الأقباط متحدون - المصريون واقتصاد السوق
أخر تحديث ٠٢:٤٤ | الثلاثاء ٢٦ اغسطس ٢٠١٤ | مسرى ١٧٣٠ ش ٢٠ | العدد ٣٣٠٢ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

المصريون واقتصاد السوق

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

علي سالم
المصريون لم يكونوا يوما ما تجارا في تاريخهم الطويل. هم فلاحون وبناءون ورجال دين. ووجودهم في حضن النيل جعل الوادي بثرائه وأمنه عاملا قويا على استقرارهم في المكان، فحرمهم بذلك من إغراء روح المغامرة والرغبة في الانتقال إلى بلاد بعيدة وإقامة صلات مع أهلها. لذلك كان التجار دائما من الأسر الأجنبية التي استوطنت مصر.

وعند الشعوب القديمة فكرة «الأجنبي» تبعث على الخوف والشك؛ لذلك هم ينظرون بشك إلى أصحاب المهنة أنفسهم، أي إلى التجار ورجال الأعمال، وهذا بالضبط سر كراهية الجميع، نعم الجميع، لفكرة اقتصاد السوق. ومن لا يؤمن بذلك فهو ليس على استعداد لأن يصرح بآرائه علنا خوفا من أن يقوم أهل القطاع العام بتمزيقه إرْبا إرْبا. هكذا اكتسبت فكرة القطاع العام قداسة خاصة في الثقافة العامة، بل وأصبحت مرادفا للوطنية.

الخوف القديم من التجار تحول إلى هاجس بعيد في أعماق الشخصية المصرية لتنبع منه مخاوف وهواجس أخرى متعددة، ولعل أكثرها حضورا هو فكرة الأمن القومي. عند البدء في أي مشروع جديد عليك أن تبدأ بإقامة التحصينات حوله حتى لا يقوم رجال الأعمال المحليون والأجانب بالتهام الشعب المصري، ولذلك امتنعنا عن تعمير سيناء بعد تحريرها خوفا عليها من الإسرائيليين، فكانت النتيجة أننا أنبتنا فيها نباتا شيطانيا واحدا هو الجماعات الإرهابية.

في شبابي قرأت جملة لويل ديورانت في «قصة الحضارة» حيرتني كثيرا؛ قال إن التجار هم من يصنع الحضارة.. لم أفهم هذه الجملة في ذلك الوقت البعيد، لقد تربيت في ظل القطاع العام وعلى كراهية التجارة والتجار باعتبارهم «رأس المال المستغل»، وتطلّب الأمر مرور سنوات طويلة لكي أفهم أن التجارة تحتم حرية التنقل، وهي تعلم البشر أن الآخر ليس شيطانا أو عفريتا، وأنه يريد ما تريده أنت، أي أن يكسب. التاجر ينتقل من مكان إلى آخر حاملا معه حواديت أهله وأفكارهم وطرق معيشتهم ويعود إلى بلاده بنفس بضاعة الحضارة.

أنت تعمل بالكتابة، تكتب في الصحافة، تقدم برنامجا في التلفزيون مثلا، وحدث أن أنعم الله عليك بنعمة الفهم، فأدركت في لحظات أن الجرائد التابعة للقطاع العام ليست أكثر من قنبلة ستنفجر في وقت قريب، فهل ستكتب عن هذا الذي وصلت إليه؟ مستحيل.. ويا ويلك وسواد ليلك لو غامرت بقول ذلك في محطة تلفزيونية خاصة. أستطيع أن أقول باطمئنان كبير، إن كل العاملين في حقل الإعلام والثقافة والأفكار على استعداد لخوض حرب داعشية ضروس دفاعا عن القطاع العام، أقصد عن أرزاقهم التي يوفرها لهم.

ومن الهاجس الرئيسي يأتي هاجس آخر أكثر خطرا، وهو أن الآخرين أوغاد، يتربصون بنا ويخططون للقضاء علينا. حتى أكثر رجال الإعلام استنارة لا بد له أن يسقط في دائرة الشعبوية البلهاء فتجده يقول: لا بد أن نعاقب الحكومة الإنجليزية.. غير أن علاقتنا بالشعب الإنجليزي يجب أن تكون جيدة في الاقتصاد والثقافة والتعليم.

هذا هو الكلام الذي نسميه «هرش مخ».. لا أعرف كيف تكون لك علاقات جيدة مع الشعب الإنجليزي وأنت تقول له: أنا معك ولكني لست مع حكومتك الأوغاد؟
نقلآ عن الشرق الأوسط


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع