بقلم : أشرف عبد القادر
1 - رسالة التعليم
أصبح شبه مؤكداَ فوز المشير عبد الفتاح السيسي بمنصب رئيس الجمهوية،خاصة بعد الإقبال الكبير للمصرين على التصويت في الخارج،وعلى النسبة العالية التي حصل عليها المشير مقارنة بمنافسه حمدين صباحي،فرأيت أن أبعث له بأربعة رسائل مفتوحة تساعدة في إضاءة ولو شمعة على خارطة الطريق التي أعلنها، بدلاً من أن نلعن الظلام،كما قال مارتن لوثر كنج،وفي الرسائل الأربع سأتناول عدة موضوعات هي على التوالي في الرسالة الأولى: التعليم،والثانية:الإعلام،وفي الثالثة: الخطاب الديني،وفي الرابعة: ما هو الدور المطلوب من رئيس الجمهورية؟
من أين ستبدأ التغييرسيدي الرئيس القادم
أرى أن أولى أولويات بناء مصر الحديثة هو التعليم،فالتعليم هو حجر الزاوية لأي تقدم تكنولوجي،وهو المزرعة التي تشكل لنا عقول وأجيال المستقبل،كما يقول المثل: التعليم في الصغر كالنقش على الحجر،ولا أذيع سراً عندما أخبرك بأن نظام التعليم في مصر ومعظم الدول العربية مخترق من الإخوان المسلمين وإليك الأمثلة:
تخرجت من الجامعة في العام 1987 وعملت مدرساً في قريتي بمحافظة المنوفية،المناهج عتيقة لا تتناسب مع متغيرات القرن الـ21،عصر العولمة والحداثة وحقوق الإنسان وحقوق المرأة.الكوادر التعليمية متخونجة،ويعلمون الأطفال منذ نعومة أظفارهم التعصب الأعمي لدينهم،بنعت إخوانهم في الله والوطن"الأقباط"بالكفار.
وهذه حكاية حقيقية وقعت في المدرسة التي كنت أعمل بها،حكتها لي طالبة مسيحية كانت عندي في الفصل(هي الآن طبيبة بيطرية)فعندما كان ينتهي اليوم الدراسي ويخرج التلاميذ من المدرسة كانوا يجرون وراءها ويرمونها بالحجارة كل يوم،لا عن ذنب فعلته سوى أنها "مسيحية" أي"كافرة". من الذي علم الأطفال التفرقة بين المصريين على أساس الدين؟انهم الإخوان. ومن الذي يذرع في نفوص الصغار دونية المرأة وأنها أقل من الرجل؟انهم الإخوان المسلمين وفكرهم الظلامي،وأذكر أن أحد زملائي المدرسين كان يحضر شريط فيديو به مناظرة لأحمد ديدات وقس،ويجمع طلبة المدرسة بعد الدراسة، ويريهم المناظرة ليثبت لهم بطلان العقيدة المسيحية.فهل هذا هو دور المعلم وهل هذا هو دور المدرسة؟!
وإليك عينة أخرى مما يعلمه المدرسون المتأسلمون لصغارنا في المدراس،فهم يفسرون للتلاميذ الصغار سورة الفاتحة:"غير المغضوب عليهم ولا الضالين" هكذا: المغضوب عليهم هم اليهود،والضالين هم النصاري"،فلا دين عندهم صحيح غير الإسلام، أوليس هذا زرع لبذور الفتنة والتعصب والإرهاب للأطفال منذ صغرهم ؟
قبل أن تغير المناهج سيدي الرئيس ،يجب إعداد المدرس الواعي لروح حقبته،المدرك لدواعي عصرة،فنحن بحاجة لتعليم يخرج لنا عمال وفنيين وتقنيين ومهندسين وأطباء وموظفين المستقبل،أجيال غير متعصبة ومتسامحة مع نفسها وأهلها وروح عصرها،متسلحة بسلاح العلم والتكنولوجيا،لا أجيال ممسوحة الدماغ بثقافة النحر والانتحار،وبفتاوى ابن تيمية ،وكتب سيد قطب،ورسائل حسن البنا.
علك تذكر سيدي الرئيس أننا عندما كنا صغار،كنا نشتري الكراسات لعمل الواجب،وكان مكتوب خلف كل كراسة مجموعة من الإرشادات العامة عن النظافة والصحة العامة وضرورة غسل الأسنان، وعن أهمية النوم مبكراً والإستيقاظ مبكراً،كل ذلك تغير وأصبحنا نجد خلف كل كراسة،صورة رجل ملتحي أمام حرف اللام ليعلموا الصغاركلمة"لحية"،وصورة إمرأة محجبة أمام حرف الحاء ليعلموهم كلمة"حجاب"وصورة لرجل ملتحي وإمرأة محجبة وبنت محجبة ومكتوب تحت الصورة"الأسرة مسلمة"فهل لو كان الرجل غير ملتحي،والمرأة غير محجبة،والبنت غير محجبة لن تكون أسرة مسلمة،وأين هي الأسرة المسيحية القبطية المصرية؟!،وأمام حرف العين يضعون"علماً"لا علم بلدهم مصر،بل علم مكتوب عليه "لا إله إلا الله محمد رسول الله"هكذا أصبح تعليمنا مخترقاً من الإخوان المجرمين!
أما عن المادة العلمية،فيجب أن تكون المدرسة محايدة في أداء دورها التربوي والتعليمي،كما يجب تدريس الفترة الفرعونية،والفترة القبطية قبل تدريس الفترة الإسلامية من تاريخ مصر في مادة التاريخ،حتى يعرف الأطفال أنهم مصريين فراعنة أقباط مسلمين.
نريد تعليماً يحث على القيم الكونية التي يقبلها كل ذي عقل سليم ليعلمهم:التسامح ،والحب ، والإخاء...كما قال الإمام علي:الناس إثنان:أخ لك في الدين،أو أخ لك في الإنسانية"، بالإضافة إلى ضرورة تدريس الفلسفة كمادة أساسية في الإعدادي والثانوي، لتشغيل ملكة العقل واعمال الفكر النقد،الذي هو علامة نضج نفسي عند الأجيال الطالعة،و أن يفكروا بأنفسهم لأنفسهم،لا بعقول غيرهم،حتى يكون تعليمنا مبدعاً ومبتكراً،بدلاً أن من أن نخرج أجيالاً من حملة الشهادات العليا كبيادق الشطرنج"كمثل الحمار يحمل أسفاراً"، حفظوا المواد العلمية دون فهم.كنت أتناقش مع طبيب قال لي:أنا حفظت نظرية داروين في النشوء والتطور،ولكن غير مقتنع بها،وإنما حفظتها فقط من أجل النجاح في الإمتحان!.
كما يجب رفد أي مدرس أو مدرسة تحاول فرض الحجاب على الطالبات أو تكفر إخوتنا في الله والوطن"الأقباط"،أو تحاول أن تبث نيران الفتنة الطائفية بين أبناء مصر،لأن شعارنا هو شعار الأزهري المستنير سعد باشا زغلول زعيم ثورة 1919"الدين لله والوطن للجميع".
نحن بحاجة لتعليم عقلاني عصري،تعليم يعلي من شأن العقل ويقلل من مساحة الفكر السحري الأسطوري،تعليم يساعد على ميلاد الفرد، الذي ولد في أوربا مع فلسفة الأنوار،الفرد القادر على اختيار قيمه ومبادئه بنفسه لنفسه، الفرد المالك لرأسه وفرجه،لأننا بالعلم سنتقدم لا بكتب البخاري ومسلم وفتاوى ابن تيمية ورسائل حسن البنا.
المهام ثقيلة سيادة المشير،ولكن على قدر أهل العزم تأتي العزائم.
وفقكم الله وإلى الرسالة الثانية:الإعلام.
ashraff3@hotmail.fr