بقلم: ماجد سمير
أبومحمد العدناني، الناطق باسم تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام أو ما يُعرف بـ"داعش" يرى أن مقاتليه عندما أزالوا الحدود بين سورية والعراق نجحوا في تحطيم "الصنم" معتبرا إياها أنها فرقت بين الدول الإسلامية و"مزقت الخلافة"؛ ما قاله المتحدث الرسمي باسم الجماعة يختزل ما يفكر به مقاتلي داعش لكن الحقيقة يشوبها الكثير من الضباب واللبس.
ربما داعب مايسمى "داعش" حين قرر رجالها تحويل العراق إلى امارة إسلامية تحكم بالدين حسب وجهة نظرهم حلم عودة الخلافة بعد عقود طويلة من اختفائها من الوجود على يد كمال الدين اتاتورك عام 1924، وربما يكون الصراع الطائفي وجد أرضا خصبة في العراق المقسم طائفيا منذ الاحتلال الأمريكي أو الغزو الأمريكي أو أي أسم يحلو للمحلليين السياسيين اطلاقه، على دخول الجيش الأمريكي العراق تحت عنوان وهمي يسمى "القضاء على أسلحة الدمار الشامل التي كان يملكها نظام صدام حسين وقتها".
تكونت داعش في العراق عام 2006 على يد ضابط سابق في جيش العراق أثناء حكم صدام حسين يدعى "محمد خليل محمد الزواوي " وأطلق على نفسه اسم "أبو عمر البغدادي"، واعتقل على يد القوات الأمريكية بسجن أبو غريب وفي 2010 قتل "أبو عمر" وخلفه في قيادة داعش "أبو بكر البغدادي"
ولايوجد أي حساب بنكي في أي مصرف في العالم يمكننا من خلاله رصد جهات تمويل داعش التي وصلت ثروتها – حسب شبكة سي ان ان الأمريكية – إلى 2 مليار دولار أمريكي، لكن "جونتر ماير" مدير مركز أبحاث العالم العربي في جامعة ماينز الألمانية لا يتشكك مطلقا في مصدر أموال داعش ويقول في تصريحات لـ DW: دعمهم قادم من دول خليجية وفي مقدمتهم السعودية وقطر وأيضا الكويت والامارات.
تدعيم داعش سببه الأساسي طائفي لمواجهة المد الشيعي في المنقطة وتكوين قوى سنيه تواجه ايران وحزب الله وأيضا الأنظمة المُدعمة من أيران في المنطقة مثل نظام بشار الأسد في سوريه، فضلا عن قمع ثورة البحرين والانتفاضات التي تشهدها المنطقة الشرقية بالسعودية، ويبدو السؤال البديهي هل لا تدرك الأنظمة المدعمه خطورة دعم داعش وامكانية انقلاب السحر على الساحر؛ فالولايات المتحدة الأمريكية أول من أضير من دعم القاعدة في أحداث11 سبتمبر الشهيرة.
ونحجت داعش في فرض ضرائب على كل المناطق التي استولت عليها سواء سورية أو العراق سواء على الأفراد أو الشركات ورجال الأعمال وهو الأمر الذي أكده مجلس العلاقات الخارجية بالولايات المتحدة مشيرة إلى أنه في الوقت الذى أصبحت الموصل تحت سيطرة الحكومة العراقية قامت حركة داعش بفرض حوالى 8 مليون دولار شهريا كطريقة للابتزاز النقدى ودفع ضريبة لصالحها من جانب الشركات المحلية، وأدى استيلاء الحركة القمعية على مساحات واسعة من العراق إلى المزيد من الضرائب على كافة المدن ومن ثم نمو نسبة الأموال المتدفقة في خزائنها.
وقد يتخطى الأمر مجرد سطو جماعة راديكالية بمرجعية دينية على مساحة ما من الأرض لفرض قانونها وسطوتها ونفوذها إلى إعادة تدوير وانتاج "سايكس بيكو" القرن الواحد والعشرون وهذه المرة ستقسم المنطقة بأسرها لدويلات صغيرة تتصارع بشكل دائم على أساس عقائدي وطائفي وديني.
وما أسهل نجاح الخطة في منطقة يوجد بها سنة وشيعة وأكراد ودروز وكاثوليك وأرثوذكس وبرتستانت وموارنة وغيرهم من الطوائف التي يشعر كل من ينتمي لها أنه يمتلك الحقيقة المطلقة بل منهم من هم على قناعة تامة بأنه يمتلك الله عز وجل حصريا، ويحضرني تقاتل جبهة النصرة مع داعش – رغم أن كلاهما جماعتين سنيتين - منذ نحو شهر تقريبا داخل قرية على الحدود السورية العراقية محقيين النموذج الذي يحلم به مهندسو "سايكس بيكو "2014وهنا يحضرني تساؤال منطقي "ما هو شكل الصراع بعد دخول الطوائف المختلفة بشكل مباشر؟
ورغم مانشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية مؤخرا حول احتمالات دخول اسرائيل في مواجهات مباشر – بدعم امريكي – مع داعش خاصة في حالة ما قرر تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام "داعش" دخول الأردن إلا أن الدولة اليهودية المستفيد الأول من تقسيم المنطقة لدويلات على اساس ديني وطائفي على الأقل لتبرير ضرورة وجود دولة طائفية –اسرائيل- في المنطقة، فضلا عن أن التناحر الطائفي المنتظر الذي سيضعف بطبيعة الحال من قوة كل دول الجوار؛ مما يعني المزيد من الأمان لإسرائيل.
ولتركيا دور فعال في المسألة "الداعشية" عبر عنها الخبير الأمني خالد عكاشة قائلا : إن الدعم المالي لداعش قادم من قطر عن طريق تركيا، مشيراً إلى أن الإدارة التركية الحالية تريد إنهاك العراق وسوريا وتقسمهما، كما أن أحفاد سليم الأول بمثابة المعبر الاساسي للتمويل القطري لداعش.
ويبدو أن انهيار سياسة تركيا الخارجية، وفشلها في سوريا ومن ثم في مصر والعراق وفي كل المنطقة، جعلها تلجأ الى شعار مكيافيلي الشهير "الغاية تبرر الوسيلة"، وأن تكون مستعدة للتعاون مع الشيطان من أجل التعويض عن الفشل، بدلا من أن تعترف بالهزيمة وتعيد النظر في سياساتها بما يحفظ ما تبقى من ماء الوجه
كما أن حلم عضوية الإتحاد الأوربي بات بعيد المنال بما يشبه الاستحالة فنقلت "لأنقرة" عطاء الحلم الوردي إلى التطلع بعودة الاستانة والسلطان العثماني للسطو على المنطقة، فلم يجد "آل اوردغان" أقرب من دعم حركات راديكالية ولاءها الأول والأخير للقطر الحاكم في بلاد الأناضول.
ولم يعد هناك جدوى من ترديد سؤال هل تدعم تركيا داعش أم لا ؟ فرئيس بلدية "ماردين" النائب الكردي أحمد تورك قدم إلى سفير الاتحاد الأوروبي في تركيا ومجموعة من الصحفيين، في جلسة عقدت في ماردين، تقريراً مفصلاً وموثقاً ومدعوماً بالأدلة الدامغة من صور واشرطة فيديو عن الدعم الرسمي الذي تقدمه تركيا لتنظيم "داعش"، ومنها تنقل أفراد منه يرتدون البزة العسكرية التركية، والآليات العسكرية التركية داخل البلاد، وكيف أن رئيس بلدية جيلان بينار، وهو من "حزب العدالة والتنمية"، يلتقي داخل أحد الخيم مقاتلين من "داعش".
وفي الحادي عشر من يونيو الماضي طالب المتحدث الرسمي باسم داعش تنظيم القاعدة بمحاربة الجيش المصري بل هدد بالقضاء عليه وقتل السيسي وابادة الأقباط ويبدو الجيش المصري – الوحيد الباقي على الساحة – هدفا للقضاء عليه وتوريطه في حرب على داعش سواء في العراق أو سوريه، وعمليات الاسفزاز مستمرة بلا توقف مستغلين القناعة التامة لدى الجميع بأن "تلويث مياه الفرات ودجلة يعكر مياه النيل".
وقديما قالوا القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ، ومضت سنوات الثقافة والمثقفين وبات الجهل شعارا حتميا للمرحلة، ولم يشفع للعراق أن البحتري والمتنبي وأبي تمام ساروا في شوارعها ودروبها، مختالين خطواتهم جعلت ترابها يزهو من الحسن كاد أن يتكلما، فاعذرني أبا الطيب، فطيب ذكراك عكرها أرجل نجسة وطأت وطنك وبابلك وفراتك؛ ذبحت على شاطىء دجلة تاريخ وحضارة؛ بل ربما ضاجعت الحضارة بما يفوق خيال نجيب محفوظ وحسين كمال في ثرثرة فوق النيل.