الأقباط متحدون - 1- الإصلاح في كنيستنا الأرثوذكسية
أخر تحديث ٠٠:٢٨ | الخميس ٥ يونيو ٢٠١٤ | بشنس ١٧٣٠ ش٢٨ | العدد ٣٢١١ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

1- الإصلاح في كنيستنا الأرثوذكسية

أبو الاصلاح
أبو الاصلاح

Oliverكتبها
الإصلاح عمل دائم يقوم به الله لإعادة طبيعتنا البشرية لنكون علي صورته و مثاله و يقوم أيضاً به الإنسان بالتوبة بفعل الروح القدس و عمل نعمته.الإصلاح إذن عمل إلهي و هو بالحقيقة من أهم إنجازات الفداء الإلهي.الإصلاح حالة دائمة تصاحب الإنسان الروحي و تصاحب الكنيسة أيضاً.
الإصلاح ليست كلمة غريبة عن الكنيسة الأرثوذكسية.بل من حبنا للإصلاح أطلقنا لقب أبو الإصلاح علي بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية البابا كيرلس الخامس البطريرك 110  و لم نجد في اللقب أمراً غريباً أو متناقضاً مع أرثوذكسيتنا.كان إدخال التعليم في إهتمامات الكنيسة الأرثوذكسية هو أهم علامات الإصلاح عند البابا كيرلس.كذلك شراء مطبعة في زمن تحدت فيه الكنيسة الجهل قبل أن تتحداه الدولة ووضعت علي عاتقها تنوير المجتمع علمياً و ثقافياً.لهذا دعي بطريركنا أب الإصلاح.لأنه أخذ أدوات التطور العلمي في زمنه و جعلها أدوات للخدمة في الكنيسة.

لهذا أتمني أن تقرأ هذه السلسلة من المقالات عن الإصلاحبالفكر لا العاطفة.الفكر الهادئ الذي  ينشد التصحيح و الإصلاح و التطوير و هذا كله يصب في صالح كنيستنا بغير إستعلاء علي أحد.و الإصلاح المنشود هنا ليس إصلاحاً إدارياً أو شكلياً أو مالياً بل إصلاحاً روحياً حقيقياً.
أسباب الرغبة في الإصلاح
من يرضي عما هو فيه لن توجد عنده رغبة في النمو أو التحسن أو التطور.يجب أن نفرق بين الجمود و بين التمسك بالتسليم.فالجمود أوهن كنائس عظيمة في الغرب و لنا في ذلك دروس كثيرة.و التمسك بالتسليم لا يعني التوقف عن النمو..اللغة تغيرت و البيئة تغيرت و الظروف تغيرت فكيف لا نحتاج للإصلاح.ليس هدماً لما تسلمناه و لكن تكييفاً له مع واقعنا و لغتنا دون أن نفرط في تقليدنا أو تراثنا أو ذخائرنا المتراكمة عبر أجيال الكنيسة الأرثوذكسية. و بقليل من التأمل لبعض النواحي سنكتشف أن العمل علي الإصلاح متسع أمام الجميع ويتسع للجميع. أن الطريق طويل و ما بدأناه بعد.هذه السلسلة ستطرح بعضاً منالأفكار و المقترحات والأسئلة لنعرف الأوجه التي يجب أن نعتني بها للوصول إلي حلول للنقص الذي نعانيه فيها.

