الحمورية ليست موقفا فلسفيا أو فكريا يتعامل مع الحياة من منظور معين يتسم بالحكمة، بل هي مرحلة في تطور البشر، المشكلة أن الناس تجد صعوبة في الاعتراف بذلك، تحت وهم أن الحمورية آفة أو مرض خبيث يصيب فقط الأغبياء في مرحلة من مراحل حياتهم وربما يدمغ حياتهم كلها. اسمح لي أن أصارحك بما تعرفه أنت تمام المعرفة، وهو أن المرحلة الأولى في التكوين، أو الطور الأول، فهي مرحلة الجحوشية. كثيرون يعرفونني كمؤلف مسرح أو كاتب صحافي، غير أن هناك بين أقاربي العجائز من يؤكد أنني، عندما كنت جحشا، كنت أستمتع بوسامة غير عادية، وخفة دم لا حد لها. وحدث بالطبع عند انتقالي للمرحلة التالية وهي الحمورية الصريحة، أن ثقلت علي الهموم، فتحولت إلى حمار ثقيل الظل كمعظم الحمير الكتّاب.
من فضلك لا تتصور للحظة واحدة أنني أمزح معك، عندما أعرض عليك التقسيمة الحقيقية للبشر، وهي: جحش ثم حمار ثم استشاري. ليس معنى ذلك أنه سيتم تعيين حضرتك مستشارا في منصب ما، فالمرحلة التالية للحمورية هي الاستشارية التي يعتبرها العصر الحديث أرقى مراحل المهنة. هي مراحل ثلاث في حياة البشر: جحش، حمار، استشاري، وأي محاولة لإنكارها أو التنكر لها، كفيلة بإغراقك في عالم الاكتئاب والضياع.
أنزل بك الآن من عالم الفكر الجميل إلى الواقع الذي نحياه.. لنؤكد لك أن الحمورية بالذات لا تشكل خطرا على الفكر الإنساني، وأن الخطر الحقيقي على صحة الإنسان النفسية نابع من عجز الإنسان عن التمسك بحموريته وليس عن رفضه لها. فكر جيدا فيما أقول.. حسنا، رفضت حموريتك التي أنعم بها الله عليك، ماذا تريد أن تكون؟ عقربا سامة، ثعلبا مكارا؟ دبا من ذلك النوع الذي يقضي على أصحابه؟ آه.. فهمت، أنت تريد الاستقرار إلى الأبد في المرحلة الاستشارية، لأنك عاجز عن فعل أي شيء مفيد على الأرض.
لا تصدق أن أحدا من رجال السلطة قام بتعيين مستشار في مكتبه ليستشيره في شؤون وظيفته أو عمله، هو ليس أكثر من شيء لزوم الشيء، وما نعترض عليه هنا هو محاولة الانتقال بالعافية من مرحلة الحمورية، إلى الاستشارية. فكانت النتيجة مشاهد كئيبة تدفع لليأس، أشخاص، حتى حموريتهم مشكوك فيها، فجأة تراهم مستشارين لأصحاب مناصب رفيعة، ترى بماذا أشاروا عليهم؟ والله ولا حاجة.
في تلك اللحظات تشعر الناس بأنه لا جدوى لشيء، وأن اليأس هو الطريق الوحيد المتاح لنا السير فيه.. لتعد للعقل قيمته، مع أول فرصة لا بد من محاكمة عدد من الناس لأنهم ليسوا جادين.. الهزار جريمة عظمى، ليس مسموحا لأحد بممارسة الهزار في إدارة شؤون هذا البلد. على الحمير وأنا أولهم أن يعترفوا بحموريتهم، وعلى المستشارين أن يعترفوا بأنهم لا مستشارون ولا حاجة.
نقلا عن الشرق الاوسط