أمام الرئيس والمعارضة
د. أحمد الخميسي
أعلنت نتيجة الانتخابات الرئاسية المصرية رسميا في 3 يونيو، بعد أن أفصحت التقديرات الأولية عن فوز السيسي بأكثر من 23 مليون صوت مقابل نحو مليون صوت لمنافسه الوحيد حمدين صباحي. ولاينكر أحد أن الذين صوتوا لهذا الطرف أو ذاك صوتوا بقناعة كاملة. وبغض النظر عما يمثله حمدين أو السيسي في الواقع الفعلي والقوى الاجتماعية التي يعبران عنها سياسيا
فإن الناخبين الذين اتجهوا إلي صناديق الاقتراع أسقطوا على كل من المرشحين آمالهم هم وتصوراتهم هم عن طبيعة الخطر الرئيسي الذي يواجه مصر والسبيل إلي مواجهته. أنصار السيسي أسقطوا على السيسي تصورهم بأن الخطر الأول الذي يدهم مصر هو خطر هدم الدولة ومؤسساتها وجرجرة مصر إلي السيناريو العراقي والليبي والسوري
وأن مصر بحاجة لمواجهة ذلك الخطر ليس فقط إلي زعيم سياسي مثل حمدين بل إلي زعيم سياسي وقائد عسكري في الوقت ذاته مثلما قدم السيسي نفسه. قائد يكون قادرا على تأمين حدود مصر الشرقية في سيناء حيث تتحرك بؤر الإرهاب، وعلى تأمين حدودها الغربية عند ليبيا حيث يسعى الجيش الحر، بل وتأمين حدودنا الجنوبية عند حلايب وشلاتين وأيضا في العمق الأفريقي حيث يبنى سد أثيوبيا. وتبدو هذه المهمة
وهي الأكثر إلحاحا لدي الكثيرين، مهمة عسكرية بالدرجة الأولى. تلك النظرة الشعبية تتضمن أيضا إدراكا بأن دولة تمنح الفتات تظل أفضل من خراب شامل يخططون لجر مصر إليه كما في في العراق وغيرها، وشعورا بأن شروط صراع الشعب لتحسين حياته تظل أفضل في وجود الدولة منها في ظروف الاقتتال الأهلى وتدمير المؤسسات والجيش وإشعال الفتن الطائفية ووضع مقدمات تقسيم مصر.
أما الذين صوتوا لحمدين فقد أسقطوا عليه بدورهم تصوراتهم بأن القضية الاقتصادية والاجتماعية مفتاح كل شيء، وأن المهمة الأكثر إلحاحا هي تأمين الحدود الاقتصادية في ظل تفاوت صارخ في الدخول ونسبة فقر تصل إلي أكثر من أربعين بالمئة وتفاقم مشكلات البطالة والتعليم والسكن والرغيف الذي أصبح قمر أحلام الفقراء. وعندما شاعت نكتة تقترح رئيسين لمصر:" حمدين صباحي وسيسي مسائي " كانت النكتة تعبر عن أمل في إمكانية الجمع بين الطريقين: حماية الدولة ووحدة أراضيها وتحقيق العدل الاجتماعي في الوقت ذاته.
في كل الأحوال ثمت مهام صعبة تنتظر الرئيس ومهام صعبة أيضا تنتظر المعارضة. على الرئيس أن يحمى ويؤمن حدودنا، وأن يدرأ مخاطر تقسيم مصر باللعب بورقة الانفصال في سيناء أو النوبة أو تأجيج دواعى الانفصال لدى الأقليات. هل يستطيع الرئيس التصدى لتلك المهمة من دون عدل اجتماعي؟. أما المعارضة فإن مهاما أخرى صعبة تنتظرها :
أن تجمع صفوفها لخلق معارضة حقيقية ذات وزن وثقل في الشارع والقرى، لأن دولة بلا معارضة هي دولة بلا ضمير. هل يستطيع الرئيس الجديد أن يتصدى لمهمته التي لا يمكن حلها من طرف واحد من أطرافها المتشابكة؟ وهل يستطيع حمدين صباحي أن يتزعم معارضة حقيقية ذات برنامج اجتماعي وسياسي واضح تغدو رقابة شعبية على النظام الحاكم والدولة من أجل أهداف انتفاضة يناير التي أريق فيها الدم من أجل خبز وحرية وعدالة اجتماعية؟.