مدحت بشاي
ليلة رائعة لايمكن أبداً أنساها لأنني في صباح اليوم التالي سأسافر إلى القاهرة لأن مدرستي اختارتني أنا الطالب بفصل أولى تاني بمدرسة كفر الشيخ الإعدادية ضمن فريق "أوائل الطلبة" لتمثيل المدرسة والمحافظة للدخول في منافسات المدرسة مع العديد من مدارس الجمهورية ضمن مسابقة علمية فنية ثقافية ، والمعروف أن " أوائل الطلبة" برنامج إذاعي رائع كان يتم بثه عبر إذاعة البرنامج العام..
وفي الواقع لم أكن من أوائل الطلاب ، ولكنني كنت ضمن جماعات الخطابة والصحافة المدرسية والفنون التشكيلية ، وكانت المسابقة تقدم أصحاب المواهب عبر منافسات يتم الإعداد لتنظيمها بشكل تربوي وإبداعي ناجح .. كانت الأهالي تتابع بفرحة وفخر أولادهم وبناتهم عبر إذاعة البرنامج العام ، وظل البرنامج يُقدم بنجاح وحتى بعد بداية البث التليفزيوني المصري ، و نظراً لنجاح البرنامج تم استنساخ سيناريو وفكرة البرنامج تليفزيونياً بنفس الاسم والشكل ، لكن لم يحقق النجاح الإذاعي رغم ماكان للصورة من إبهار للمتلقي أنئذ لحداثة التقنية وجاذبيتها ..
وكما كان الهدف من البرنامج تشجيع قيم التفوق والتميز الإبداعي وروح التنافس الشريف بشكل تربوي غاية في الانضباط وبوعي مهني إعلامي لفريق عمل يرى عناصره أنهم يقدمون رسالة اجتماعية وتربوية وعلمية ، فقد قدمت الإذاعة المصرية الرائدة العديد من البرامج متنوعة الشكل والرؤى.. مين ينسى برنامج " برامجنا في الميزان" وتقوم فكرته على تكليف خبير إعلامي أو كاتب أو مفكر كبير على متابعة برامج البرنامج العام على مدى الإسبوع وبمحاورة الضيف وبث مقاطع من خياراته الداعمة لوجهة نظره في تقييم كل برنامج يكون الحصاد وفيراً من الانتقادات المفيدة لأسر برامج البرنامج العام ، وأظن أن فكرة النقد الذاتي علامة صحة مهنية ، ولو تم الاستفادة بها وتعميمها تليفزيونياً وبشكل خاص في تقييم برامج السهرة التليفزيونية لن نكون في حاجة للنقد الساخر الجارح والغير موضوعي أحياناً على طريقة " باسم يوسف" أو حتى ميثاق شرف إعلامي لأن مثل تلك المتابعات الذاتية قطعا ستنقي الممارسات الإعلامية من شوائب الخروج الغير أخلاقي عن ضوابط المهنة ..
ومين ينسى برامج " أغرب القضايا " و" من خلف القضبان" و" الغلط فين " و" الغلط فين " و"صواريخ" و"46120إذاعة" و"جرب حظك" و"على الناصية " وكمان برامج صباحية غاية في الروعة " بالسلامة" و" ربات اليوم ودراما يومية عيلة مرزوق أفندي" و" همسة عتاب" و" كلمتين وبس " .. مين ينسى أثر تلك البرامج دي اجتماعياً وثقافياً وتربوياً وإنسانياً ..
"هنا القاهرة" .. نحتفل الايام دي بمرور 74 عاماً على انطلاقها من شارع الشريفين بالقاهرة عبر صوت المذيع أحمد سالم ، يقول الكاتب محمود الورداني " لقد تغيرت الحياة ليس في مصر وحدها بل في سائر الأرض العربية. كلمتان خرجتا من فم المذيع الشاب في مساء 31 مايو 1934 لتبدأ الإذاعة المصرية إرسالها للمرة الأولى، وسرعان ما أصبحت ذاكرة العرب جميعا وتوالت محطات الإذاعة سواء من مصر أو من الأقطار العربية المختلفة، ثم ظهر التليفزيون وانتشرت الفضائيات والانترنت وسائر وسائل الاعلام المتقدمة
ومع ذلك ظلت الإذاعة في القلب تحتل ركنا في قلب كل المستمعين وتستحوذ على مشاعرهم فهي تمتلك سحرا خاصا مازال قادرا على التأثير...إن رحلة الإذاعة لم تبدأ في 31 مايو/ ايار 1934 فقط بل سبقتها إرهاصات وبدايات عديدة، حيث بدأت الإذاعات الأهلية أولا ففي العام 1927 افتتحت إذاعة مصر الجديدة وبعد عامين افتتحت محطة أهلية أخرى أوروبية هي إذاعة سابو، ولكن العام 1944 شكل لحظة مهمة في حياة الإذاعة، فبعد انتهاء العقد المبرم بين شركة ماركوني الإنجليزية المكلفة بإدارة المحطة وبين الإذاعة المصرية بدأ عهد جديد
تولى فيه المصريون الإدارة حتى فوجئ المستمعون صباح 23 يوليو 1952 بصوت أنور السادات يعلن قيام حركة الجيش المباركة، وبدأ الضباط يجدون طريقهم نحو مبنى الإذاعة بشارع الشريفين في قلب القاهرة وفي مقدمتهم اللواء محمد نجيب قائد الحركة المباركة.أما صوت جمال عبدالناصر فلم يسمعه المصريون إلا بعد ذلك بعامين.. وفي اليوم نفسه غنت أم كلثوم: يا مصر إن الحق قد جاء، وغنى عبدالوهاب نشيد القسم في أعقاب توقيع اتفاقية الجلاء بين الاحتلال ومصر، وكان عبدالناصر وقتذاك رئيسا للوزراء وألقى على الأمة بياناً جاء فيه: أيها المواطنون، إننا نعيش الآن لحظات مجيدة في تاريخ وطننا، إننا نقف الآن على عتبة مرحلة حاسمة من مراحل كفاح شعبنا، لقد وضع الهدف الأكبر من أهداف الثورة منذ هذه اللحظة موضع التنفيذ الفعلي، فقد وقعنا الآن بالأحرف الأولى اتفاقا ينهي الاحتلال وينظم جلاء القوات البريطانية عن أرض مصر الخالدة.." ..
وبالمناسبة أليس من حق الشعب إعادة الاحتفال بيوم الحلاء ومش لازم أجازة ، ولكن بتذكير شبابنا بتلك المناسبة الوطنية الرائعة ..
كل سنة وأهل الإذاعة ومبدعيها بخير ، ويارب يبهتوا على أهل التليفزيون ..
medhatbe@gmail.com