الأقباط متحدون - الخط الدفاعي للبابا اثناسيوس
أخر تحديث ١٠:٠٤ | الخميس ١٥ مايو ٢٠١٤ | بشنس ١٧٣٠ ش٧ | العدد ٣١٩٠ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الخط الدفاعي للبابا اثناسيوس

البابا أثناسيوس
البابا أثناسيوس

مينا اسعد كامل
البابا اثناسيوس : [1]
المدينة الأصلية له    :    الإسكندرية
الاسم قبل البطريركية    :    أثناسيوس
الميلاد    :    296 م. - الإسكندرية - من والدين وثنيين
تاريخ التقدمة    :    8 بشنس 44 للشهداء - 5 مايو 328 للميلاد

تاريخ النياحة    :    7 بشنس 98 ش. (90؟) - 373 ميلادية

مدة الإقامة على الكرسي    :    45 سنة (46 و15 يوم؟)
مدة خلو الكرسي    :    13 يوما
محل إقامة البطريرك    :    المرقسية ثم الدومينيكوم الديونيسي ثم المعبد القيصري ثم الدومينيكوم الديونيسي
محل الدفن    :    كنيسة بوكاليا
الملوك المعاصرون    :    قسطنطين الكبير - يوليانوس - جوفيانوس - فالنس


 
يقول (جواتكن  [2])- صاحب كتاب تاريخ الاريوسية سنة  1882م عن البابا أثناسيوس :
"هذا الأسقف العظيم حقا ، والذي لم يكن أعظم منه أحد قط ؛ فقد وقف وحيدا يدافع عن مجمع نقية ..، لقد حاول الإمبراطور قسطنتيوس أن ينتقم منه..، ولكن كلفه ذلك أن ارتجت الإمبراطورية كلها من حوله حتى إلى أساسها ، وحتى  ذلك الزلزال المروع الذي أصاب منطقة الأدريانوبل ، فلم يكن في نظر الإمبراطور من الخطورة والعنف بمثل ما أحدثه اثناسيوس بهروبه من وجه الإمبراطور علاني !

      وجاء بعده الإمبراطور يوليانوس الوثني الجاحد ، ونظر ، ولم يكن يصدق عينيه ، كيف كان أثناسيوس كملك يحكم مصر !!بل ويعّمد السيدات (الشريفات) الوثنيات – المعتبرات أنهن تحت حماية الإمبراطور – الأمر الذي آثار أفظع غيظه...، فأجتهد ولم يكل ، حتى نجح في نفيه أيضا، ولكن بالرغم من كل ذلك ظل أثناسيوس بهدوء كما هو يعمل بلا هوادة "

اثناسيوس الرسولي هو الوحيد الذي حصل على لقب حامي الإيمان من الكنيسة بشكلها العام. رغم أن كثير من الآباء وصفوا بهذا اللقب لكونهم حماة للإيمان إلا أن هذا الوصف كان من الشعب وليس من الكنيسة.

لذا من الضروري أن نحاول استنتاج الأسلوب والخط الدفاعي لبطل الإيمان الأرثوذكسي أو كما يسميه البعض "منشئ الأرثوذكسية" كأسلوب أساسي يصلح في التطبيق للباحثين في الكتابات الدفاعية.
ويرى الباحث إننا نستطيع تقسيم الإطار العام للقديس اثناسيوس من حيث :
أولا : السمات الشخصية للمدافع وحامي الإيمان اثناسيوس الرسولي.
ثانيا : المنهج العام وخط الكتابة في دفاعاته.
شكل (3-3-3):
 
 
أولا : السمات الشخصية للمدافع وحامي الإيمان اثناسيوس الرسولي.
1-   يرى أن اللاهوتي تقوى وعشق الثالوث كسمة أساسية لأي مدافع.

لم يرَ البابا أثناسيوس أنَّ اللاهوت فلسفة عقلانية ومنطِق يخضع للنِقاش والجِدال والتحليل ، لكنه رأى أنَّ اللاهوت تقوى وعِشق الثَّالوث ، لذلك جاهد ضد الأريوسية مُجاهدة النور مع الظُلمة والحياة مع الموت ، حتى سقطت الأريوسية بلاهوتها العقلاني المُلفق ومنهجها الفلسفي ، بعد أن عاش أثناسيوس حياة استشهاد مُتواصِل ، عاش في الحق الذي لا يموت ظلَّ يزرع أشجاراً طوال حياته حتى تستطيع الأجيال القادِمة أن تستظِل تحتها [3]

فيقول :
•   "إن دراسة الكتب المقدسة ومعرفتها معرفة  حقيقية تتطلبان حياة صالحة ونفسا طاهرة وحياة الفضيلة التي بالمسيح. وذلك لكي يستطيع الذهن باسترشاده بها أن يصل إلي ما يتمناه وان يدرك بقدر استطاعته الطبيعة البشرية فيما يختص بالله الكلمة. [4]

قال عنه القديس غريغوريوس النزينزي [5]: "عندما أمدح أثناسيوس أمدح الفضيلة، أذكر كل فضيلة عندما أشير إلى ذاك الذي اقتنى كل الفضائل كان عمود الكنيسة الحقيقي.  حياته وسلوكه يمثلان نظامًا للأساقفة. وتعليمه يمثل قانون الإيمان الأرثوذكسي."
2-   اشترط الإيمان المطلق الداخلي للرد على الهرطقات:

أعلن القديس اثناسيوس في كثير من المواقف مدى قوة إيمانه كمحرك أساسي في خوضه لأي نزاع لاهوتي بل ودعا المعترض أن يختبر هذا الإيمان. جاءت ثقة اثناسيوس الرسولي في إيمانه بصيغة تحديه إعجازي للطرف الآخر . كان يلقي التحدي واثقا من نتيجته إن جروء خصمه على اختباره. ويرى نيافة الأنبا بنيامين [6] أن النُّصرة في حرب الإيمان ودحض الهرطقات ليست نِزاع ومنطِق كلام بل إيمان وإنجيل وتقليد وتقوى والتزام عملي وسلوكي ، لذلك اعتبر القديس أنَّ الثَّالوث هو اللاهوت الكامِل وأنه التقوى الوحيدة ، بالتأمُّل في الثيولوچيا لا كدِراسة فِكرية نظرية وبُرهانات ، ولكن كممارسة عملية تقوية للفضيلة ولِشَرِكَة الثَّالوث القدوس
 نرى القديس يقول:

•   "من يرد أن يمتحن أقوالنا السابقة بطريقة عملية فدعه – في وجود خداع الشيطان وضلالات المنجمين وأعاجيب السحر يستعمل علامة السحر التي يسخرون منها وينطق فقط باسم المسيح فيرى كيف تهرب الشياطين من اسمه ويبطل التنجيم ويتلاشى كل سحر وعرافة" [7]
 
3-   رأى أن قبول الإيمان بالعقل جوهر هام:
أكَّد القديس على أولويِة الإيمان على العقل ، فتسليم المعرِفة الثيولوچية لا يمكن أن يكون بالبراهين الكلامية بل بالإيمان وأفكار التقوى والوقار ، لذلك لم يترك لنا مُؤلِفات ذات طابِع بُنائي أو تثقيفي لأنَّ حياته كلها كانت جهاد ودِفاع ، وبالرغم من خِصبه الفكري وكثافته اللاهوتية ، إلاَّ أنَّ أسلوبه سهل واقعي تلقائي بسيط ، يشرح الحق فقط مُكرراً مؤكدا [8]

كان يخاطب العقل بالعقل والمنطق بالمنطق واضعا عراقيل استفساريه إن أجابها المعترض سقط ادعائه فيقول :
•   "يا معشر الأريوسيين، وأنتم تذكرون نفس أقوالكم، خبرونا: "هل الذي هو كائن، أم إلى من هو كائن، لأجل خلقة كل الأشياء؟" لأنكم قلتم أنه صاغ لنفسه الابن كأداة لكي يخلق بواسطته كل الأشياء.أيهما أفضل، أذن هل الذي يحتاج أم الذي يسد الاحتياج؟. أم أن لكلاً منهما يستكمل احتياج الواحد للآخر؟ لأنه بقولكم مثل هذا الكلام فإنكم تثبتون ضعف الخالق، إن كان لا يقوى وحده على أن يخلق كل الأشياء بل يبتكر لنفسه أداة من الخارج، كما لو أن نجاراً أو صانع سفينة لا يستطيع أن يعمل أي شئ بدون مطرقة أو منشار." [9]
 
4-   كان مصرا مثابرا متمسكا مضحيا.
يظهر العناد والمثابرة بأجل الإيمان في حياة القديس اثناسيوس فتقبل النفي عده مرات وتقبل الاضطهاد مرات عديدة إلا أن هذا لم يمنعه من استكمال مسيرته لذا فإن نيافة الحبر الجليل الأنبا بيشوي يشرح هذا الأمر قائلا "قيل له العالم ضدك يا أثناسيوس" فكان رده "وأنا ضد العالم لذلك أخذ لقب Athanasius Contra Mondum  (اثناسيوس كونترا موندوم) باللغة اللاتينية أي اثناسيوس ضد العالم وعبارة ضد العالم هنا مقصود بها ض الاريوسية التي كانت تنتشر في العالم المسيحي وليس المقصود بها الأديان الأخرى في زمانه أو الوثنيين " [10]

ويرى د. منير شكري "إن المثل اللاتيني المشهور " Athanasius Contra Mondum "  الذي يُضرب الرجل الذي يثبت على رأيه رغم إجماع الناس على معارضته لهو أجمل الأمثلة على أحقية الفرد في إبداء رأيه ولو ضد الجموع" [11]
 
5-   يتجنب المناقشات الغبية بينما لا يصمت إن كان كلام المعترض يسبب عثرة للمؤمنين.
كقول الكتاب : + لا تجاوب الجاهل حسب حماقته، لئلا تعدله أنت (أم 26: 4)و قوله  جاوب الجاهل حسب حماقته، لئلا يكون حكيماً في عيني نفسه (أم26: 5) استطاع القديس اثناسيوس أن يطبق المعادلة فائقة الحكمة المتمثلة في هاتين النصين من أمثال سليمان الحكيم . فنراه يصمت بالحكمة في مواجهه (الجاهل والأحمق) حتى لا ينجرف في حوار ومجادله غبية إلا انه سرعان ما يخرج جواهر الروح القدس في تدمير أفكار المعترض إن ما أصابت جانبا في قلب احد المؤمنين. نجده يقول :

•   وإذ أنا واع لذلك لم أكن لأجيب على تساؤلاتهم لكن إذ قد طلبت صداقتك أن تعرف ماذا حدث في المجمع .. لذلك قمت على الفور دونما أي تأخير بسرد ما حدث آنذاك" [12]

•   "ومثل هذه الأقوال المفرطة في الغباء والحماقة كان يجب ألا يرد أحد عليها، إلا أنه، لكي لا تبدو هرطقتهم وكأنها أمر أكيد، فإنه يكون من الواجب أن نفندها، خاصة من أجل النساء الغريرات اللاتي انخدعن منهم بسهولة." [13]
 
6-   يتنبأ برد فعل المعترض.
يظهر ذكاء والخبرة الإيمانية لأثناسيوس كمحاور ودراسته الجيدة للمعترض عندما يتنبأ برد فعله ويعلن مسبقا ما سيقوم به المعترض في خطوته التالية مقدما له ما يقطع عليه أية محاوله للهجوم المضاد فيقول
•       "إذ بعد وقت ليس بطويل سيعودون إلي هجومهم"  [14]..
•   "في حين أنهم أن سمعوا أن الله يخلق ويصنع، لا يعودوا يعارضون ذلك بالأمور البشرية؟ وكان يجب عليهم في حالة الخلق أيضاً أن يفهموه بحسب ما يحدث بين البشر، وأن يزودوا الله مقدماً بالمادة اللازمة، وبذلك فإنهم ينكرون أن الله هو الخالق، وتبعاً لذلك فأنهم يصلون إلى التمرغ في الوحل مع المانويين." [15]
 
ثانيا : المنهج العام وخط الكتابة في دفاعاته.
 
1-   كان يوقر السلطان المطلق للإنجيل.
أدرك البابا اثناسيوس أن الكتاب المقدس هو ذاك الأسد الذي يملك كل مقومات الدفاع عن نفسه أمام أية هجوم فأعلن إيمانه بالسلطان المطلق حتى انه وُصِف بأن صاحب غيره نارية وشغف بالكتاب المقدس وتوقير مطلق لسلطانه [16]
فيقول :
•       " لأنها نصوص قد نطق بها وكتبت من الله على أيدي ناس تكلموا من الله " [17]
•   "والآن فإن هدف الكتاب المقدس وميزته الخاصة كما قلنا مراراً هو أنه يحوى إعلاناً مزدوجاً عن المخلص: أي أنه كان دائماً إلهاً وأنه هو الابن إذ هو كلمة الآب وشعاعه وحكمته، ثم بعد ذلك أتخذ من أجلنا جسداً من العذراء مريم والجة الإله، وصار إنساناً. وهذا الهدف نجده فى كل الكتب الموحى بها، كما قال الرب نفسه" "فتشوا الكتب" وهى تشهد لى" (يو39:5). ولكن لكي لا أكثر فى الكتابة بجمع كل الآيات عن هذا الموضوع فسوف اكتفى بذكر عينه من هذه الآيات. فأولاً، يقول يوحنا "في البدء كان الكلمة.والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله. هذا كان فى البدء عند الله، كل شئ به كان وبغيره لم يكن شئ مما كان" (يو1:1-3). وبعد ذلك يقول "والكلمة صار جسداً وحل بيننا، ورأينا مجده، مجداً كما لوحيد من الآب" (يو14:1). ثم يكتب بولس "الذي إذ كان في صورة الله، لم يحسب خلسة أن يكون مساوياً لله، لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبد صائراً في شبه الناس وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب" (فى6:2-8 " [18]
 
 
2-   تمسك بالتقليد الكنسي الرسولي.
يرى نيافة الأنبا بيشوي أن القديس اثناسيوس حصل على لقب الرسولي لأنه هو وحده حفظ الإيمان الذي بشر به الإثنى عشر تلميذا والاثنان والسبعون بمعنى أن ما عمله كل الرسل حافظ عليه القديس اثناسيوس أفلا يستحق إذن أن يحسب كواحد منهم" [19]
" وقف القديس اثناسيوس في مجمع نيقية ورد على كل ادعاءات الأريوسيين وعلى أريوس شخصيا لكن معلمه هو البابا الكسندروس وهذا ليس إقلالا من شان القديس أثناسيوس وإنما تمجيدا له لأنه لم يخترع إيمانا وإنما تسلم الإيمان وشرحه ودافع عنه. هذا هو مجد المدافعين عن الإيمان. [20]
إذا كان البعض في عصرنا الحاضر يعيب على كنيستنا الجمود لدرجة ما والتشبث بما تسلمته من تقاليد وتعاليم وصلابة الفكر فلا ننسى أن هذه التهم هي التي كان يرمى بها مؤسس الأرثوذكسية في وقتها . واليوم أصبح الجميع يحمدون له هذه الصفات التي حمت المسيحية من تدخل الوثنية" [21]
يُعتبر البابا أثناسيوس الرَّسولي المركز الذي كانت تدور حوله الكنيسة واللاهوت في العصر النيقاوي ، لذلك لُقِب بأبو الأرثوذُكسية ، ودُعِيَ بالمِنبر الأعظم وحجر الزاوية في الكنيسة المُقدسة ، وأسقف الأساقِفة رأس العالم رأس كنيسة الإسكندرية [22]
جمع القديس أثناسيوس بين أمرين الأول هو أنه استلم الإيمان، والثاني أنه كان محاوراً قوياً قوى الحجة، وقدَّم إيمان أسلافه من البطاركة خاصة البابا ألكسندروس بصورة قوية جداً، بل ومقنعة جداً. فوقعت كلمات أثناسيوس القوية وحجته الدامغة وقع المطرقة على أريوس ومؤيديه. وسجد الجميع شاكرين لله على استخدام هذا الشاب الصغير، كما حيّاه الإمبراطور قائلاً: أنت بطل كنيسة الله. [23]
تمسَّك البابا أثناسيوس في منهجه اللاهوتي بالتقليد الكنسي ، ففهم اللاهوت فهماً كنسياً بعيداً عن التلوث الفلسفي اليوناني الذي أسقط أريوس الهرطوقي وأتباعه .. ، وربط القديس بين الثيولوچيا والباترولوچيا مُعتبِراً أنَّ شَطَطْ الهراطِقة كان في عدم حِفظِهِم للمسيحية التقليدية ، أمَّا إيماننا نحن فمستقيم ونابِع من تعليم الإنجيل وكرازِة الرُّسُل وتقليد الآباء ومشهود له من العهدين القديم والجديد [24]
القديس أثناسيوس لم يخترع شيئاً جديداً بل استلم من معلمه وأستاذه البابا ألكسندروس، الذي استلم بدوره من البابا بطرس خاتم الشهداء "الإيمان المسلم مرة للقديسين" (يه 3). وحينما وقف الشماس أثناسيوس في مجمع نيقية يحاور أريوس كان في وقوفه يشعر بقوة الأبوة التي كان يشمله بها البابا ألكسندروس وبمساندته له [25].
يقول :
•   "بحسب الإيمان الرسولي المسلم لنا بالتقليد من الآباء فاني سلمت التقليد بدون ابتداع أي شئ خارجا عنه فما تعلمته فذلك قد سطرته مطابقا للكتب المقدسة" [26]
 
3-   استخدم الأسلوب التعليمي.
تميَّز أسلوب أثناسيوس الرَّسولي بكونهِ تعليمياً أكثر منه جَدَلِياً هجومياً ، لأنه راعِ يعلم رعيته ، وإن كان من البيِّن أنَّ البابا أثناسيوس كان يستخدِم الأسلوب الهجومي الجَدَلي ضد الأريوسيين بهدف تعليم الشعب ، لذلك نقرأ كِتابات لاهوتي عظيم يتكلَّم بأبسط أسلوب يتناسب مع شعبه [27] .
يقول :
•   "وهؤلاء المشاركون الأولون كيف لا يشاركون اللوغوس؟ وهذا التعليم ليس حقيقياً، بل هو بدعة المتهودين المعاصرين. فكيف إذن في هذه الحالة – يمكن لأي أحد على الإطلاق، أن يتعرف على الله كأب؟ لأن من غير المستطاع أن يحدث التبني بغير الابن الحقيقي، وهو نفسه القائل: "لا يعرف أحد الآب إلا الابن، ومن سيعلن له الابن" (متى27:11(
•   وكيف يحدث التأليه بدون اللوغوس. وقبله.؟ هذا بالرغم أنه هو نفسه القائل لليهود أخوة هؤلاء المبتدعين. "أن قال. آلهة. لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله".
•   فإن كان كل الذين دعوا أبناء وإلهة سواء على الأرض أم في السموات قد نالوا التبني وصاروا متأهلين من خلال اللوغوس. وان كان الابن نفسه هو اللوغوس. فمن الجلي أن الجميع قد صاروا أبناء من خلاله. وكان هو قبل الجميع.. وبالحري فقد كان هو الابن الحقيقي وحده. وهو وحده اله حق من اله حق – ولم يحصل على هذه (الصفات) كمكافأة لفضيلته. وليس هو أخر غير هذه (الصفات) بل هو كل هذه (الصفات) بحسب الطبيعة وبحسب الجوهر. لأنه مولود من جوهر الآب حتى لا يشك أحد أنه ، بحسب صورة الآب غير المتغير. يكون اللوغوس أيضاً غير متغير.
•   ونحن إلى الآن. قد استعملنا أفكاراً حقيقية عن الابن للإجابة على ابتداعاتهم غير المعقولة. ولكن يجمل بنا الآن إذن أن نستشهد بالأقوال الإلهية لكي نبرهن أيضاً بدرجة أكثر كثيراً على عدم تغير الابن وعدم تغير طبيعته الأبوية الثابتة. كما يتبرهن أيضاً مدى انحرافهم وضلالهم." [28]
 
4-   استخدامه للأسلوب الهجومي كان يشرح الإيمان.
لم يدخر وسعا في وضع المعترض في مكانه الحقيقي موجها سهاما نارية تدحض حجته التي يستند إليها فجاء أسلوب القديس العظيم مزيجا بين الهجوم و التعليم جمعهم معا الروح القدس ليخرج علينا الرسول الثالث عشر .
يقول :
•   "ولكن إن اعترفوا بوجود كلمة الله وانه هو المهيمن على الكون وان الأب خلق به الخليقة كلها وان الكل ينالون النور والحياة والوجود بعنايته وانه يملك على الكل ولهذا فانه يعرف من أعمال عنايته وبواسطته يعرف الأب " [29]
•   "وإذن فحيث أن مثل هذه المحاولة هي جنون خطير بل أكثر من جنون فليس لأحد أن يسال بعد مثل هذه الأسئلة بل علية أن يتعلم فقط ما هو في الكتب المقدسة" [30]
•   "أول كل شئ. فان أول سؤال من أسئلتهم هذه، يعتبر لا معنى له بل هو غامض، لأنهم لا يوضحون، من هو الذي يسألون عنه، حتى يجيب عليه من وجه إليه السؤال. فهم يقولون بسذاجة "الكائن، هو ذلك الذي لا يكون موجوداً".
•   إذن، فمن هو الكائن، وما هي الأشياء غير الكائنة أيها الآريوسيون؟. أو من هو "الكائن" ومن هو "غير الكائن"؟ ومن الذي يقال عنه "كائن" أو "غير كائن"؟ إذ أنه في وسع ذلك الذي هو الكائن أن يصنع الأشياء غير الكائنة، والأشياء الكائنة، والأشياء التي كانت من قبل.
•       إذن فالنجار والصائغ والفخاري، كل منهم بحسب فنه الخاص، يشكل المادة الموجودة قبلاً، صانعاً منها الشكل الذي يريده." [31]
•   والله ذاته، إله الكل، إذ قد أخذ من تراب الأرض الذي كان موجوداً، جعل منه الإنسان في الحال، وهذه الأرض نفسها التي خلق منها الإنسان لم تكن موجودة من قبل، ومن ثم أتى هو بها إلى الوجود بواسطة كلمته الذاتي."
 
5-   وضع المصطلحات اللاهوتية لقطع خط الرجعة على الهراطقة.
الأرضية الراسخة والتعبيرات الواضحة المدققة كانت سلاحا قويا يحركه فيه الروح القدس مع ذكاء ووعي خارق تميز بهم القديس في وجه المعترضين لذا فقد  وضع مُصطلحات لاهوتية لقطع خط الرجعة على الهراطِقة ، وهو صاحِب اصطلاح Homoousion ( أي واحِد مع الآب في الجوهر ) ، فنادى به على مستوى الإيمان والأمانة ولا يمكن أن نفصِل اسم أثناسيوس الخالِد أبداً عن عقيدِة الثَّالوث ( التريادولوچا ) التي كرَّس حياته لأجلها [32].
 
 
6-   صياغة التعليم بفلسفة صامدة غير قابلة للدحض.
اعتاد القديس أثناسيوس أن يُشكِّل إيمان الكنيسة افتراضاته الفلسفية ويصيغ  تعليمه ، فدحض هرطقِة المُبتدِع أريوس ، والتي تتعلَّق بأزليِة الابن ، والتي حصرها أريوس الهرطوقي في بُنوة لها معنى الصيرورة والمخلوقية [33] فيقول :
•   "إن فلاسفة اليونانيين يقولون أن الكون جسم عظيم وهذا صحيح لأننا نرى الكون وأجزاءه بحواسنا فإن كلمة الله موجود في الكون الذي هو جسم وإن كان (كما يقول الفلاسفة) موجود في الكون فما هو الأمر الغريب أو غير اللائق أن قلنا انه اتحد بالإنسان أيضا" [34]
•   "إن مثل هذا الفكر للآريوسيين هو في الحقيقة إلي فناء وفساد ، ولكن  كلمة الحق التى كان يليق أن تكون في فكرهم فهي هكذا : إن كان الله  (المنبع) والنور، و الآب هو الله ، فليس من العدل أن يُقل إن المصدر (الينبوع) بلا ماء ولا أن يكون النور بلا إشراق ، ولا الله بغير كلمة ، حتى لا يكون الله غير حكيم أو غير ناطق أو بغير نور. ولهذا السبب نفسه ، فكما أن الآب أزلي يلزم أيضًا أن يكون الابن أزليًا كذلك . لأن كل ما نفكر به من جهة الآب فهو بلا شك للابن أيضًا" [35]
 
 
7-   كان يشرح قصور الآخر ونقاط ضعفه وسبب هجومه.
كالطبيب الماهر تعمد اثناسيوس الرسولي أن يكشف للمعترض أمراضه الإيمانية وكمحاور مبدع كان يضع عيوب الخصم أمام المؤمنين متمثلا في الكتاب المقدس الذي عندما بدأت التجربة الأولى أعلن دهاء الحية أمام حيوانات البرية لذا فكان يتعمد القديس أن يفضح المعترض فيبدأ القديس اثناسيوس دفاعه بوصف مراوغه الأريوسيين وتناقضهم وسلوكهم في المجمع
يقول :
•   " أتعجب من الوقاحة التي جعلت الأريوسيين  لا يزالون يعترضون مثل اليهود .... وهم في ابتكار الحيل إنما يتصرفون حسبما يناسب نزعتهم الشريرة فهم متغيرون ومتقلبون في أرائهم مثل الحرباء .. وعندما يفضحون يبدون مرتبكين ومتحيرين وعندما يسالون يترددون وعندئذ يسألون يترددون .. وعندئذ يفقدون حيائهم ويلجئون للمراوغة وعندما يفضحون في هذه لا يهدئون حتى يخترعوا أمورا جديدة غير حقيقية " [36]
•   "ليس هناك احد بعد أن يدان بالقتل أو الزنا يكون حرا بعد المحاكمة في أن يناقش أو يجادل القاضي متسائلا لماذا تكلم بتلك الطريقة وليس بتلك لان ذلك لن يبرئ الشخص المدان بل بالأحرى يزيد من جرمه من جهة الفظاظة والوقاحة" [37]
يعقد مقارنة بقوله :
•   " وكما أن اليهود في ذلك الوقت بسبب سلوكهم الشرير هذا وإنكارهم للرب قد حرموا بعدل من نواميسهم ومن الوعد الذي أعطي لآبائهم كذلك الأريوسيين المهودون الآن هم في أحوال شبيهه بظروف قيافة"
•   "فإذ يعرفون أن بدعتهم غير معقولة على الإطلاق يخترعون الأعذار قائلين لماذا كتب المجمع هذا وليس ذلك ..." "إن اليونانيين يناقضون أنفسهم فإنهم يسخرون مما لا يدعو إلي السخرية وفي ذات الوقت لا يشعرون بالخزي الذي هم فيه ولا يرونه فهم يتعبدون لأحجار و أخشاب" [38]
 
خاتمه الفصل :
إن الحديث عن القديس اثناسيوس يحتاج في مجمله إلي مئات الأبحاث والدراسات إلا أن الباحث اكتفى بعرض السمات الرئيسية لأثناسيوس المدافع كأحد نماذج رجال الله حماة الإيمان مع القليل جدا من أقواله التي حمت الإيمان على مر العصور.
مينا اسعد كامل
مدرس اللاهوت الدفاعي والرد على الشبهات
(فصل من كتابي تحت الاعداد)


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter