بقلم : د.ماجد عزت إسرائيل
ولد سلامة موسى في4 يناير 1887م فى قرية "كفر سليمان العفى" أحدى قرى محافظة الشرقية،وتبعد عن مدنية الزقازيق نحو سبعةْ كيلو متراتْ،لأسرة قبطية ميسورة الحال، كان والـــده موظفاً بالحكومة يتولى رئاسة تحريــرات ذات المحافظة،وتوفى بعد مــولده بعـــامين، وقد ترك لأبنـائه الخمسة وهـــم: هيـــلانة وكاترينة وإسكندره ورومه، و"سلامة" أصغرهم نحو مائة فداناُ من أخصب الأراضي،أما والـــدته فتـــوفيت فى عـام 1916م، وفى مراحل تعليمه الأولى إلتحق بكتاب القرية كاعادة أبناء الريف،ثم بمدرسة الجمعية الخيرية القبطية الأبتدائية بالـــزقازيق 1898م، وبعد أن انتقلت أسرته للقـــاهرة إلتحق بالمدرسة التوفيقة العسكرية،التى تركها بعد تشاجره مع أحــد المدرسين الإنجليز، وإلتحق بالمدرسة الخديوية الثانوية، وتأخرت دراسته مدة بسبب مرض في عينيه أحتاج بسببه لعمليتين جراحيتين متواليتين تركت أثارهم على جفونه عينيه بقيه حيـــاته،فحصل على على البكالوريا (الثانوية العامة حالياً) فى عام 1906م.
وفى التاسعة عشرة من عمره سافر"سلامة موسى" إلى فرنسا عام 1906م ، بسبب خلافات عائلة، وقضى نحـو أكثر من ثلاثة سنـــوات بقرية " مـــوليــــرى" بالقرب من العاصمة الفرنسية باريس، وقــــــرأ لرجال الفكر والفلسفة الغربيين أمثال "فـــولتير" و "كــــارل ماركس"،وبعدهـــا سافر إلى إنجلترا لدراسة القــــانون،ولكنه أهمله واتجه إلى القراءة وانضم لجمعيتى"العقليين" و "الفابية" وتقابل مع رواد المسرح ومنهم "جـــورج برنارد شو"،وتأثر ب"تشارلز داروين"ونظريته حول "النـــــشو والأرتقــاء"، وكان من الداعين للحــــداثه فى الفكر العقــــلنى،والإيمان بالإشتراكية كسبيل لتحقــــيق العــــدالة الاجتماعية، والشخصية المصرية الفرعـــونية لها تـأثير عالمى ولـذلك يجب البحــث فى جذورها،وأيضا كان يؤمن بالديمقراطية والعلمنية الليبرلية وبحقوق المرأة المصرية.
وبدأ حياته العملية فى مصر فى1914م بأصدار جريدة أسبوعية عرفت باسم "المستقبل" مشاركة مع "شلبى شمبل"،ولكنها لم تستمر طويلاً وفى عام 1921م شارك المؤرخ"محمد عبدالله عنـــان" فى تأسيس الحزب "الحزب الأشتراكى المصرى"،ولكنه سرعـــان ما أنسحب لرفضه القيود التنظيمية،واعتزل الحياة السياسية،وفى عام 1923م تولى رئاسة مجـــلة"الهـــلال"،وفى عام 1930 أسس المجمع المصرى للثـقافة العلمية، وأصدر مجلة أسمـــاها" المجلة الجـــديدة"وكان يهدف من خلالها إلى تغليب الاتجاهات العلمية على الثقـــافة العربية،ولكن حكومة"صدقى باشا "أغـــلقت المجمع،فأسس جمعية "المصرى للمصرى" وتبنت هذه الجمعية مقاطعة البضائع الإنجليزية، مستلهمة في ذلك تجربة الزعيم الهندي" غاندي".
عرف عنه اهتمامه الواسع بالثقافة، واقتناعه الراسخ بالفكر كضامن للتقدم والرخاء، انتمى سلامة موسى لمجموعة من المثقفين المصريين، منهم "أحمد لطفى السيد"، الذي نادى بتبسيط قواعد اللغة العربية والاعتراف العامية المصرية، وكانت حجتهم أن اللغة العربية لم تتغير لأجيال، ،تتلمذ على يديه الروائى "نجيب محفوظ" صاحب نـــوبل فى الآداب ،الذي قال عنه سلامة موسى: "عندك موهبة كبيرة، ولكن مقالاتك سيئة" الأمر الذي دفع" محفوظ" إلى العناية في انتقاء مواضيعه.
على أية حال،ترك لنا"سلامة موسى"تراثاً ثقافياً تمثل فى العديد من مؤلفاته في شتى الاتجاهات الكتابية، وساعده على ذلك أنه ولج مجال الكتابة وهو في العشرين من عمره، كما أن إجــــادته للغات الأجنبية خاصة الإنجليزية والفــــرنسية أتاحت له الاطــلاع على معارف متنوعة وثقافات مختلفة، وقد أصدر حوالي أربعين كتابا منها: "مقــــدمة السوبر مان" عام 1910م،"، و كتاب"الاشتراكية" عام 1913م، و"حرية العقل في مصر" عام 1927م، و"النهــــضة الأوربية" عام 1935م، و"الدنيا بعـد ثلاثين عاما"، و"الحــــرية وأبطالها في التاريخ"، و"أحلام الفلاسفة"، وودوّن سيرته الذاتية في كتابه "تربية سلامة موسى" عام 1947م، و"هــــؤلاء علموني" عم 1953م، "المـــــرأة ليست لعبة الرجل" 1956م، وأحاديث إلى الشباب" فى عام 1957م كما أصدر عددا من المجـلات، وكتب الكثير من المقالات، ويذكر أنه استعمل كلمة ثقافة ترجمة لكلمة Culture لأول مرة في اللغة العربية الحديثة ،وصدر بعد وفاته كتابه القيم عن الصحافة وعنوانه"الصحافة حرفة ورسالة" عام 1963م.
أما حياته العائلة فتزوج فى عام 1923م ،من فتاة قبطية من أسرة متوسطة الحال تعيش بحى الظاهر، تدعى"أميلى"، دارسه للآداب الفرنسى بمدرسة القـــديس يوسف بالظاهر، وسكن فى أول شارع الجـــلاء،ورزق منها خمسة بنات هم ليلي وسعـاد وهـدى وسميحة وسميرة، وولدان هما:رءوف ونبيل وخوفو.
ورحل عن عالمنا الفانى فى 4 أغسطس عام 1958م ، بعد إصابته بجلته فى القلب، نيح الله نفسه بين احضان القديسين