دفعت تطورات الأوضاع في ليبيا جماعة الإخوان المسلمين لإزمة جديدة تزيد من الأزمات التي تواجههم منذ عودتهم لواجهة الأحداث في دول الخراب العربي.
التنظيم الذي وجد نفسه يقود أهم دول المنطقة ويحدد صياغات شكل القادم الديمقراطي فيها، لم يستطع التخلي عن عقائديته التنظيمية وتحوله إلى حزب حاكم، خاصة ومن تربوا فيه كانوا يعتبرون أنهم يكررون التاريخ الإسلامي بحذافيره، فتحولت الحكاية بمنظورهم، لما يشبه إحساساً مرضياُ بأنهم أشبه بالصحابة وقياداتهم تماثل المبشرين بالجنة.
الإخوان إعتبروا الحكم غنيمة، وما بشرهم به حسن البنا وسيد قطب يتحقق كنبؤات، إستعجلوا تقاسم الغنيمة وتحقيق ما يسمونه "بالتمكين" معتبرين ذلك حق لهم مما قذف بتجربتهم وبسرعة كبيرة للمواجهة مع الشارع ومكوناته، وتحول ذلك لصدام أعاد عناصر الجماعة لفكر ومنهج تربوا عليه طوال عشرات السنيين من إحساس بالخوف وشعور بأنهم مطاردين.
بسقوط حكم مرسي في مصر والذي شكل أكبر كارثة للإخوان لما لها من ثقل وتأثير تاريخي فهي بلد مؤسس الجماعة ومنبع منظريها من قطب وصولا للقرضاوي، ترنح التنظيم تحت ثقل أول صدام مع ثورة شعبية قامت ضده وأسقطته رغم محاولاتهم تصوير ذلك كإنقلاب وتفسيرهم أن الإنتخابات بيعة لا يجوز نقضها أو الخروج عليها.
بعد السقوط المدوي لم يفهم قادة إخوان مصر الرسالة الشعبية فانطلقوا بحملة لكسر العظم مع الجيش المصري أودت بهم لهزيمة قاسية وأعادت جزء منهم لفكرة الصدام المسلح والعنيف مع الحكم في تكرار لنفس تجاربهم الدموية التي خاضوها في الماضي وما جرته عليهم من كوارث.
بسقوط إخوان مصر كادت رياح الرفض الشعبي تطيح بهم في تونس، لكنهم نجحوا بالقفز من المركب بعد أن أشرف على الغرق إثر ثلاث سنوات من حكمهم أوصلت الإقتصاد لمرحلة الإنهيار وعجز الدولة عن سداد أجور موظفيها وأغرقت الميزانية بكم هائل من الديون ستبقى نتائجها السلبية تنعكس بقوة في السنوات القادمة على الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية.
اليوم يعود الحراك في لبيبا لاسقاط فوضى مليشيات الإخوان والجماعات الإسلامية، ويخرج الأخوان مرة أخرى من عباءة الديمقراطية ويعلنون تحالفا مفتوحاً مع تنظيم القاعدة ومتفرعاته الكثر هناك، وتتحول المعركة بين قوى عسكرية مدعومه بتحالفات سياسية كبيرة وفاعلة، وقوى منهج الإسلام الإخواني المتحالف مع التطرف السلفي الجهادي، وهذا الفرز القديم المتجدد في علاقة الأخوان بالمتطرفين يعود ليكرس تناغما في الفكر والمنهج بدء مع سيطرة فكر سيد قطب على عقولهم ودخولهم في مرحلة هستيريا امتلاكهم للحقيقة ورفعهم لشعار الإسلام هو الحل.
في سوريا ظهر واضحا تحالف وتناغم الأخوان المسلمين مع تنظيم القاعدة بفرعيه داعش والنصرة واكتفت الجماعة بتأمين ترحيل ونقل الأرهابيين من بلدانهم عبر تركيا لساحات القتال، وهذا الملف الذي ستنكشف حقائقه في المستقبل سيبين التواطئ بين الإخوان والإرهاب، لكن الإصرار الغربي على إسقاط نظام بشار أسقط كل المحرمات وجعل مفهوم الغاية تبرر الوسيلة المتحكم في مجريات الصراع، وهو الذي استفاقت منه أوروبا الغربية متاخرة بعد تجاوز من التحقوا بالجماعات الإرهابية من مواطنيها المئات بكثير.
مع إنحسار مساحة التمدد للفعل الإخواني وفشل قطر وتركيا في إستمرار الدعم الإعلامي والمعنوي للجماعة جراء فضح أدوارهم وإنعدام قدرتهم على الفعل بسبب دخول دول إقليمية مؤثرة في مواجهة المشروع، لم يبقى أمام جماعة الإخوان من خيارات سوى العودة للنفق المظلم الذي تربوا وعاشوا فيه، ومنه خرجت كل الجماعات التي سبقتهم في التطرف، وتجسيد العودة لنفس الخندق في ليبيا بين الأخوان وانصار الشريعه وجماعات القاعدة بمسمياتها المختلفة، سيجعل من مرحلة زمن التقية التي اعتمدوها تذهب دون عودة، لتكون الحقيقة واضحه أن للإرهاب راع واحد وبيت واحد هم الأخوان.
أصبح الفرز حقيقة وإعلان انصار الشريعة دخولها المعركة إلى جانب قوات الإخوان والمجموعات الإرهابية والجماعات المسلحة المتناثرة في الساحة الليبية يجعل من المعركة القادمة هناك، المرحلة قبل الأخيرة في الصدام العنيف بين مشروع الأخوان والبدائل التي لم تتبلور بعد بشكل كامل في المنطقة، لكن المؤكد أن زمن الديكتاتوريات التي حكمت لسنوات طويلة قد انتهى وزمن الأخوان أفل إلى غير رجعة وبوادر أنظمة تسعى لبناء ديمقراطي بسيط أو أولي ستخرج للعلن في القريب القادم.
نقلا عن إيلاف