خالد منتصر
كلما شاهدت مسلسلاً تاريخياً من نوعية «صديق العمر» أو «سرايا عابدين»، أترحّم على المؤرخ الراحل العظيم يونان لبيب رزق، فقد كان اسمه كمُراجع علامة مسجلة على جودة ودقة العمل التاريخى الدرامى المعروض. كانت هناك لجنة تقرأ الأعمال الدرامية وتصحح أخطاءها التاريخية، كانت تلك المراجعة ضرورة وفريضة بعد أن هجر الشباب كتب التاريخ وصارت الدراما هى منبع المعرفة التاريخية ومصدرها ربما أهم من كتاب المدرسة. أصبح المسلسل التاريخى هو أهم أداة ترميم لذاكرتنا المشروخة المثقوبة المصابة بألزهايمر
كان لا بد من فتح هذا الملف بعد الأخطاء التاريخية الجسيمة التى حدثت فى مسلسلى سرايا عابدين وصديق العمر، برغم أن أجر أصغر كومبارس فى المسلسل أو ثمن وجبة غذاء لكاست المسلسل كان من الممكن أن يكفى لدفع أجر لجنة من كبار المتخصصين التاريخيين، إلا أن تكلفة الإنتاج الضخم والديكورات المبهرة هى التى يهتم بها المنتج، لكن التاريخ ودقته فليذهبا إلى الجحيم غير مأسوف عليهما
هناك استثناءات فى كتّاب الدراما هم بالسليقة والموهبة والتذوق لديهم عشق لتفاصيل التاريخ مثل الكاتب الكبير محفوظ عبدالرحمن وعاشقة التاريخ لميس جابر، لو لم يكونا كاتبى دراما لأصبحا أستاذى تاريخ لا يُشق لهما غبار، لذلك لن تجد خطأ تاريخياً فى مسلسلات محفوظ عبدالرحمن أو فى مسلسل لميس الأشهر فاروق، ما نطالب به من دقة لا يتعارض مع الجاذبية الدرامية على الإطلاق، فمن حق الكاتب طبعاً أن ينسج دراما من خياله فى المسلسل التاريخى لأنه لا يكتب رسالة دكتوراه لتقديمها لقسم التاريخ بآداب القاهرة!
ولكن كل هذا لا بد أن يكون مشروطاً بعدم تزييف التاريخ واختراع أحداث ملفقة أو تزييف لتواريخ ثابتة، الأفلام الأجنبية التاريخية هى عبارة عن وثائق يرجع إليها الشباب لمعرفة تاريخ أوطانهم ولكم فى أفلام الحرب العالمية أسوة حسنة، دقة وجاذبية وتشويق، يجعل التاريخ من لحم ودم نابضاً بالحيوية. التصدى لكتابة عمل تاريخى أمانة ومسئولية ولا بد لمن يتصدى لكتابتها وإنتاجها أن يكون على مستوى تلك الأمانة وحجم تلك المسئولية، عليه أن يحقق ويدقق ويفرز الحقيقة من الزيف ويغربل الصدق من الكذب
لدينا أجيال لا تعرف إلا أن ناصر استاد كورة والسادات مجرد محطة مترو ومحمد عبده مطرب سعودى ومحمد على شارع راقصات وإبراهيم باشا تمثال بصباع! الدراما التاريخية أمامها مهمة صعبة عليها أن تتحرى الصدق فيها وألا تصاب بداء الاستسهال فى ظل هوجة الإسهال الدرامى الرمضانية التى نعيشها.
نقلآ عن الوطن