الأقباط متحدون - ذكريات مؤرخ فى مدينة الموصل قبل غزو داعش 2014م!
أخر تحديث ٠١:٤١ | السبت ٢٣ اغسطس ٢٠١٤ | مسرى ١٧٣٠ ش ١٧ | العدد ٣٢٩٩ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

ذكريات مؤرخ فى مدينة الموصل قبل غزو داعش 2014م!

بقلم :  د.ماجد عزت إسرائيل

 
(سد بالدوش على نهر دجلة)
  فى أوخر ثمانينيات  القرن المنصرم عندما كنت طالباً بجامعة القاهرة ،كانت ذات الجامعة تسمح بحصول الطالب على جواز سفر ما بين الـــفرقة الأولى حتى الثالثة، ففى السنة الثالثة لى فكرت فى الهـــجرة خارج البـــلاد لرغبتى فى أستكمال تعلــمى بالخارج ، وكنت أفضــل دولة كــــندا أو أسترالــــيا لأننى لست من محبى الهـــجرة لدولة الـــــولايات المتحــدة الأمريكية،ولكن تكاليف السفر المرتفعـــة فى ذات الوقت منعتى من تحقيق حلمى،ولم يكن أمامى إلا أخـــتيار أحــــدى الدول العربية ففـضلت العراق لعـــــدة أسبـــــاب منها تعد من الدول القــــوية سياسيا واقتصاديا بالرغم من حربها ضد أيران ،يعــــش بها أكثر من 3 مــــلايين مصرى،بها عــــدد كـــبير مـن المسيحين ومنهم أصدقاء ومعارف وغير ذلك.
وسائل السفر إلى العراق 
      كانت هناك وسائل متعددة للسفر للعراق كان اسهلهم  السفر بالطائرة من مطار القاهرة القديم وحتى مدينة بغداد عاصمة العراق،أما الوسيلة الثانية فكانت تعـــــتمد على الطرق البحرية والبرية فاخترت الأخيرة لأنها تعتمد على المغامرة،وبالفـــــعل ركبنا من القاهرة لمدينة نوبيع برياً،وبعدها عن طريق العبارة للعقبة (اسمها الســلام 1) وكانت هناك اعــداد كبيرة،وكان العاملين بالعبارة يطلبون من بعض الركاب من يجدنه من المتعلمين العمل بالعبارة خـــــلال الســــفر،فى تسجيل إسماء المسافــرين بالسجلات وختم الجواز بالدخول للعقبة لأن الأعداد ربما تقدر بأكثر من ألف نسمه، وكان عائد خدمة العمل الحصول على مشروبات من الـــــمياه  المعدنية والغـــازية، ويجلس فى مكان مميز،ويحصل على جوازه مباشرة،واستغرقت الرحلة ما يقــــرب من 5 ساعات تقريباً. 
      وبعد أن وصلت إلى ميناء العقبة ،وانتهيت من أجراءات الخروج بدأت ابحث عن مكان لتناول العشاء،وفى أثناء بحثى سمعت صوت سيدة الغــــناء العربى "أم كلثوم" وأنا من عاشــــقى قصائده على أغنية " يا مسهرنى" فدخـــلت للمطعم وكان جميع العاملين من المصريين  والماكولات أيضاً،فأكلت وشربت وبعدها سألت على وسيلة مواصلات لمدنية بغداد وبالفعل كانت محطة الأتوبيسات قريبة لمكان المطعم فحجزت وكان السفر فى الخامسة من صباح اليوم التالى فنمت قليل بحديقة مجاورة وبالفعل فى صباح بدأت رحلتناً نحو بغداد وقطع الأتوبيس نحو ما يقرب من (15) ساعة تقريبا وصلت بغداد فى منطقة تشبــه إلى حد ما محطة سكة حـــديد مصر فى الثمانينيات تعرف باسم "علوى الحلة)،وسمعت أيضا أغانى المطرب الشعبى"أحمد عدوية"، وكالعادة بحثت عن مطعم فاكلت، وبعــدها ذهب لجامـــع علوى الحلة وهو من أكبر الجــــوامع بالمدنية (جـــــامع على بن أبى طالب) وهــو من أهـــــم الآثار الإسلامية بالمدنية، وشارع فلسطين ببغداد وهو من أشهر شـــــوارع المدينة بعدها فكرت فى السفر لمدينة الموصل،توجد وسيلتان هما أما السكك الحديدية (القـــــطار الدولى )أما الأتوبيس ففضلت الأخير ،وركبت فى مساء ذات اليوم واستغرق الســفر نحو 13 ساعة،ووصلت فى صباح اليــوم التالى للموصل وذهبت لأحــــد الأصدقاء ونمت قليل استعداداً للبحث عن عمل بالمدينة.
صباح يوم جديد فى مدينة الموصل 
       فى صباح ذات اليوم ذهبت للبلدية بمدينة الموصل لأستخراج البطاقة الشخصية تعرف باسم(الهوية) جلسنا فى مجوعات حسب الحروف الأبجدية وحصلت عليها ،وبعدها سسجلت نفسى ببنك (الجــــانب الأيــــسربالمدينة)، وبعدها رجعت لصديقى واستكملت نوم لأننى كنت متعب جدا!
البحث عن فرصة عمل 
    ذهبت لمدينة الموصل من أجل البحث عن فرصة عمل جيدة ولو اتيحت الفرصة الدراسة بجـــامعتها،وبالفعل الله لا يتــــرك أولاده فى اليـــوم التالى لوصولى وجدت عمل عند عائلة من أشهر العائلات بالمدنية "آل كشمــولة" والعمل كان ضمن مشروع سد على نهر دجلة يعرف باسم "بادوش" وكانت وظيفــتى تسجيل إسماء العــــاملين والغياب والحـــضور وصرف المرتبات والأشراف على تجهيز الطـــــعام،وكنت يـــومياً اسافر ما بين  سكنى بذات المدنية ومنطقة العمل نحو ساعتان،وكانت هنــاك سيارة تحــضر كل صباح عدا الجمعة تأخذى وبعض الزمــلاء فى العمل،وكانت طائفــــة العاملين من النجارين والنقاشين والحدادين والسائقين وكانت مهمتناً أقـــامة مناطق سكن للعاملين بالسد،أما جنسيات العاملين الغالبية من المصريين وبعــض الفلبنين والسودانين والعراقين،وكان العمل يبدأ فى الثامنة حتى الرابعة،وهناك ساعة راحة من الواحدة حتى الثانية للغداء،وكان أثنائها يذهب العاملين وأنا معــهم للنهر لممارسة السباحة فى منظر ومشهد يصعب على وصفه.
علاقات اجتماعية بالعمل 
      فى أثناء عملى بسد "بادوش" تعرفت على أحد مهندسى السد ويدعى "كمــــال" وكان مسيحياً يحب وعظات قـــداسة البابا "شـــنودة الثالث" البطريرك رقــم (117) (1971-2012م)،وكنا نتاقش كثيراً فى بعض الأمـــور الدينية، وفى ذات مرة طلب منى زيارته بمنزله الخاص بمنطقة جامعة الموصل وتعرفت على  زوجـــته وكانت من أعضاء هــــــيئة التدريس بالجامعة ،وبديــــهى عرفت أنهم لم يرزقوا بأولاد،ثـم تكررت الزيارات حتى أصبحت كل يوم خميس وكان منزلـــــهم بالنسبة لى كبيتـــى تماماً وأنا كنت بحبهم وأقدر شعورهم،وزوجة المهندس"كمـــــــــال" طلبت منى أن استكمل دراساتى بجامعة الموصل ولكنهم قـــــالوا تبدأ من الفــرقة الأولى فرضت، وحاولت مساعدة ففشلت كل الطرق ولكن اتاحت لى زيارة المكـتبة الكبرى بالجامعة وهى تحتوى على كنوز المعارف وقــــــرأت بها عن" أبو الفرج الأصفهانى" كتاب "الأغانى" ،على أية حـــال حتى عودتى لمصر، كان المهندس وزوجته بالنسبة خير أصدقاء وسـند فى غربتى.
  أما صاحب العمل "عبد الباسط كشمولة" فكان من محبى الرئيس المصرى "جمال عبد الناصر"(1956-1970م)،وكثيرا ما كان يقول لى يا أبو التــــــاريخ كلمنا عن الزعيم ) ،فكان الرجل يقارن ما بين ما قامت به مصر من أجل قيام "الســـد العالى" وما تفعله العراق الآن بتشيد سد "بادوش"،كما اعتـــاد الرجــــل على أن اذهب معه لبعض مشروعاته فى شمال العراق،وكان يحكى لى الكثير من تاريخ عائلته ومكانته بمدنية الموصل،وعنما علم بعودتى لمصر حزن كثيراً ،وقال سوف  افقد أحد رجالى الأمناء ولكنها سنة الحياة!.
     واتاح لى عملى التعرف على جنسيات آخرى من العاملين،فتعرفت على المزيد منهم وبعض الديانات مثل الايزيدية،والمسيحين الكـــلدانين والأشوارين والسريانين وغيرهم.
 
 
(الموصل منتصف القرن العشرين)
 
(الكوبرى الجمهورى بمدينة الموصل على نهر دجلة )
 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter