علي سالم
حتى الآن ليست لدينا ترجمة دقيقة لكلمة «Parody» التي يعرف جيدا معناها كل من درس النقد المسرحي والفني، أو كانت صنعته هي الفكاهة، إنها تعني استخراج وإظهار الخطأ والجانب الفكاهي في موقف جاد أو في قيمة سائدة وفي مقولة شائعة، ولذلك اخترت كلمة «التفكيه» ترجمة لها.
الأصل المشتقة منه الكلمة هو الفاكهة، وهو نفسه الأصل في كلمة الفكاهة التي اخترناها ترجمة لكلمة كوميديا، وهو اشتقاق موفق فلا شيء أكثر حلاوة وجمالا من الفاكهة. حمدا لله أننا لم نستخدم ترجمة العالم الجليل ابن رشد وهى «القوموذيا» التي اندثرت ولا أعرف أحدا استخدمها.
سأذكر لك مثالا لعملية التفكيه التي قام بها الكوميديان المصري الشهير شكوكو في أحد مواويله. الحب كما تعرف هو المادة الخام عند كل مؤلفي الأغاني، وهناك عشرات التعريفات الرومانسية للحب، غير أنه يضيف تعريفا لا يتخيله أحد، استمع إليه وهو يقول في أحد مواويله القصيرة: «الحب في القلب زي الرز في الكوسة.. روح يا نسيم هات لي من الحبيب بوسة».
التعريف عبثي تماما غير أنه قادر على انتزاع ابتسامتك، وبعد أن يصدمك ويمتعك بهذا التعريف، يعود إلى قواعده سالما، أي يلجأ لاستخدام المفردات الشائعة عند كتاب الأغاني، ومنها استخدام كلمة «النسيم» كوسيلة اتصال سريعة قبل عصر الرسائل الإلكترونية. الجانب الضاحك في المشهد هو ذلك الحبيب الكسول الذي يرسل في طلب قبلة من حبيبته ترسلها له مع النسيم. الواقع أن النسيم استخدم في أغان كثيرة بديلا عن الـ«D.H.L» كما في الأغنية الشهيرة «البوسطجية اشتكوا من كتر مراسيلي، وعيوني لما بكوا، دابت مناديلي.. روح يا نسيم والنبي ع الحلو مسيلي»، المحب هنا لم يطلب من النسيم أن يأتي له بقبلة من حبيبه، كان متواضعا وطلب منه أن يقول للحبيب: «مساء الخير»، فقط لا غير.
سنبتعد الآن عن عملية التفكيه التي يقوم بها الكوميديان الواقف، ونحاول البحث عن عملية تفكيه جمعية، أي قام بها الشعب نفسه لمقولات اجتماعية أو سياسية. في إحدى حلقات «صديق العمر»، يتكلم عبد الناصر بحدة عن حتمية أن تقوم مصر بالوقوف إلى جانب الثورات في المنطقة العربية بل وفي أفريقيا أيضا، كما حدث مع نيجيريا. كان الرجل يتكلم بإخلاص شديد وإيمان قوي عن دور مصر الداعم لهذه الثورات، بعد إذن حضرتك، أو الانقلابات. في ذلك الوقت عرضت سينما مترو فيلما شهيرا هو «ثورة على السفينة بونتي» وعلى الفور ظهرت في الأسواق نكتة تقول إن عبد الناصر أرسل برقية لسينما مترو قال فيها: «نحن نؤيد الثورة على السفينة بونتي».
إنها إحدى المرات القليلة التي نجح فيها اللاوعي الجمعي من خلال نكتة وكلمات قليلة من إثبات أن كل الكلمات عن الحرية ومساعدة الشعوب ليست أكثر من كلمات منتفخة لا معنى لها، وأنها تقود المصريين حتما إلى الخسارة والفقر.
نقلآ عن الشرق الأوسط