقط فيه حين نقارن أنفسنا بالآخرين ولماذا فازوا علينا أو حققوا نجاحاً أكبر؟ أتذكر أننى سألت النجم الكبير صلاح السعدنى: لماذا لم تحقق نجاح عادل إمام وأنتما خريجا كلية واحدة وبدأتما معاً رحلة واحدة؟ وقد رد السعدنى قائلاً بأمانة: «مش يمكن عادل موهبة أكبر»، لا أظن أنى سمعت هذه الإجابة من قبل وهى تعكس حجم النجاح بحجم الموهبة.

ولأن لكل منا طباعاً وخصالاً مختلفة عن الآخر، فإن قدر النجاح الذى يحصل عليه متباين. سألت مرة د. زكى نجيب محمود: هل ألقبك بالفيلسوف؟ قال بشجاعة: أنا فقط مشتغل بالفلسفة، أما الفيلسوف فهو صاحب نظرية وأنا صاحب مدرسة فى الفلسفة وليست لى نظرية مثل الفيلسوف الإنجليزى المعاصر برتراند راسل.

إن الطبيب الناجح ليس ذائع الصيت بقدر ما هو قادر على فعل (الخير) فى الطب، ولهذا هناك طبيب راهب فى علمه وطبيب له شهرة وأخطاء فادحة فى العلاج. والكاتب الناجح ليس الذى يلح عليك صباح مساء بأنهار من المقالات، لكنه القادر على التأثير على قرائه. فبحجم تأثيره يقاس نجاحه، والشهرة ليست مقياس النجاح، لأن فى الشهرة عامل الإلحاح والطبل المعنوى وربما الذكاء المحدود. ومع ذلك فإن أشهر حزب فى مصر هو حزب أعداء النجاح، وللعلم يكبر يوماً بعد يوم.

إن السياسى الناجح هو من يعرف طبيعة الأرض التى يقف عليها وحجم شعبيته وليس بالأنصار والحواريين يحقق نجاحاً، بل بفعل وسلوك ورؤية قادرة على الاستشراف. إن إرضاء كل الناس رهان على مستحيل، ومفتاح أى فشل هو إرضاء الجميع. إن الإرادة هى قاعدة الانطلاق نحو النجاح. أنت لن تنتظر النجاح بل يتحتم أن تذهب إليه بجسارة. شريطة ألا تكف عن المحاولة إذا (اتكعبلت) فى الفشل.

الكسل أيضاً عدو النجاح ومجلبة للفشل والإحباط. أثق أن هناك «قوى خفية» تتضافر لإنجاحك عندما تحتشد بكل طاقاتك تحت مظلة الإيمان. الذكاء «موصل» جيد للنجاح وأنت تحقق نجاحاً من رحم غباء الآخرين ولابد من «رى» النجاح بمياه المثابرة وإلا «جف عوده وانزوى». إن النجاح فى الحياة الخاصة مرهون بالانتصار على أسباب الفشل والنجاة من العواصف.

إن عود الياسمين يتمايل بليونة أمام الريح العاتية، بينما تعصف الريح بأشجار البلوط. إن حوادث الطلاق اليومية الهائلة فى المحاكم تثبت «فشل المشروع» لأسباب مختلفة يظل أهمها (إبطال الرشد والحصافة»، الفشل سهل التحقيق، بقليل من العناد تهزم قوى الخير المصاحبة للنجاح. المال الوفير ليس مقياس نجاح، لأن تاجر المخدرات أكثر ثراءً. وتاجر السلاح يفوق الكل ثراء، والطمع هو دليل «الإفلاس الروحى»، فقد ينجح إنسان فى منطقة عمل، فإذا ما غازلته فلوس أكثر ذهب بسرعة الغزال وكان لفشله «دوى هائل». ذكاء الفرد أيضاً قد يضلله، وقديماً قالوا: (ما خاب من استشار) ومن يستفت نفسه فقط يسقط فى حفرة الغرور. والغرور سوس ينخر على مهل فى شجرة النجاح

ومن الذكاء وسط تغيرات لاهثة أن تكون غبياً بعض الوقت. كان ديجول فرنسا يقول إن «نسبة فشل ما واردة فى النجاح، المهم كم نسبة هذا الفشل». وكاسترو كوبا (يقيس النجاح بتقليم شجيرات الفشل)، ويقصد أنه يعتبر «الأُميّين» فى بلاده عنصر فشل كبيراً وتعليم الأمّى الكوبى كان هزيمة للفشل. إن أكبر أشكال المحاولات لتحقيق النجاح تتمثل فى أولئك الفرسان الذين يعيشون (الانتظار الطويل) على حافة بئر بترول مخبوءة فى باطن الأرض. محاولات وراء محاولات حتى النجاح.

النجاح هدية الله للمؤمن المجتهد. أن تدق على أبواب النجاح ومعك أدواتك ستفتح لك، إن لم يكن اليوم فغداً. لقد نصحنى (مصطفى بك أمين) فى بداية مشوارى بعبارة بليغة من كلمتين: «انجح بالتقسيط». كان يقصد ليكن النجاح مرحلياً وليس دفعة واحدة تستفز الآخر. أنت لا تعيش وحدك فى الصحراء أنت تعيش فى المدينة التى تموج بشتى الانفعالات. وليس مثل النجاح يستفز الفاشلين ويتمنون زوال هذه النعمة. إن هناك عوامل خارجية معاصرة قد تساهم فى (إنجاح) من لا يستحق النجاح مثل الصحف والمجلات والنشرات وصفحات الفيس بوك والصراعات، بيد أنه (نجاح كسيح) محكوم عليه بالفشل بعد اختبار المزاج العام. إن (التواضع كالعشب) صنو النجاح

وهناك أمثلة، كالأديب السودانى الطيب صالح، والسياسى أسامة الباز، والروائى يحيى حقى، أكاد أتصور أن مفاتيح النجاح مخبوءة فى جراب الفشل. وأجزم أن النجاح شىء والشهرة شىء آخر مثلما نقول الصحة شىء والموت شىء آخر، ودائماً يقال إن (الانتهازى) نجاح مريض يقع بعد قليل من قمة الجبل إلى سفح الواقع. وفى بلادنا الشرقية نجاح المرأة دائماً (متهم) وتحيط به الأشواك و«قليل من الناجحات يعشن حياة سوية».

وتبقى أسئلة أجتهد فى الإجابة عنها قد تطوف برأس قارئ لبيب. هل تكوين ثروة يعتبر نجاحاً؟ نعم إذا كان كسباً مشروعاً. هل إجراء عملية جراحية أو اثنتين يجعل من طبيب اسماً ناجحاً؟ العبرة بطول التجربة والمثل الحى مجدى يعقوب. فهل فلان أو علان مقدم برامج ناجح؟ المهم مدى تأثيره فى الشارع. هل هذا الوزير أو ذاك ناجح؟ بقيمة شعور الناس به لو كان وزير خدمات وليس ما تكتبه الصحف عنه أو تطبل له فهذه (كائنات إعلامية). هل هذه الصحيفة ناجحة؟ تقاس بمدى قدرتها على الاشتراك فى صناعة رأى عام. هل هذا سفير ناجح؟ إذا نجح فى معادلة تلبية مصالح بلاده بتصالح مدروس مع مصالح الدولة؟ هل هو «فنان ناجح؟ إذا كان متفاعلاً مع جمهوره وفاعلاً فى سلوكياتهم.. هل تعتبر (...) تاجراً ناجحاً؟ نعم إذا كان الربح مساوياً للأمانة. هل هى زوجة ناجحة؟ ولم لا وهى تعاتب وتسامح وتهمش. هل هو لاعب ناجح؟ بحسب رأى الجمهور لا رأى النقاد المزاجيين. هل هى فنانة ناجحة؟ يتوقف الأمر على حصاد أعمالها الفنية وأين تصب، لا على مساحات صورها فى الصحف أو أخبارها بقصد التواجد فقط. وهناك النجاح الكاذب كالحمل الكاذب.

ومع ذلك ورغم كل ذلك أرى أن «النجاح جهد إنسان ولكن التوفيق من الله».

نقلآ عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع