بقلم/ماجد كامل
يعتبر القديس العظيم الانبا شنودة رئيس المتوحدين (333 – 451 م تقريبا )هو عميد الأدب القبطي بلا منازع ؛فهو واحد من أهم المؤلفين الذين كتبوا باللغة القبطية وأهتموا في جميع كتاباتهم بتنقيحها من المؤثرات اليونانية التي دخلت علي اللغة القبطية ؛
كما كان يتمتع بثقافة دينية ودنيوية واسعة ؛ وتنفرد كتاباته بأسلوب مميز ؛فعباراته واضحة وقوية . وكلمة شنودة معناها "ابن الله" باللغة القبطية اللهجة الصعيدية ؛ويقابلها أسم "شانودي" باللهجة البحيرية ؛اما في اللغة اليونانية فينطق "سينوت" وأهتم بكتابة سيرته تلميذه القديس الانبا ويصا ؛
اما عن حياة الانبا شنودة نفسه فلقد ولد في قرية "شندويل "بأخميم بصعيد مصر؛ أهتم والداه منذ طفولته بتربيته تربية مسيحية حقيقية ؛فنشأ محبا للخير والفضيلة ؛ وكان والده يمتلك أراضي زراعية كثيرة ؛وذات يوم طلب منه أحد رعاة الأغنام أن يسمح بخروج أبنه معه ليساعده في رعاية الأغنام ؛فوافق الأب بشرط أن
يرده اليه قبل المساء ؛ وعند إقتراب الراعي من المنزل كان يخبره الطفل شنودة أنه يعرف الطريق إلي المنزل وحده ويستطيع العودة إلي المنزل ؛وذات يوم عاتب الأب الراعي لأنه لم ينفذ وعده برد الأبن أليه قبل الغروب يوميا حسب وعده ؛فأقسم له الراعي أنه يعيد الأبن يوميا قبل الغروب ؛وأنه لا يعرف سر تأخيره وغيابه عن المنزل ؛ووعده أن سيحاول معرفة السر ؛
وفي مساء اليوم التالي طلب الطفل شنودة من الراعي أن ينصرف كعادته كل يوم لأنه يعرف الطريق وحده ؛فتظاهر الراعي بتركه يسير بمفرده ثم تتبعه من بعيدوأخذ يراقبه إلي أين هو ذاهب ؛وأختبأ الراعي خلف شجرة كبيرة فشاهد منظرا عجيبا جدا ؛إذ شاهد الطفل شنودة مستغرقا في صلاة عميقة وهو يصلي لله ؛
وأصابعه مضيئة مثل الشمع ؛ وفي صباح اليوم التالي توجه الراعي إلي أبيه وقص عليه ما شاهده ؛وأنه لا يستحق العمل مع هذا الطفل ؛فأخذه والده إلي خاله القديس الأنبا بيجول "كلمة بيجول معناها قرص العسل باللغة القبطية" وكان رئيسا لما يعرف حاليا بالدير الأبيض "وهو يقع غرب مدينة سوهاج بحوالي 6 كم ؛
وترجع تسميته بالدير الأبيض لأنه مشيد بالحجر الجيري الأبيض وتمييزا له عن الدير الأحمر هو يبعد عنه بحوالي 2 كم ؛ويرجح تاريخيا ومعماريا أن الدير الأبيض قد شيد علي أنقاض أحد المعابد الفرعونية" ؛وطلب منه تعهده بالخدمة والرعاية في ذلك الدير ؛
فعاش فيه في حياة نسك شديد ؛فكان لا يأكل إلا وجبة واحدة عند غروب الشمس ؛ وكانت تتكون من الخبز الجاف مع قليل من الماء والملح ؛ وبعد وفاه خاله الانبا بيجول ؛تولي الانبا شنودة رئاسة الدير الأبيض ؛فنمت الرهبنة في عهد نموا عظيما جدا ؛وأهتم كثيرا بالصوم والصلاة والتعليم والعمل اليدوي ؛كما كان يفتح الدير للجمهور في عشية يوم السبت والقداس الإلهي صباح يوم الأحد لسماع عظاته وخطبه ؛ وفي آخر أيام حياته مرض القديس مرضا شديدا جدا وتجمع حوله تلاميذه وأولاده الرهبان ؛فشجعهم وعزاهم كثيرا ثم توفي بسلام ؛وتذكار نياحته "وفاته" يقع في يوم 7 أبيب الموافق 14 يوليو من كل عام .
ولقد أهتم العالم كله بدراسة تراث الانبا شنودة ؛فلقد خلف لنا مكتبة ضخمة هي مكتبة الدير الأبيض ؛وحاليا توجد كثير من مخطوطات هذا الدير منتشرة في العديد من المكتبات العالمية ؛ فلقد أستولي كل من هنري تاتم وروبرت كوروزن علي جزء كبير من مخطوطات الدير ؛وقاما بنقله إلي إنجلترا ؛كما أشتري العالم الفرنسي " جاستون ماسبيرو"(1846-1916 ) جميع ما تبقي من مكتبة الدير ونقله إلي فرنسا ؛
ومن المكتشفات الحديثة خلال الحفريات التي تمت في الدير الأبيض خلال عام 1973 أنه تم العثور علي جدول يحدد تاريخ عيد القيامة وجميع المناسبات والأعياد المتغيرة المرتبطة به ( صوم يونان – الصوم الكبير - أحد السعف – عيد العنصرة – بدء صوم الرسل ) خلال الأعوام من "1095-1219 " ونص آخر يذكر إعادة بناء القباب عام 1259 م ومخطوط آخر لتاريخ الكنيسة القبطية مكتوب باللغة القبطية ؛
كذلك نشر العالم الإنجليزي الشهير "والتر كروم (1865 - 1944 ) في عام 1904 نصا للكتابات الحائطية التي وجدها في الشرقية الكبري لهيكل كنيسة دير الأنبا شنودة .وهي موجودة علي الحوائط الأربعة وتتضمن قوائم بأسماء الكتب الموجودة بمكتبة الدير وعدد النسخ من كل كتاب ؛ كذلك قام العالم الدانماركي "جورج زيوجا " بنشر مقتطفات مما جمعه من كتابات الأنبا شنودة ؛وقام بنشرها في مجلد واحد عام 1810 .
وفي عام 1994 أنهي عالم القبطيات الأمريكي "ستيفن أميل "وهو حاليا أستاذ ورئيس قسم القبطيات بجامعة مونستر بألمانيا منذ عام 1996 " دراسته التي أستغرقت حوالي عشر سنوات أمضاها في جمع وترتيب كل عظات الانبا شنودة ولعل أعظم آثار القديس الانبا شنودة هو تحمسه الشديد للقومية المصرية ؛ ففي معظم خطبه وكتاباته كان لا يسمح لنفسه بأستخدام الكلمات والمصطلحات اليونانية إلا فيما ندر ؛ كما كان أيضا لا يقبل في ديره إلا الرهبان المصريين فقط إذ رفض قبول الرهبان الأجانب في نظامه الرهباني عكس القديس الانبا باخومويس الذي سمح بقبول الرهبان الأجانب في حدود معينة ؛
كما له دور كبير في تطهير مدينة أخميم من الكثير من المعابد الوثنية ؛ كذلك تصدي الانبا شنودة للدفاع عن الفلاحين المساكين الذين تعرضوا لظلم فادح من جباة الضرائب من الولاة البيزنطيين ؛وفي أحدي عظاته يقول موبخا هؤلاء الجباة ( أليس هذا نوع آخر من الاضطهاد الذي تمارسونه ضد الناس ؛
حتي تطردونهم من بيوتهم ؟ تذهبون إلي ديارهم فلا يوجد فيها أطفال أو آباء أو أحد البتة لأنهم هربوا ؛فتحملون دوابهم وعرباتهم وقشهم وتأخذونها إلي مزارعكم ؛وتجبرونهم علي جر السواقي فوق طاقتهم ؛ أنت مثلا تذبحون العجل لديكم إذا كان يحتضر او إذا أصبح منبوذا لا فائدة منه لعملكم ؛ثم تقطعونه قطعة قطعة كما يحلو لكم ؛وتلقون بها إليهم ؛حتي إلي الأرامل والعجائز والأيتام والغرباء ؛
ثم تطالبونهم بثمن يفوق قيمته حتي تجمعوا ثمن العجل مضاعفا ؛وهو ثمن للحم سيء ليس فيه سوي عظم وجلد وأشياء أخري عديمة القيمة ) وللانبا شنودة عظة بالغة الأهمية عن الموالد القبطية وعما يحدث فيها أحيانا من بعض التجاوزات الأخلاقية يقول فيها (جميل جدا أن يذهب الأنسان إلي مقر الشهيد ليصلي ويقرأ ؛
وينشد المزامير ؛أما من يذهب ليتسامر ويأكل ويشرب ويلهو ؛ ويرتكب الجرائم المختلفة نتيجة الإفراط في الشراب ؛فهذا هو الكافر بعينه ؛وبينما البعض في الداخل يرتلون المزامير ويقرأون ويتناولون الأسرار المقدسة ؛
إذ بأخرين في الخارج يملأون المكان بأصوات الطبل والزمر ؛وأنطبق عليهم قول السيد المسيح "بيتي بيت صلاة يدعي وأنتم جعلتموه مغارة للصوص" لقد جعلتموه بيتا لبيع العسل والحلي وغيرذلك ؛لقد جعلتم الموالد فرصة لتدريب بهائمكم ولسباق حميركم وخيلكم جعلتموها أماكن لسرقة ما يعرض فيها للبيع .فبائع العسل بالكاد يحصل علي قليل من الزبائن المتشاحنين ؛أو يستخلص لنفسه شيئا من الفائدة نظير أتعابه .حتي الأمور التي تحدث للباعة في الأسواق العامة تحدث لهم في موالد الشهداء !!! . ياللغباء !
إذا كنتم تذهبون لمواطن الشهداء لتأكلوا وتشربوا وتبيعوا وتشتروا وتفعلوا ما يروق لكم ؛فأية فائدة لبيوتكم التي في مدنكم أو قراكم ؟ وإذا كانت بناتكم وأمهاتكم يعطرون رؤوسهن ويكحلن عيونهن ؛ويتجملن لخداع الناس الذين ينظرون إليهن ؛وإذا كان أبناءكم وأصدقائكم وجيرانكم يقعلون هكذا عندذهابهم إلي أماكن الشهداء ؛فلماذا جعلتم لكم بيوتا ؟! هناك كثيرون يذهبون إلي الموالد لإفساد هيكل الرب وليجعلوا من أعضاء المسيح أعضاء للإثم والفجور ؛
بدلا من أن يحفظوا لها قداستها وطهارتها من كل رجس سواء كانوا رجالا أو نساءا .دعوني أقول لكم بصراحة تامة أن كثيرين يلتمسون لأنفسهم عذرا قائلين :ليست لنا زوجة أو ليس لنا زوج ؛فلا تجعلوا زيارتكم لموالد الشهداء فرصة لتدمير أجسادكم في المقابر التي حولها ؛أو المباني القريبة منها ؛أو في أركانها ) .