في حين يستمر مقاتلو الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) في الاستحواذ على بعض المناطق، استطاع التنظيم إقامة هيكل إداري فعّال، غالبية أفراده من العراقيين في منتصف العمر، يشرفون على أقسام للمالية والتسليح والحكم المحلي والعمليات العسكرية والتجنيد، وفقًا لما نقلته صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، نقلًا عن صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية.
وجاء تقرير «الشرق الأوسط» تحت عنوان «مهارات عسكرية وتقنيات إرهابية وراء تقدم (داعش).. البغدادي يفضل (تعيين العسكريين) واستغل غضب الضباط السابقين».
وذكرت الصحيفة أن «التنظيم يترأسه أبوبكر البغدادي، الذي أعلن نفسه (خليفة)، وهو مدير تنفيذي متطرف، انتقى عددًا من نوابه من بين الرجال، الذين قابلهم أثناء وجوده كسجين لدى الأمريكيين في مركز اعتقال معسكر بوكا الأمريكي منذ 10 أعوام».
وتشير إلى أن «البغدادي يفضل تعيين العسكريين، وكذلك يضم فريقه الكثير من الضباط السابقين في جيش صدام حسين، الذين تم تسريحهم بعد حرب عام 2003».
وسردت أسماء هؤلاء الضباط السابقين، من بينهم «فاضل الحيالي، كبير نواب زعيم التنظيم في العراق، الذي كان يحتل رتبة عقيد في عهد صدام حسين، وعدنان السويداوي، الذي يترأس المجلس العسكري للتنظيم».
ومضت كاتبة: «يساعد تسلسل قيادة التنظيم - كما أشار إليها عراقي اطلع على الوثائق، التي استحوذ عليها الجيش العراقي، بالإضافة إلى مسؤولي الاستخبارات الأمريكية- على تفسير النجاحات التي أحرزها في ميدان المعركة: يجمع قادة التنظيم بين المهارة العسكرية التقليدية والتقنيات الإرهابية، التي أصقلتها أعوام الحرب ضد القوات الأمريكية، بالإضافة إلى امتلاكهم المعرفة والاتصالات المحلية الوثيقة، وهكذا يجمع داعش بين كونه تنظيمًا إرهابيًا وجيشًا عسكريًا».
ونقلت قول الباحث العراقي، هاشم الهاشمي، إن «هذه هي الأكاديميات، التي تخرج فيها هؤلاء الرجال ليصبحوا ما هم عليه اليوم».
وبرز تنظيم داعش على الساحة العالمية، يونيو الماضي، عندما استولى مقاتلوه على مدينة الموصل ثاني أكبر المدن العراقية، بعد أن انتقلوا إلى العراق من قاعدتهم في سوريا.
واختفى الجيش العراقي من المدينة، وأعلن «البغدادي» خلافة إسلامية تمحو الحدود وتفرض حكمًا يشبه نظام طالبان على مناطق شاسعة، بينما لم يتفاجأ الجميع بالنجاح الذي أحرزه التنظيم.
ونقلت الصحيفة قول أحد مسؤولي الاستخبارات الأمريكية إن «هؤلاء الرجال يعرفون بشأن العمل الإرهابي في الداخل والخارج، وهم الناجون من حملات مكافحة الإرهاب، التي تمت في فترة تعزيز القوات الأمريكية» مشيرا إلى الفترة التي شهدت إرسال مزيد من القوات الأميركية إلى العراق، عام 2007.
وبعد أن اجتاح تنظيم داعش الموصل، ذكر أحد المسؤولين تلقيه مكالمة هاتفية مفاجئة من جنرال سابق في إحدى قوات النخبة في ظل صدام حسين.
وتكشف الصحيفة أن «الجنرال السابق كان يناشده قبل أشهر من أجل العودة إلى صفوف الجيش العراقي، ولكن رفض المسؤول، والآن التحق الجنرال بالقتال في صفوف داعش، وأصبح يهدد بالانتقام».
وأثار نجاح داعش انزعاج مسؤولي الأمن الأمريكيين والإقليميين، الذين يقولون إنه «يقاتل وكأنه جيش وليس مثل غالبية الجماعات المسلحة، ويستولون على أراض وينسقون لشن عمليات على مناطق واسعة، كما تلقى التنظيم دعمًا من معظم الجماعات السنية المسلحة الأخرى وأعضاء سابقين في حزب البعث، الذي كان علمانيًا منذ تأسيسه، ممن شعروا بالغضب بسبب فقدان مكانتهم».
وتضيف: «يضم نواب البغدادي 12 واليًا على الأقاليم، ومجلس حرب مكونًا من 3 رجال، و8 آخرين يديرون حقائب مثل المالية والأسرى والتجنيد».
كما تضيف أن «التنظيم يشن عمليات من خلال شبكة من القادة الإقليميين، الذين لديهم مرؤوسوهم ودرجة من الاستقلال، ولكن في أوقات محددة يفتحون شبكة مشتركة للتنسيق، وعلى سبيل المثال كان رد فعل داعش على الغارات الجوية الأمريكية على مواقعه في العراق هو نشر مقطع فيديو منتج بحرفية في الأسبوع الماضي، يظهر فيه مقتل الصحفي الأمريكي جيمس فولي على مسافة تبعد 200 ميل».
ويعد داعش الصورة الحالية لتنظيم القاعدة في العراق، الذي قاتل القوات الأمريكية تحت قيادة أبومصعب الزرقاوي قبل مقتله في غارة جوية أمريكية، عام 2006.
ووفقا لخريطة للتنظيم وضعها الخبير العراقي الهاشمي، يوجد 25 نائبا للبغدادي في كل من العراق وسوريا، وثلثهم تقريبا من ضباط جيش سابقين في عهد صدام، وجميعهم تقريبا كان معتقلا لدى القوات الأمريكية، كما تنقل الصحيفة، التي تشير إلى أنه «كان آخر قائدين في المجلس العسكري لداعش ضابطين سابقين في الجيش العراقي: عقيد ونقيب، وقد قتل كلاهما، وجاء بعدهما العقيد السابق، عدنان السويداوي، الذي يبلغ من العمر 50 عامًا».
ونقلت قول أحمد الدليمي، محافظ الأنبار، التي تخضع لسيطرة كبيرة من داعش في الوقت الحالي، إن «الرجال الثلاثة تخرجوا في الأكاديمية العسكرية ذاتها».
وقال الدليمي إنه درّس لأحدهم وهو عدنان نجم، الذي تخرج في عام 1993 ليصبح ضابط مشاة، مضيفا: «لم يكن من الواضح مطلقًا أنه سوف يصير إلى تلك الحال، ولقد كان من عائلة بسيطة ذات قيم أخلاقية عليا، ولكن جميع أشقائه ذهبوا في هذا الاتجاه»، أي أصبحوا جهاديين.
وبعد الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، انضم نجم إلى تنظيم القاعدة في العراق واعتقلته القوات الأمريكية في عام 2005.
واستطرد الدليمي: «جميع هؤلاء الرجال أصبحوا متدينين بعد عام 2003، وبالتأكيد يستفيد داعش من خبراتهم».
وذكرت الصحيفة أنه «يوجد عدد من ضباط الجيش السابقين، الذين قاتلوا مع داعش، وكان كبير مساعدي البغدادي في سوريا، سمير الخليفاوي، عقيدا في الجيش، ولكنه قتل في سوريا على يد مسلحين آخرين».
وقال ديريك هارفي، ضابط الاستخبارات العسكرية السابق الخبير في شؤون العراق وهو حاليا مدير المبادرة الدولية للمجتمع المدني والصراعات في جامعة جنوب فلوريدا، إن «الضباط السابقين يملكون أيضا علاقات مهنية وشخصية وقبلية تزيد من قوة تحالف داعش».
وتضيف: «تم تنفيذ عملية داعش لتحرير مئات المسلحين من السجون العراقية على يد أعضاء سابقين في حزب البعث، ومن بينهم ضباط مخابرات وجنود في الحرس الجمهوري لصدام».
ويقول حسن أبوهنية، الخبير الأردني في شؤون الجماعات الإسلامية، إنه «في حين اعتمد البغدادي في الغالب على العراقيين، إلا أنه ترك مجالات مثل الإرشاد الديني والتجنيد والإنتاج الإعلامي لأشخاص أجانب، كثير من هؤلاء الأجانب، مثل رئيس القسم الإعلامي لداعش من السعوديين، ولهذا السبب على الأقل يبدو داعش تنظيمًا عالميًا».
وأضاف أبوهنية: «يريدون أن يجذبوا جهاديين دوليين للانضمام إليهم في المعركة»، فيما اختتمت الصحيفة تقريرها بالإشارة إلى أن «بعض الشخصيات غير العراقية ظهرت مؤخرًا، مثل المتحدث الرئيسي باسم البغدادي وهو سوري الجنسية، ومجموعة من المقاتلين الأجانب، الذين يقودهم شيشاني اسمه عمر الشيشاني»، الأمر، الذي دفع مايكل نايتس، محلل الشأن العراقي في معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى، إلى التعليق بأنها «ليست مفاجأة أن ينضم كثير من الضباط السابقين في عهد صدام إلى داعش».