ماذا كان حال الجماهير العربية عندما رفعت شعار «اعرف عدوك»؟
وماذا كان جواب أبو مازن؟
يقول فى كتابه المعنون «عبْر قنوات سرية» إن هذه الجماهير عاشت وهى فى حالة جهل بشخصية العدو، أى جهل بشخصية الإسرائيلى، ولهذا عاشت فى حالة خوف ارتقى إلى حالة رعب. ومع ذلك فقد كانت هذه الجماهير ذاتها تستهين بذلك العدو إلى حد اللامبالاة. ومع ذلك أيضاً فإن العربى أو الفلسطينى إذا ضُبط متلبساً بالإنصات إلى الإذاعة الإسرائيلية أو بقراءة كتاب لمفكر إسرائيلى يكون موضع لوم فى الحد الأدنى وموضع اتهام بالخيانة والتشكيك فى الوطنية فى الحد الأقصى. وهنا المفارقة. وفى المقابل كان الشعب العربى على اعتقاد بأن قياداته السياسية والمخابراتية والدبلوماسية على وعى بأفكار العدو وأساليبه التكتيكية والاستراتيجية إلى الحد الذى يسمح لها بمواجهته عسكرياً. ولكن المفارقة هنا أن الشعب العربى فوجئ بأن هؤلاء لا يختلفون عنه فى جهلهم بهوية العدو. إلا أن أبو مازن هو وحده الذى كان شغوفا بأن يكون على وعى بمكونات هذه الهوية، وقد كان. ومن هنا أصبح فى بداية عام ١٩٧٩ مسؤولاً عن تحريك فتح وتنظيمها، مع تطعيمها بأفكار. فماذا وجد؟
لم يعثر إلا على بعض الكتب التى تتحدث عن التجارب الثورية لدى فيتنام والصين والجزائر وكوبا. أما عن تجربة الصهيونية ابتداء من هرتزل حتى تأسيس الدولة اليهودية فى ١٥ مايو ١٩٤٨ فلم يعثر إلا على عناوين خالية من التفصيلات. والأسوأ من ذلك أنه قرأ ذات يوم فى إحدى الصحف أن اليهود الذين هاجروا من البلدان العربية يشكلون أكثر من نصف سكان إسرائيل، وعندئذ تساءل: كيف تقبل هذه البلدان أن تكون ممونة لإسرائيل بأكثر من نصف سكانها؟ وما هى العلاقة بينهم وبين يهود أوروبا فى إسرائيل؟ ولكنه لم يعثر على جواب فقرر أن يقرأ ويبحث على غير ما كان شائعاً من الاكتفاء بترديد عبارة واحدة: إسرائيل عدو يجب محاربته.
وفى الاجتماع الخامس عشر للمجلس الوطنى الفلسطينى تكلم أبو مازن لمدة ساعة إلا ربع عن كيفية التعامل مع العدو وعن ضرورة البحث عن وسائل أخرى حتى لا يكون الكفاح المسلح هو الوسيلة الوحيدة. كان يتكلم وهو يتطلع إلى وجوههم فعرف منها أنهم يسمعون مثل هذا الكلام لأول مرة. وإثر انتهاء الاجتماع قرر أبو مازن الاتصال بمسؤولين إسرائيليين، ووافقته فى ذلك القرار مجموعة من قيادات فتح ولكن لم تكن لديها الرغبة فى التنفيذ، وسبب ذلك مردود إلى أن فكرة الاتصال لم تنضج بعد بحيث يمكن إحداث تراكم بعد ذلك لأنه بدون تراكم لا تقدم. ولكن مع التطور قررت هذه المجموعة فتح علاقات مع اليهود التقدميين والديمقراطيين والمعادين للصهيونية. أما المجموعات الفلسطينية الأخرى فقد رفضت الاتصال بدعوى أن إسرائيل «تابو»، أى أن إسرائيل لا تُمس وتظل كذلك إلى أن يحين إزاحة التابو أو تدميره. والمفارقة هنا أن عرب إسرائيل كانوا كذلك. وتأسيساً على هذا التابو أدين عصام السرطاوى الذى كان مستشار عرفات للشؤون الخارجية وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح وشاعر فلسطين محمود درويش عندما أجريا اتصالاً بإسرائيليين، ودفع كل منهما ثمناً باهظاً. وفى هذا الإطار قرر الكنيست فى أغسطس ١٩٨٦ عدم التعامل مع منظمة التحرير الفلسطينية والسجن لمن يتصل بها. أما أبو مازن فقد ارتأى أن ذلك القرار خطأ لأنه ليس فى إمكان إسرائيل العيش فى الشرق الأوسط دون لقاء مع الجيران.
نقلا عن المصري اليوم