الأقباط متحدون - الكَنِيسَةُ وَفَلْسَفَةُ النُّسُورِ
أخر تحديث ٠١:١٧ | السبت ٢٤ مايو ٢٠١٤ | بشنس ١٧٣٠ ش١٦ | العدد ٣١٩٩ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الكَنِيسَةُ وَفَلْسَفَةُ النُّسُورِ

بقلم : القمص أثناسيوس چورچ
الله يعولنا مثل النسر الذﻱ اعتاد أن يدرِّب ويختبر ذريته ؛ لتحفظ ملكية صفات سلالتها القوية الجيدة ذات البنية السليمة غير المشوَّهة ، ويقودها إلى القوة وعدم التفسخ... يحيط بنا ويحملنا على أجنحة النسور... يلاحظنا كحدقة عينه... يعولنا ويرعانا كَسُورِ نارٍ من حولنا ، ومجدًا في وسطنا ، ومن يمسنا يمس حدقة عينه (زك ٢ : ٨).

مثل نسر ينشر أجنحته فوقنا ؛ نحن فراخه الصغيرة ؛ حاميًا وحارسًا لنا ؛ حتى لا يقتنصنا الصقر ، باسطًا جناحَي صليبه ؛ كي نعتصم به ؛ ونبيت عنده... يحملنا على كتفيه ويحرسنا ، ويشمِّر عن ذراعَيْه ؛ ليحتضن شعبه ورعيته في عُشّه (كنيسته). يداه حارستان لقطيعه الصغير ؛ ورافعة لهم ؛ لتغذيتهم وتقويتهم في مراعٍ خُضْر... يقودهم وسط الوعر بحماية مراحمه... وينشر جناحيه الذيْن هما يداه العظيمتان ؛ ليحملانا ويأتيا بنا إليه ، جناحاه هما ذراعاه الممدودتان على عود الصليب رمز رعايته... يحرك عُشّه ؛ وعلى فراخه يرفُّ ؛ ليأخذهم ويحملهم على مناكبه... بعظمته وسموه وبأمره نحلِّق معه ونعلو ، وبأحكامه وحسب وصاياه نسلك ونعيش ؛ لأن جناحيه المبسوطين هما كتابنا المقدس بعهديه ؛ يرفعان كنيستنا إلى مراقي الحكمة الإلهية بتعليمها أنفاس الله... وكنيسته أيضًا لها عين نسر في تطلعها إليه ، فلا تخشى بوّابات الجحيم ومؤمرات الأعداء ؛ لأنها آمنة بربها تسمو وترتفع ، كإمتياز النسور بين سائر الخلائق، فتبلغ خبرة إدراك لاهوت الثالوث القدوس ، فاحصة كل شيء حتى أعماق الله.

مسيحنا يطير بنا على مرتفعاته العالية ، ويحلق بنا فوق الزمان والمكان ؛ ليكشف لنا عجائب من شريعته ؛ منقذًا كنيسته من المعاند (الغربان) ؛ لأنه نسر نار ؛ صاحب عين حانية حارسة ثاقبة ، يثبِّت أقدامنا في بوصلة متسعة متجهة إلى ما هو فوق ، بعيدًا عن الدَّنايا والحيونات الميتة ، ويرفعنا فوق العواصف وأنواء التجارب، بل ويحولها لخيرنا وخلاص نجاتنا... يعلمنا الطيران لنحلِّق في آفاق الروح ؛ ويسندنا بوسائط نعمته ؛ مشددًا عزائمنا ، فيتجدد شبابنا مثل النسر يومًا فيومًا.. وتتغير أشكالنا في ذهنية روحية متجددة... مانحًا لنا ماءًا أحلى من العسل ؛ وغذاءًا من دسم لب الحنطة ؛ وشرابًا من عصير عنب الكرمة ، ماسحنا بنعمه حرية مجد أولاد الله ؛ وبزيت دهن ميرون مسحته؛ لننطلق ونحلِّق ونرتفع إلى علو شاهق ؛ فلا يتجسس أحد على حريتنا فيه... يأخذنا لمعاينة أسراره وليتورجياته ؛ محلِّقين في أجواء الوجود غير المحسوس بالجسد أو الحواس... مرتفعة أرواحنا الكليلة وقلوبنا المثقلة بهموم الزمان ؛ لتُشفَى وتحيا وتتثبت.. ويصير كل مكان مفتوحًا أمامنا على مجد الأبدية ؛ كما رأى يعقوب أبونا السُّلَّم في حُلمه ، فقال : ”إن هذا المكان - الذﻱ رقد فيه - ما هو إلا بيت الله ؛ وهذا باب السماء“.. فتصير حياتنا غير مقيدة ولا سجينة ؛ منتظره إكليل خلاصها ؛ ”متمسكة برسوخ بإقرارالرجاء ؛ مرشوشة قلوبنا من ضمير شرير ؛ ومغتسلة أجسادنا بماء معمودية طاهر“ (عب ١٠ : ٢٢)، مرتفعين فوق مستوى إعواز وتعظم وأباطيل هذا الدهر ؛ لأننا أكبر منه بالاكتفاء والكفاف وغنىَ الروح ؛ حتى صار هذا العالم جزءًا منحصرًا فينا ، ولسنا نحن الجزء المنحصر فيه.. نقف على قمة هذا العالم ؛ لأن لنا اسم يسوع الغالي القيمة ؛ فلا نلهس وراء أمواله وسلطاته وبريق سطوته.

إن كنيستنا هي الملكوت ؛ محمولة على أجنحة النسور ؛ تعيشه منذ الآن ؛ مختبرة طقسه... كلامها طعام دسم يتحول فينا إلى سيرة ، وفعل ارتفاع وارتقاء لنفوسنا وأجسادنا وأرواحنا... يجذبنا وراءه فنجرﻱ ؛ لنُستعاد مجددًا إلى الآب من الابن بواسطة الروح القدس.. نِسْرُنا هو رمز صعودنا وقوتنا الروحية ، وله القدرة الكلية؛ مرتفعًا أعلى من كل الألحاظ والأنظار ، يدربنا على الطيران إلى العلا ؛ فنستتر على سن الصخور العالية من دون افتخار أو بِرٍّ ذاتي ؛ حتى لا نسمع صوته القائل ”وإنْ رَفَعْتَ كَنِسْرٍ عُشَّك ؛ فَمِنْ هُنَاك أُحْدِرُكَ ؛ يَقُولُ الرَّبُّ“ (إر ٤٩ : ١٦).. مسيحنا هو نسرنا؛ وقد رفعنا معه بقيامته وأعطانا قربانًا لله أبيه ، ووهبنا روحه القدوس الذﻱ يجدد طبيعتنا ويرفعنا بأجنحة الروح للسماء ، متحررين من العبودية ”منتظرين الرب ؛ متجددين قوة ، نركض ولا نتعب ، نمشي من دون إعياء“ (إش ٤٠ : ٣١)؛ بسلوك قوة الروح اللائق بشركة الملائكة ؛ لأن إلهنا يحملنا على أجنحة النسور بالروح القدس، وقد جاء بنا إليه (خر ١٩ : ٤)؛ في أحضانه الأبوية ؛ لنختبر أحشاء محبته ؛ ونتعرف على أبوّته ويضيء بوجهه علينا ؛ فلا يقدر أحد أن يأخذنا من يديه.. نسمع صوته ؛ ونحفظ عهده ؛ ونكون له خاصة من بين جميع الشعوب... مملكة وكهنة وأمة مقدسة وشعب اقتناء... والزارع الإلهي يُفلِّحنا بنفسه ؛ ولا يخيب رجاء الذين التجأوا إليه... ملقيًا بذاره الإلهية وبركة نعمة مطره المبكر والمتأخر بغير انقطاع ، ويسندنا على الدوام بروحه في هجرة وترحال مستمر ؛ من قوة إلى قوة ؛ ومن عمق إلى عمق ومن مجد إلى مجد ؛ أعلى من كل أرض ، وهو سيأتي في بهاء ليختطف المنتصرين من منتظريه.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter