محمود خليل
قلت لك إن التفكير فى «الدولة» بعيداً عن «الشعب» تفكير يفتقر إلى الدقة، لأن الدولة فى النهاية كيان اعتبارى مادته الشعب. فالشعب هو الدولة والدولة هى الشعب. والسؤال: ما دلالة مصطلح الدولة لدى المشير «السيسى»؟
نستطيع القول بأنه مفهوم متراوح بين الاعتناء بـ«الشعب» من ناحية، والاحتفاء ببعض المؤسسات الممثلة لها من ناحية أخرى. أجرت جريدة «المصرى اليوم» تحليلاً لشبكة المفردات الأبرز فى الجزء الأول من حوار «السيسى» مع لميس الحديدى وإبراهيم عيسى، ووجدت أن المشير استخدم مفردة «المصريين» 18 مرة، فى حين استخدم مفردتى «الجيش» و«الشرطة» 22 مرة، موزعة بالتساوى فيما بينهماً. وتمنحنا هذه الأرقام مؤشراً مبدئياً يوضح أن «السيسى» عندما يتحدث عن الدولة فإنه يقصد بها المصريين من ناحية والمؤسستين العسكرية والأمنية من ناحية أخرى، وأن تفكير «المشير» منشغل بالضرورة بهاتين المؤسستين، وقد يفسر ذلك بنظرته إليهما كأدوات للحماية!
يرتكن خطاب «السيسى» فى جانب منه على فكرة «حماية» مؤسسات «الحماية»، والمتمثلة فى الجيش والشرطة. وهو رد فعل طبيعى يمكن أن يفهم فى سياق محاولات الإخوان -خلال حكمهم للبلاد- النيل من هاتين المؤسستين، قناعة منهم بأن هاتين المؤسستين هما الأقوى والأكثر قدرة على تحدى الجماعة عندما تفرض الظروف ذلك، وقد تأكدت هذه القناعة لديهم فى 3 يوليو
لكن الإنصاف يدعونا إلى التأكيد على أنه لم يكن لأى من المؤسستين العسكرية أو الشرطية أن تتخذ قرار الإطاحة بالإخوان، إلا بعد نزول الشعب بالملايين فى 30 يونيو. ولو أنك أنعشت ذاكرتك قليلاً واسترجعت مؤشرات الأخذ والرد بين الجماعة والمؤسسة العسكرية على وجه الخصوص قبل أشهر من موجة 30 يونيو فستجد أن رسائل عديدة كانت تخرج على ألسنة قيادات الجماعة تحمل هجوماً على القيادات العسكرية وتنشر الإشاعات حول نية «مرسى» تغييرها، وكانت المؤسسة العسكرية ترد، وبيانات المتحدث العسكرى فى هذا المقام موثقة ومعروفة
وعبارته الشهيرة التى كان يقول فيها «إن المؤسسة العسكرية لن تسمح بتكرار سيناريو خروج المشير طنطاوى والفريق سامى عنان». لعلك تذكر أيضاً أنه قبل أسابيع قليلة من 30 يونيو 2013 صرح المشير «السيسى» -رداً على نداءات رموز بعض النخبة الليبرالية للجيش بالتدخل- أن القوات المسلحة تحاول أن تنأى بنفسها عن السياسة، وأن الجيش لو نزل «انسوا تلاتين أربعين سنة»، وأن من يريد التغيير عليه أن يتحمل الوقوف فى طابور الانتخابات ساعتين أو ثلاثة ليفرض اختياره. لم تتحرك مؤسسات الشرطة والجيش (الحماية) إلا بعد نزول الشعب بالملايين!
ماذا يعنى ذلك؟
إنه يعنى ببساطة أن الشعب هو الذى حمى الجيش والشرطة حين انتفض فى 30 يونيو. وعندما بدأت رموز الجماعة فى الطنطنة بتهديداتهم الإرهابية للشعب، بادر المشير «السيسى» إلى طلب شرعية شعبية لمواجهة الإرهاب، فكان أن دعا الناس إلى النزول يوم 26/7/2013 لتفويضه فى مواجهة الإرهاب، ونزل المصريون ومنحوه هذه الشرعية انطلاقاً من وعيهم أن ضرب الدولة لا يعنى أكثر من انقسام الشعب ليمزق بعضه بعضاً، وهو ما كانت الجماعة تهدد به بـ«عنترية» تحسد عليها!
نقلآ عن الوطن