1- العمل الكرازي
كيف فقدت كنيستنا الإرثوذكسية دورها في الكرازة؟و تقلصت تخومها عن أثيوبيا ثم إريتريا ثم أفريقيا ككل؟هل العيب في ظروف فرضت علي الكنيسة التقوقع؟ أم العيب في إلإمكانيات؟ و لماذا فشلت حتي كنائس المهجر المزروعة في المجتمعات الغربية أن تقدم الإيمان الأرثوذكسي لهذه المجتمعات؟هل توجدإشكالية في منهج إعداد الخادم و الكاهن و الراهب و الأسقف؟أم هناك قيود لا نعرفها؟هل سياسة الكنيسة المحلية تعوق العمل الكرازي؟أم أن هناك أمور في تنشئتنا صنعت بيننا و بين الآخرين عوائق من وهم؟ هل نخشي الكرازة أم لا نجيدها أم أننا نخشي نتائج الإنفتاح علي الجميع بسبب الكرازة فيحدث للإرثوذكسية ما حدث للكاثوليكية حين بقيت منغلقة مئات السنينن ثم فتحت الباب للمراجعة فتأثرت سلباً أكثر مما تأثرت إيجاباً؟؟ أليست هذه أسئلة تستحق التفكير خاصة أن التعهد الذي يقوله الأسقف وقت رسامته يتعهد فيه بأن يقوم بالعمل الكرازي؟ ماذا لو أردنا أن نقيم الأسقف من خلال العمل الكرازي؟ أين سيكون موقعه بين الكارزين؟و أين الخدام الذين تعدهم الكنيسة لمعاونة الأسقف في العمل الكرازي ؟أليست هذه كلها  و غيرها من التساؤلات في هذا المجال تحتاج إلي تحديد و تجديد و إصلاح وربما تأسيس من جديد في المنهج الذي تقوم عليه الخدمة في الكنيسة و الإتجاهات التي تتبناها.

2- الكتب الطقسية
إن الإتجاه لإستخدام التقنيات الحديثة و البرامج الأليكترونية في كنائسنا بدلاً من الكتب الورقية سيجعل تكاليف تنقيح الكتب الكنسية و تعديل بعضها لا يكلف شيئاً.
لدينا كتب طقسية متعددة تمارس بها الكنيسة صلواتها الليتورجية منها.القطمارس بأنواعه الخمسة- الدفنار-السنكسار-الأبصلمودية- الخولاجي أو صلوات القداسات--كتاب الصلوات الطقسية كالعماد و بقية الأسرار.بجانب كتاب الألحان(إن وجد). و أيضاً كتب المدائح .ستتناول المقالات تباعاً بعضاً من ملامح الإصلاح المنشودة بشأن هذه الكتب.
بداية يجب أن  نتفق أن الإصلاح لا يعني إتهاماًللكتب الكنسية بشيء مابقدر الرغبة  في جعلها أكثر ملائمة للغة و سمات العصر الحديث مع تنقيتها و إضافة ما يجعلها أكثر عمقاً و أقرب لغة و تأثيراً و الإستفادة بما توفر لدينا من مراجع تساعد علي إخضاع هذه الكتب للتنقيح و التطوير..علي أن يخضع أي تعديل في هذه الكتب لدراسات علمية و أبحاث لها درجات عليا.و أن يتم مناقشتها بإستفاضة.حيث أن المشكلة في تلك الكتب أنها لم تخضع للبحث و لا للمراجعة منذ مئات السنين.. كما أنها بإستثناء القطمارس و الخولاجي مجهلة المصادر أو علي الأرجح غير مدققة المصادر.بعضها تم تأليفه أو تجميعه بواسطة شخص واحد و ربما تاه عنا إسم مؤلفها أو نجهله أو لا نعرف عنه سوي إسمه. .و قد إختلط الأمر علي الناس بين أسقف طبع الكتاب علي نفقة إيبارشيته و بين الكاتب .فأخذ الكتاب مصداقية الأسقف دون أن نعرف مصادره أو نوثق المراجع التي إعتمد عليها المؤلف في كتابه الذي أخذناه بالتسليم أكثر مما هو بالتوثيق.

من رأيي أنه يوجد في الكنيسة جهتان قادرتان علي المراجعة و التصحيح.الأولي هي الرهبان الذين لم ينشغلوا بخدمة في العالم و الأخري هم الدارسون في المعاهد اللاهوتية ذات السمعة و الثقة.و و لا أظن أنه يمكن أداء المراجعة و التصحيح لأي أسقف أو كاهن منشغل بالخدمة لأن الأمر يحتاج إلي تفرغ كامل و عمل دقيق يمكنه من أن يرسم مستقبل التراث الكنسي بتطويره دون أن نفقد هويتناالأرثوذكسية.
دعونا نتناول هذه الكتب واحدة فواحدة لنوضح ماهية الإصلاح الذي ينادي به هذا المقال و بقية المقالات التالية له حتي يكتمل تصور الإصلاح في ذهن من يقرأ ليتمكن من يريد المشاركة بالرأي و المشورة.
- أما عن القطمارس فهو قطع منتخبة من الكتاب المقدس تتفق مع المناسبات الكنسية بأنواعها الكثيرة لذلك عندنا خمسة كتب للقطمارس  منها السنوي أو للصوم الكبير أو شهر كيهك أو أسبوع الآلام و الخماسين المقدسة. كل كتاب يتفق مع المناسبات التي تعيشها الكنيسة.فقط نحتاج إلي مراجعة إختيار بعض النصوص في القراءات . خصوصاً أن كثير من الأيام تعود فيه قراءات القداس إلي قراءات سابقة فماذا يمنع من وضع قراءات جديدة لتلك الأيام؟
أما عن قطمارس أسبوع الآلام: يجب التحقق من الميامر الواردة فيه و توثيقها.كما يتطلب الأمر إضافة عظات مؤثرة لآباء كبار  عن كل ساعة من ساعات البصخة.مع تبديل القراءات التي لا تتصل إتصالاً مباشراً واضحاً بأحداث الآلام.كذلك يحتاج الأمر لإعادة صياغة صلوات أبو غلامسيس لكي تتوازي مع قيمة هذا الحدث.و ليس هذا تقليلاً من شأن القراءات الحالية لكن من الممكن جداً وضع قراءات مباشرة و طرح للتفسير أثناء قراءات سفر الرؤيا.خصوصاً و أن الشعب المنهك في أسبوع الآلام و الساهر بعدها ليلة كاملة حتي الصباح يحتاج إلي قراءات واضحة أو مفسرة تبقيه متيقظاً.
كما أن الألحان المتداولة في سبت النور ( و هي محل مراجعة) تتطلب منا إستخدام ما هو مفرح و متناسب مع الحدث.
و ماذا يمنع من إضافة صلوات  جماعية بدلاً من قراءات كثيرة في أسبوع  الآلام .و لن يحدث تقصير في شيء لو تم التوقف عن تكرار الطلبة في ختام كل ساعة و الإكتفاء بصلاة الصباح مرة و صلاة المساء مرة خصوصاً و أن نفس الشعب هو الحاضر في اليوم ذاته و هو الذي صلي نفس الصلاة فلا ضرورة لتكرارها بل يمكن إستبدالها  بصلوات ختامية جديدة تشبه تحليل كل ساعة لكن صلوات تتفق و أحداث كل ساعة من ساعات البصخة و تختتم بكيرياليسون كالمعتاد.

و مع إفتخارنا بعظمة و روعة الألحان القبطية  إلا أنه يمكن أن نقول أن الألحان الطويلة جداً مثل بيك أثرونوس و تاي شوري و تي شوري الطويلة  التي لا يتقنها سوي بضع أفراد في كل كنيسة يمكن أن تكون إختيارية ويمكن وضع ألحان قبطية أكثر سهولة حديثة.فالألحان ليست كلها تراثية كما نعرف لأن بعضها لم يمر عليه سوي عقود قليلة مع إعترافي بأن بعضها يعود للقرن الثالث و الرابع.لذلك و لمن لا يعرف فالألحان يمكن تأليفها مثل الترانيم و نحن بحاجة ماسة إلي ألحان قبطية حديثة.و هذا لا يعني أننا علي إستعداد للإستغناء عن ألحاننا الرائعة التي هي أحد معالم أرثوذكسيتنا لكنني أفكر في أجيال ستأتي و لها ثقافة لا تتسع لكل ممارساتنا الكنسية بنفس شكلها بل سيطلبون التطوير و إلا سينعزلون عن الكنيسة جيلاً وراء آخر.و ما يحدث من شباب المهجر من تباعد يعد  دلالة موحية بما سيحدث من شباب الكنيسة كلها بمرور الوقت.إننا نحتاج لإجادة قراءة الأجيال القادمة من الآن و الإستعداد لخدمتهم بما يتلائم و ثقافة جيلهم.دون تفريط في شيء من العقيدة و الروحانية.أما الكتب- ما عدا الكتاب المقدس- و القراءات و الصلوات فهي أدوات تواصل مع الله و الناس و هي تتسع لأي تغييريتم بفكر مسيحي روحاني عميق.
- السنكسار: فيه كلام كثير يحتاج إلي تعديل.فيه روايات غير محققة.و فيه بعض السير التي يختلط فيها الفلكلور مع السرد في السنكسار فيجب تنقيحها.

كما يتطلب الأمر  أن يوضع هذا الكتاب تحت منظار البحث و التأكد من مصادره و لا يمنع الأمر من إضافة لقديسين جدد أو قدامي غير معروفين طالما توصل البحث إلي مراجع موثقة بشأنهم.
يجب أن تقدم سير القديسين بإعتناء أكبر.لا يهمنا أنه قام بعمل معجزة لكن يهمنا أن نتعرف علي حياة القداسة في شخصه و كيف كان صورة حية للمسيح.نحتاج إلي إعادة توصيف القديس.ليس هذا الكلام ضد المعجزات فنحن نؤمن بها لأن المسيح وعد أنها تتبع المؤمنين لكن نريد أن نهتم بما هو أفضل.فحياة القداسة أبقي من عمر المعجزة.و الهدف الكتابي من أن نتأمل سير القديسين هو أن نتمثل بإيمانهم و ليس من المهم أن نقلد معجزاتهم.لأن من مشاكل هذا الجيل في تعريف القديس أنه هو الشخص الذي يصنع معجزة؟هذا ليس تعريف الكتاب المقدس.فالقديس هو الذي يعيش حياة القداسة بأي صورة من صورها و تحت أي ظرف من الظروف.هذا التعريف الكتابي يجب أن تتم ترجمته في إعادة صياغة سير القديسين سواء في كتاب السنكسار أو حتي في الكتب الأخري التي تتناول سير القديسين.

يجب إعادة النظر في الصياغة التي تقدم القديس علي أنه سوبر إنسان بينما المسيح له المجد شخصياً و هو الله الظاهر في الجسد و الذي عمل كل أنواع المعجزات لا يقدمه الإنجيل كشخص خارق لكن كإنسان متضع.أما التهويل من قدرات القديس الخارقة فهذا ما يضع حاجزاً بينه و بين الناس العاديين الذين يستصعبون الوصول إلي قامة هذا القديس الخارق للعادة.بينما القديس شخص جميل بسيط من الداخل تعمق في محبة المسيح حتي لم تعد العوائق تمثل له مشكلة و هذه هي الرسالة التي تصلنا من خلال سيرة كل قديس.الذي يقدم القديس كشخصية يستحيل تكرارها مع الإفراط في سرد المعجزات علي أنها العلامة الوحيدة علي القداسة فهذا ما يحتاج إلي إصلاح. الهدف الأهم الذي يجعلنا ننظر إلي نهاية سيرتهم  هو أن نتمثل بإيمانهم في المسيح يسوع.

أخذت السنكسار كنموذج للكتب المراد إصلاحها و تقنينها.و ما ينطبق عليه ينطبق أيضاً علي جميع كتب الكنيسة.و الإصلاح لا يعني بالضرورة حذف أو تعديل بل يعني أيضاً توثيق و تقنين  سير القديسين كما قد يعني تحسين اللغة و إضافة ما هو أفضل و أعمق فكنيستنا لم تعدم الصلوات العميقة و الشخصيات المباركة التي يمكن أن تضيف للقراءات الكنسية الأفضل و الأعمق.

السنكسار ليس كتاب للتاريخ الكنسي أقصد أنه ليس من الضروري أن نجد فيه كل الأسماء أو الشخصيات التي نعرفها و نسمع عنها.فهو كتاب يقدم نماذج روحية مفيدة في حياتنا المسيحية.لذلك فلنخرج من أفكارنا ضرورة إضافة كل شخصية تنال إعجابنا لتكون ضمن السنكسار مما يجعله كتاباً غير محايد.ليس من المشترط أن يدرج إسم الشخص في السنكسار لكي تعترف به الكنيسة قديساً.فمن الممكن جداً أن تعترف الكنيسة بقداسة شخصية ما دون أن يتتبع ذلك إدراجه في السنكسار و إلا فسيأتي يوم نجد فيه السنكسار أكبر كتب العالم. الإصلاح هنا أن نتعامل مع الهدف الذي من أجله يوجد هذا الكتاب و لا نحمله ما لا يقدر عليه أو نقدر نحن عليه.
سنتابع الحديث عن بقية الكتب في مقالات تالية أرجو صلواتكم.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع