الأقباط متحدون - مشروع مقال
أخر تحديث ٠٥:٠٥ | الأحد ١٧ اغسطس ٢٠١٤ | مسرى ١٧٣٠ ش ١١ | العدد ٣٢٩٣ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

مشروع مقال

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

بقلم -مفيد فوزى
قلما يصارح الكاتب قارئه الفاضل بمكنون نفسه والهاجس الذى دعاه لكتابة مقاله وماذا يضمر فى أعماقه لما يطرحه على الناس من خلال كلمات تلتهمها المطابع لتقدم وجبة النهار الطازجة. لقد تعلمت من المفكر سلامة موسى فى فجر مشوارى الصحفى (معنى الاحتشاد للفكرة بالمعلومات قبل المشاعر). وقد راق لى أن أدعو القارئ اللبيب لمائدة حوار فى رأسى لأحكى له عما يختلج فى صدرى من انتقاء فكرة أو أخرى وما يطوف فى ذهنى من قضايا كلها ملحة. بالمناسبة أنا أرى نفسى أكثر وضوحا فى مرايا القارئ أكثر من زملاء المهنة.

كان أنيس منصور يقول لى (القارئ هو كاتب نجا من هم الكتابة وعذاب الحمل فى فكره). ها هو الفرخ الأبيض فاتحا فاه لاستقبال الأفكار. مثلا، فكرت فى الكتابة عن معاناة يومية أليمة هى انقطاع الكهرباء ثلاث وأربع مرات فى لهيب أغسطس واشتعال الغيظ فى الصدور وبعض القادرين تغلبوا على الأزمة بالمولدات الكهربائية التى راجت بضاعتها، كما شاعت اللمبات والمراوح المشحونة للتصدى للمحنة. وأطرقت برأسى وقلت (موضوع مكرر). فكرت فى قضية المرور التى أصبحت (حالة فيها استحالة) وكيف أنها (بهدلة يومية) للذاهبين إلى أعمالهم، ولكن غيرى قدم اقتراحات عديدة ومازالت الأزمة تخرج لسانها للمقترحين.

وقلت إنه (موضوع مستهلك). فكرت فى المشروع القومى (قناة سويس ثانية) وتريثت قليلا، فنحن إذا ظهر فى حياتنا مشروع جديد أشبعناه حضورا وظهورا وكلاما وتشريحا ثم يهبط الحماس له من درجة الغليان إلى درجة الصفر، وأحيانا من فرط المبالغات فى فوائد المشروع يعلو بسقف التوقعات. لا أريد الدخول فى مزايدة أو تصفيق وتهليل أو الانضمام لطابور المداحين والكورس. أترك المهمة لعالم فى المجرى المائى يشرح ويفسر ولا داعى للولوج فى موضوع لا أتقن عرضه. فكرت فى مشاكل البشر الأقرب إلى حياة البقر وربما عاش البقر حياة أفضل. مشاكل من نوعية مياه الصرف الصحى ومياه الشرب من الطلمبات الحبشية وتلوث النيل.

وتذكرت أنها شغلت مساحات من البث على الهواء طيلة ٢٠ عاما فى (حديث المدينة) الذى قدمته أسبوعيا. مشاكل عرضتها بالصوت والصورة وأتيت بالمسؤولين من وزير ونازل وامتلأت أذنى بوعود وعهود. فكيف أعود لأكتب عنها؟ هذا عبث وهدر للوقت والموضوع شبع بحثا ولم يشبع شبرا واحدا من التغيير للأفضل. فكرت خارج سياق الوطن وجغرافيته (ما يجرى فى مقبرة اسمها غزة) صحيح أن مصر تقوم بدورها فى وقف الخراب والدموع. وأكاد أشعر أن فلسطين كقضية صارت فى خبر كان

وأرى - على البعد - تقطيبة الجبين على وجه أبومازن محمود عباس. ما قيمة التحليلات والصواريخ (الحماسية) الملقاة على إسرائيل يقابلها القتل والتشريد وطن يتمزق إربا. الحل فى جيب أوباما! فكرت فى التعليق على مرافعة العادلى عن نفسه وهو (وزير داخلية محترف) وتركت الأمر لعدالة المحكمة وإصغاء القاضى الفاضل وصبره. ربما لو كتبت عن الحقائق التى كشفها العادلى ورجاله جلبت لى المتاعب من دراويش ثورة يناير بقيادة وائل غنيم ذى الـ٩٠ ألف دولار فى الشهر! وقلت: لم أزرع نفسى فى حقل الألغام والرصاصات الطائشة من البذاءات؟! إن الإنصاف سيأتى من التاريخ لرجال حافظوا على وطن فى لحظات فارقة من أعداء (لبدوا فى الدرة) حتى ينزل الناس الميدان الملتهب فتظهر المنصات واللحى

فكرت فى المشهد السياسى وتحالفات الأحزاب والقوى الثورية ونطاطى الحيط والخفافيش وتأملت الوجوه المرهقة والحناجر المهنجة ويأس الرئيس من حالة غثيان من الشخصانية التى تطفو على السطح. قلت: ماذا من جديد أكتبه؟ وقلت: إن لدى الأيام بصيرة تكشف النوايا المخبوءة! فكرت فى حكاية فضيحة دار الأيتام ووجدت أنى سأقع فى خطأ التعميم. فإذا حدث حادث مشين فى دار أيتام واحدة فمن المراهقة الإعلامية أن نهدم المشروع الإنسانى وندين كل دور الأيتام.

إن دورى ألا أزيد الطين بلة وأترك الانتباه بحدقات عيون مفتوحة على الأيتام. فكرت فى الكتابة عن الدعوة القضائية المطالبة بحل جميع الأحزاب الدينية التى خلطت الدين بالسياسة (إخوان وإخوان بشرطة) وقلت لنفسى: لن تهدد البرلمان القادم لأن الغشاوة انزاحت من على العقول وحل حزب (الحرية والعدالة) الذى أثبت الزمن البلتاجى أنه لا حرية ولا عدالة وهذا الحل وضع نهاية للسم الحزبى أو الحزب المسموم لا مبرر للكتابة وإلا أكون قد فسرت الماء بالماء، فكرت فى الكتابة عن المحافظين الجدد وقد كنت أتناوله - كموضوع - فى مقال سابق وتبين لى أن وراء ترشيح أسماء محافظين جدد عاملين.

أولهما نفاق واختيار أسماء من درجات قرابة للرئيس. والعامل الثانى هو (العشم) واختيار أسماء شبعت مناصب باسم العشم رغم أنها (فقدت الصلاحية). وقلت: لن أكرر نفسى. فكرت فى التعليق على كلام وزير التموين (حصلت على ضوء أخضر من جهات عليا..) وهمست لنفسى: ضوء أخضر، ضوء أحمر وجهات عليا. كلام قديم قديم! فكرت فى التعليق على خبر مصدره الشقيقة روز اليوسف تحت باب بورصة الأخبار، الخبر يقول إن أمير قطر أصدر قرارا بأنه من حق أى قطرى بلغ سن الستين ويعانى العجز الجنسى أن يقوم بالعلاج أو بإجراء عمليات تركيب أجهزة تعويضية على نفقة الدولة. وهمست لنفسى (الأولى بالعلاج العجز السياسى حيث يستحيل تركيب أجهزة تعويضية)! فكرت فى الكتابة عن وباء الأيبولا وكيف نحتاط منه وأعاد إلى ذهنى أوبئة مثل الكوليرا، إنفلونزا الطيور والخنازير

أحببت أن أترك المهمة لجهة صحية موثوق فيها وليس لكاتب يجتهد، فالناس تشعر بالهلع وتصبح الطمأنينة أملا! فكرت فى التعليق على فاتورة الغاز فى البيوت فاكتشفت أن هناك قفزة سرية غير معلن عنها. المطلوب فى هذا الوقت عدم الشكوى وبث الأمل. حاضر، فتحرش بالأمل حتى ولو كان غائبا! فكرت فى أهمية القيادات الهندسية بالجيش المشرفة على مشروع قناة السويس الثانية مع الاستعانة بشركات هندسية مدنية. قلت: أمر طبيعى لإنجاز دون معوقات وأعذار وخذلان. هكذا تعامل (أبوغزالة) مع مشاريع مهمة فى مصر. هكذا يلعب (العسكر) دورا محوريا فى الإنجاز وعلى المرددين لكلمة العسكر أن يغلقوا أفواههم وينقطونا بسكاتهم. هل أتطرق لموضوع وجود عدد كبير من طلبة الإخوان فى كلية الشرطة(!!). هل تسمحون لى أن أشهق وهل يصل صوت شهقاتى لكم؟ فكرت فى حكاية عودة الجماهير إلى ملاعب الكرة لتعود الحياة العادية فى منظار مرتضى منصور ولا أعرف على أى شىء يراهن بثقة. لكن وزارة الداخلية لا توافق على عودة الجماهير للملاعب. ومادمت حائراً وأخشى المفاجآت أرجأت الكتابة لموسم رياضى لاحق.

قد يحرض سفر الكاتب على التقاط رؤية لشىء تفتقده مصر باعتبار أن الكاتب «عين» القارئ. مثلا، يطوف برأسى (احترام الأطفال فى ألمانيا) أو (رعاية المسنين فى أمريكا) أو (طقوس التذوق الفنى فى النمسا) أو (المنهج الديمقراطى فى إنجلترا). لقد تعودت النظر إلى الداخل وأفتح دولاب الحياة المصرية من سلبيات وإيجابيات ولم أتعود الانبهار بما فى العالم لأنى مؤمن أن الدول والشعوب طقوس وتحضر وثقافات. غير أنه من المهم للكاتب أن يضع على سن قلمه تجارب الدول والشعوب ليس للمقارنة بل للتبصير

وربما النذير. فى بعض الأحيان يضغط هاجس ذاتى على قلمى بعيدا تماما عن الأحداث العامة. شىء فى مرايا النفس مثل (الغربة وسط الناس) أو (صهيل الحزن الصامت) أو (الذكاء الغبى) وحسبما ينمو جنين الفكرة فى رحم المخ، تكون «الولادة» فوق الورق. ذلك أن تجارب النفس هى قناديل تضىء أمام القراء، أو بوصلة أمينة الاتجاهات.

«مشروع مقال» هو تغريدة متواضعة لعذاب قلم، يستدعى فكرة يلهث خلفها أو تلهث هى خلفه، فالحصاد فى كل الأحوال يصب فى مصلحة قارئ مهتم.
نقلآ عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع