مهندس عزمي إبراهيم
"لا تقتِــل"، إحدى الوصايا العشر الإلهية، المقدسة في كل من اليهوديـة والمسيحيـة. وهي وَصِية أدرِجَت، لأهميتها، مُوجَزة بقصد التأكيـد، مُحَـدَّدَة في جملة من كلمتين فقط، لا حرف قبلها، ولا شرط بعـدها. وصية صريحة لا لبس فيها ولا تمويه ولا تحتاج لأي تفسير أو تأويل أو إفتاء من بَشَر.
"لا تقتِــل"، ركيزة هامة، ليست فقط من الركائز الأساسية في اليهودية والمسيحية
بل من الركائز الإنسانية والمقومات الأخلاقية الهامة في جميع العقائد الغير إلهية الموجودة على سطح الأرض. وفي الإسلام أيضاً الكثير عن شر القتـل والنهي عنه. لكن فيه أيضاً الكثير من أوامر إباحة القتـل في آيات عديدة لأسبابٍ أهمها الثلاثة التالية:
1. من أجل "الإيمان بالله ورسوله". وهو أمر لا يُرغَم عليه أحد. وذلك تقديراً لكرامة وعِزة الله جَلَّ جلاله، وحفاظاً على حرية الإنسان المطلقة في اختيار عقيدته!!
2. من أجل "حماية دين الله". وفي هذا إقلال لجلالة الله وقدراته، وإيحاءٌ بأن الله عاجز عن حماية نفسِهِ وحماية دينِـه، وأنه في احتياج إلى حماية البشر!!
3. من أجل مغريات متكررة مشجعة للقاتل أن يقتل. وذلك باقناعه أنه بالقتل يرضي الله!! وبوعود له بالجنة والخمر والحور والغلمان!!
تلك الأسباب في جوهرها إباحة صريحة للقتل وهو أعظم الجرائم ضد البشرية، وقمَّـة الشرور والخطايا ضد الله. حتى جملة "من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً." وإن بدت في ظاهرها عادلة، فهي تترك الباب مفتوحاً على مصراعيه للاجتهاد بالتأويل والتحليل والتحايل والتبرير البشري، ومدعاة للاستغلال وسوء الاستعمال.
حيث في تلك الحالات يَنصُبُ الجاهل والمجرم والإرهابي والمتطرف والمغرض والفوضوي من أنفسهم خصوماً وقضاة ومنفذي لحكم القتل على الأبرياء مستندين على تلك الآيات!! والتاريخ يشهَـد بذلك!!
أضع نصب عيني دائماً احترام مبدأ عدم الخوض أو التدخل في معتقدات الغير، إلا عندما تقصدني تلك المعتقدات وتُصَوِّب أسهُمها ورماحها نحوي!! فهي عندئذ تخصني. ومرة أخرى التاريخ يشهـد بذلك!!
مصر اليوم، وهي على أعتاب عصر جديد، في أمَسّ الحاجة إلى الوحدة الوطنية الحقة بين كل بنيها من كل دين ومن كل مذهب وملة وعقيدة وانتماء ايديولوجي حتى تنهض من كبوات التعصب والتطرف والتمييز والتكفير والتهجير والتحقير وكل تلك الموبقات، التي تسيء حتى لللإسلام ذاته!! نعم تسيء للإسلام والمسلمين على المستوى العالمي.
وإذا ادَّعى بعض السطحيين أنّي هنا أتدخل في معتقدات الآخرين، فهُم مخطئون!!! فالحقيقة أنّي، وإن كنت أتمنى أن تكون معتقدات غيري "إنسانية" عادلة غير متطرفة في قصدها ومضمونها ومنطوقها وتطبيقها، لكنى أعلم جيداً أن تغييرها ليس سلطتي ولا مسئوليتي.
فتلك مسئولية قادة وعلماء وأدباء ومعلمي المسلمين. وأرجو مخلصاً أن يقوموا بتلك المسئولية حتى يمكن للمسلمين أن يتعايشوا بمساواة مع الآخرين وباحترام متبادَل معهم حيثما كانوا، في بلادهم أو خارجها. وكيفما كانوا، مؤمنين أو ملحدين. تحت حماية القانون المدني العادل المطلق، لا تحت قانون القبيلة المتعصب وأحكام الشرائع البدوية العنصرية البالية. نعم، تلك مسئولية العاقلين المستنيرين، عملاً بالقول "لا يغيِّر الله ما بقومٍ حتى يغيِّروا ما بأنفسهم".
بالطبع لا أطلب تغيير آيات كتاب أو كتب يقدسها المسلمون. ولكن أطلب من القادة المستنيرين منهم إيضاح وإعلان أن تلك الآيات جاءت لأسباب وظروف وأوضاع جاهلية بدوية صحراوية قِبَلية، لا وجود لها في العصور الحديثة. وتنفيذها لا يتناسب مع تعانق وتناغم شعوب الأمم والدول والأعراق والأديان والأجناس في بوتقة حضارية عالمية واحدة مهما اختلفت سياسات تلك الدول. فسياسات الدول شأنٌ يرجع إلى مصالح تلك الدول ولا دخل للأديان والعقائد به من قريب أو بعيد.
أدرجت السرد أعلاه من "الناحية العقيـدية". أما من "الناحية الإنسانية"، فما أروَع الشاعر (المُسْلِم) السوري الكبير، علي أحمد سعيد، الشهير بأدونيس في قوله: "ليس هناك ما هو أكثر جحيمية من أن يقتل إنسانٌ انساناً آخر لا لشيء إلا لكي يدخل الجنة."
وهنـا مُعتقـدي منظـوماً
" إذا إلــَـهي "
إلــَـهي... إللي اعـبـــــده.. وأقـدســـه.. وأهـــــواه
في وقـــت راحــتي اشكــره وفي الشــدة أترجـــاه
وأطـيع أوامــره.. في فِعــلي.. قبـل صيـام وصــلاه
إذا أمـــرني اني "أقـتــــل أخـــويـا البشــر" إيــاه
علشان يآمــن بيـه!! أو عشان يحميـه!!.. حاشـاه
حاقــول لـه بكـــل ثبـــــات.. انــت مانتَــش إلـــَــه
اللـــــه خلقنــا وفتــح لنــا "للحيــــــــاة" أبــواب
اللــــه إرادتــه "ســـلام".. مش دَمـــار وخــراب
مش مـن طبيعــة اللـــــــــــه القتــــل والإرهــــاب
واللي يقول "الجنــة للي يقتــل بَشَــر".. كــــذاب
واللي يقــوم بالقتــل.. "ولو للإيمــــان".. خـاطي
لأن الإيمـــان "بالاختيـــــار".. أكــــرم الأســباب