الأقباط متحدون - انتحار على رجاء الحياة
أخر تحديث ٠٨:٠٥ | الجمعة ٢٢ اغسطس ٢٠١٤ | مسرى ١٧٣٠ ش ١٦ | العدد ٣٢٩٨ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

انتحار على رجاء الحياة

بقلم:  ماجدة سيدهم
"كالنسر اطلق  جناحيك محلقا كي تصنع ظلا لطيفا لكثيرين "
*النبلاء .. أحيانا يغادرون الحياة بشجاعة مخيفة كثيرا ما تصيبنا بالصمت أو الذهول أو حتى الاستنفار لكنها دوما ما تفجر السؤال المتكرر .. لماذا ؟ هو السؤال ذاته الذي يقود البعض تباعا إلى فرصة الاختلاءوالتأمل والارتقاء دون عبث الهرتلةما بين الحلال وحرامه أولغو التقييم ما بين الخطأ وصوابه، ولأن الصفحات مليئة بالمشاهد  الثرية والحكاياالمفعمة بالأسرارلذا نصّبت نفسي إنسانا لأضاهي آلهة  شريفة فربما منا من  راودته قبلا فكرة  المغادرة والتيتشبه طائر الحزن اللطيف الذي يرف حائما فوق  تصوراتنا  لحين  اكتمال زهو حالة الوجد الخالصة وأمانة الفرصة المواتية لنقر الدماغ وتصويب القرار،حينها  نكون أمناء على قيد  الانتحار،فما عساه  الأمر  الذي يجر هذا النبيل  جرا صوب قرار لا يحمل في طياته  احتمال الفرصة الأخيرة أو أيه محاولة متجددة  للبدء أوالاستمرار أو التغيير فهو قرار العزلة  أو وحشة الافتقادأو الاتساق وربما  الخيبة أو الإدراك أو ماشابه فلكل حالة  تفردها وخصوصيتها الشديدة ،فيها يواجه المرء سرد لحظته  الآنية فقط  بمعزل عن سائر  اللحظات ،لا شيء على الإطلاق يثنيللتراجع لحظة واحدة ، فالأمر كله يكاد يكون فجائيا  حتى لو كان  مؤجلا لحين اكتمال عناصر اللحظة المضيئة حين  يصل الاتساق مع النفس مداه ،وغالبا ما يكونالنبيل قد انتحر بالفعل –معنويا- قبل إتمام التنفيذ تباعا  بالشكل  الملموس لنسمع مثلا عن انتحار أحدهم بعد سهرة أو اجتماع أوانجاز أو مهاتفة ما وهو ما  يثير دهشة وانزعاج  وأسى الملازمين له في الأوقات  الأخيرة.

يغادر المرء حين يصبح حجم  لحظته المفعمة كارثيا أو موحشا أو متلاشيا فيما تتساوى لديه الأشياء جميعها دونما فارق ما يميز بينها –فهي محض وهم بينما  يفقد المكان والزمان قوتهما في ضخ الحس  بالوجود ، يغادر حين يفرغ المحتوى من القيمة والمعنى والغاية و يدرك أنه بات جدبا متراميا أوتأثيرا  واهيا  أو خطرا معقدا،متى فرغ عصيره من الانسكاب وصارفراغا مموها ويصبح صوت الارتطام لا يعنيانتباها،يفورالصراع " أكون أو لا أكون " ومتى تجلت اللاّ أكون يصبح الحس الداخلي المـُلح بالرفض  التام أن لا يكون هو الصوت الأعظم للانصياع طواعيةوحسم المشهد " إلى هنا وكفي "فأي لحظة أخرى ليست سوى شقاء مرعب  يطعن  التفاصيل  بالمرارة ،وأظنهاأيضا حالة من التوحد المضنىأو التلاشي في بؤرة الصدق المكثفة للمعاناة بكل تجلياتها مع الضوء ..ربما ..أو  اللون أو النغمة أو الاتساع أو الإدراك والتي تقودليكون هو سيد الموقف  فينجزه  بهدوء وإتقان بلا تردد  دونما رغبة البوح بما يجول ويطبق على ذهنه وروحه التائقة للخلاص، هل ثمة أولويات أو مصالحات أم مهامما تتراءى  حينها ..؟ هل  بعض من النبيذ يليق بتلك المغامرة أو ارتكاب حماقة ما كالتحطيم أو التشويه او ترك سطورا  صارخة ربما أو تافهة.؟

هل ثمة يقين بمغادرة المكان  فقط وأن المرء ليس محض صدفة ليظل خالدا ملء الزمان–هل المغادرة  بالضرورة  تمثل هزيمة أو فشلا أو عجزا لتشكل  اختيارابائسا  لا يعي أبعاد الغرق فيه حتى التآكل  أم هي  حالة براقة من النضج  والوعي في لحظة ذهنية فريدة  ، هل هي مسلكأناني ٌ للخروج عن المألوف والرتيب  والتفرد بالخلاص لاكتشافالبعد الأعمق ، أم هي محض تفاعل تكثفه شتات  الظروف والملابسات والتراكمات الحياتية  لتظل  موقفا  مختلفا ومخالفا  دون مقاومة  فتحمل  بباطنها تفاصيل الانزلاق  والوحشة معا، ما عاد أحدهم ليخبرنا كيف كانت اللحظات الفارقة حتى تتلخص الحياة هكذا  في
زمنها المضنىالمريع وهل ثمة تذوق أو متعة تصوف حين انطلاق الروح عن ردائها  الثقيل ..؟ وماذا عن من على قيد الحياة  هل هم أكثر سعادة واستقراراوشجاعة وإيمان ؟ تساؤلات لكن يظل المنتحر النبيل شديد الصدق والاتساق والأمانة مع نفسه والأخرين ونسأل  هل فقد الانتحار هيبته بتداوله  أحيانا بين بعض العامة والخارجين عن منظومة القيم ؟ في كل الأحوال لكلٍ طريقته الأفضل والأكثر  تناغما مع الأجواء النفسية  والذهنية  بل وربما تكون هذه الطرق  هي التي   تختار نبيلها  تلبية عن رغبة ملحة للمغادرة و دائما ما تكون  الغاية  المنشودة هي الخلاص وحسب .

*تظل المغادرة  فلسفة مريديها  ورؤيتهم الخاصة في ظرف خاص ولحظة  شديدة الوهج  لتمثل نهاية عبقرية لأشخاص متفردين  لكنها  بلا شك تحمل قدرا هائلا من المأساوية لكافة المحبين ليتجدد معها السؤال ذاته.. لماذا ؟

*تظل قوة  الحياة أكثر متعة  وجاذبية  وأن الذوبان في خطايا العوز وتعب  المساكين  أكثر تحررا وجمالا ونبلا - فدعوة الحياة  تتجدد كل صباح  للخروج من  الذات  ومن أجل  آخرين يترقبون منا  أن نكون لهم ظلا لطيفا يمنح  المرء سلاما ورحابة تفوق العقل

* إلى كل من  دون اسمه على قيد انتحار ..رحمة وحياة تغشيانك ..فلسنا نعرف عنكم سوى بريق القشور ..فهؤلاء من اقتحموا عالم  السماوات  بغتة  هل  تغلق المحبة أبواب رقتها  أمام كل هذا الشجن وذاك الجوع والجلال ..؟ هل توصد الرحمة نعومتها  أمام  هذا الإخلاص وتلك الشجاعة وصدق السؤال ..؟ أبعد ما تكون المسافة من المشرق للمغارب يكون فهم الله - فاحص القلوب -أكثر عمقا بلا تأثير أو محاباة

* مقعد شاغر ..   غادر روبن وليامز  .. مخلفا سرّين  - سر مغادرته النبيل وسر براعته في مزج طفولة  الدمعات  الطاعنة في وجه لم تنضب ابتسامته يوما لتظل  حياة  كل منا  مليئة بالأسرار والعناوين وجميعها تصلح دليلا صادقا لحياة أخرين بعدنا .
ولم ينته زمن الانتحار بعد ..

*تذكرت الانتحار الجماعي للحيتان  أيضا يظل سرا غامضا  مطوبا  بالهيبة والصمت


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter