بقلم يوسف سيدهم
لم يدم طويلا التفاؤل الذي عم الدوائر السياسية والشعبية عقب الإعلان عن تكوين مجموعة عمل بقيادة عمرو موسي رئيس لجنة إعداد الدستور واللواء مراد موافي رئيس جهاز المخابرات العامة السابق واللواء أحمد جمال الدين وزير الداخلية الأسبق,بهدف توحيد الصفوف الحزبية والسياسية في تكتل قوي يخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة...
وقتها ساد شعور بالارتياح والترحيب وسط قطاعات المصريين الذين خرجوا في 30يونية الماضي والذين خاضوا معركة إنقاذ مصر من حكم الإخوان ثم انتصروا في تحدي إقرار الدستور وأخيرا نجحوا في العبور بانتخابات رئاسة الجمهورية إلي بر الأمان.
فالبرغم من تلك الإنجازات العظيمة بقي لدي المصرين إدراك واضح أن مسار إنقاذ مصر لم يكتمل بعد,وأنه يتبقي أمامهم آخر تحديات خريطة الطريق وهو انتخاب مجلس الأمة,وأن التهاون أو التفريط في الإعداد الجاد والجيد لانتخاب مجلس الأمة قد يعرض البلاد لخطر تسلل عناصر الإخوان-بشكل مباشر أو غير مباشر-إلي مقاعد البرلمان حيث يستطيعون إلحاق الضرر بالعمل الوطني وعرقلة الدور التاريخي والمهم الذي يناط بالبرلمان أن يلعبه تشريعيا ورقابيا باعتباره أول مجلس أمة ينتخب بعد إقرار الدستور الجديد.
ذلك الإدراك لدي المصريين كان يصطدم بحالة التشرذم السياسي والحزبي علي الساحة وكثرت الهمهمات حول قدرة أي حزب بمفرده- مهما كان تاريخه أو كانت قوته-علي خوض الانتخابات البرلمانية منفردا,الأمر الذي يحتم خلق كيان قوي يجمع أكبر عدد ممكن من الأحزاب التي يربطها توجهمصر30يونية لضمان حشد المصريين وراء ائتلاف انتخابي مطمئين يحصد أغلبية مقاعد مجلس الأمة وبالتالي يتولي تشكيل أول وزارة تنفيذية بعد الدستور تنعقد عليها الآمال في الإصلاح التشريعي والتنموي بما يتناغم مع توجهات وخطط رئيس الجمهورية الجديد.
ولأن الإدراك لحتمية توحيد الصفوف والائتلاف كان يصاحبه توجس من أن الفشل في تحقيق ذلك حتما سيؤدي إلي تشرذم القوي السياسية وبعثرة أصوات الناخبين بينها وبالتالي ترك الباب مفتوحا لدخول قوي عديدة ضعيفة تحت قبة مجلس الأمة جنبا إلي جنب مع من يمكن أن يتسلل إلي الداخل من فلول الإخوان وشبهة اتحادهم مع السلفيين,الأمر المخيف الذي من شأنه تهديد مسيرة الإصلاح الديمقراطي والسياسي...لذلك لا غرابة في أن المصريين رحبوا وتفاءلوا بالإعلان عن مجموعةموسي-موافي-جمال الدين.
لكن للأسف الشديد لم تدم الفرحة ولم يستمر التفاؤل فسرعان ما أعلن بعد عقد باكورة اجتماعات هذه المجموعة عن تفككها وانسحاب اللواء مراد موافي منها غاضبا ومحتجا علي غياب الإرادة السياسية للائتلاف لدي كثير من الأحزاب -الهزيلة أصلا!!-وتغلب النعرة الحزبية الفردية والمصالح الشخصية علي الدور الوطني الذي تتطلبه هذه المرحلة.وبينما كنت أتوقع أن انسحاب اللواء مراد موافي سيكون بمثابة ناقوس خطر وصفارة إنذار للأحزاب أن تثوب إلي رشدها وتعيد حساباتها وتعيد لملمة صفوفها وتترفع عن الصغائر
التي تفرق بينها وتعلي نداء الوطن فوق أية حسابات أخري...إذ بي أفاجأ بأن البعثرة الحزبية مستمرة وبالدعوات لتشكيل تحالفات انتخابية تنطلق من كل حدب وصوب,وعوضا عن العمل علي تأسيس تحالف قوي قادر علي السيطرة علي الساحة الانتخابية انتهينا إلي متابعة محاولات لتشكيل تحالفات عديدة مشكوك في قوتها أو قدرتها وتبنئ بأن احتمالات فوزها بمقاعد في البرلمان لايعد إلا بنقل قوي عديدة صغيرة متناحرة علي الساحة إلي قوي بذات الطبيعة تحت القبة!!!
وإذا كان البعض يصور مايحدث علي أنه دليل علي النضج الديمقراطي وأن مايعكسه ذلك من تعددية هو في حد ذاته ظاهرة صحية تحول دون سيطرة وسطوة أية قوة ضخمة وحدها علي الحياة السياسية-في استنساخ مقلق للحزب الوطني أو لجماعة الإخوان-فإن الرد علي ذلك أن ما يتحدثون عنه بشأن تعددية القوي السياسية لايزال ترفا لاتستطيعه مصر في هذه المرحلة الفارقة في تاريخها,بل هو مخاطرة غير محمودة العواقب قد تؤدي إلي انتكاسة مسيرةمصر30يونية,والأفضل التأني والتروي قبل الأخذ بمبادئ التعدية النظرية والتسليم بأن النضج الديمقراطي يحتاج التمهل والتطور التدريجي عبر عدد من الدورات الانتخابية المتعاقبة لئلا ينتكس.
إن المشهد أمامي-وحتي كتابة هذه السطور-يحمل عناوين كثيرة,فعمرو موسي يعلن أنه ماض في تكوين تحالف انتخابي بالرغم من انسحاب مراد موافي,ومراد موافي يعلن عن سعيه لتأسيس حزب يدخل به تحالفا انتخابيا جديدا,وحزبا الوفد والمصري الديمقراطي يعلنان عن قيادتهما معا تحالفا آخر,وحزب السادات الديمقراطي يعلن عن تشكيلتحالف السادات,بينما النقابات المهنية تعلن عن إعدادها قوائم موحدة للمرشحين الذين ستخوض بهم الانتخابات...والبقية تأتي وسط تساؤلات عن أي ياتري من هذه التحالفات أو تلك يمكن أن يكون مطية لفلول الجماعة وأقطاب الإرهاب؟!!
هل يدرك العقلاء والحكماء مقدار الخطورة الذي يحيق بالانتخابات البرلمانية؟...هل يستطيعون إنقاذ الموقف قبل فوات الأوان؟...أم أن انهيار التحالف الانتخابي موسي-موافي-جمال الدين قبل أن يبدأ عمله بات هو الزجاج المكسور الذي يستحيل إصلاحه؟!!