بقلم : زهير دعيم
مهنة التعليم على مرّ الحقب والعصور ، كانت ابدًا رسالة مقدّسة ، فيها ومن خلالها نبني النفوس ونشيّد صرح العلم والحضارة، ونسهم إسهامًا مباركًا في بناء النفوس كما يسمّيه شوقي ، انها مهمة تسمو فوق كل مهمة.
يعتقد الكثيرون ان رسالة المعلم هيّنة لا تستدعي جهدًا كبيرًا وقد انتبه المعلّم الشاعر الفلسطينيّ ابراهيم طوقان الى صعوبة مهنة التعليم فردّ على رائعة شوقي "قم للمعلّم" برائعة اخرى تنزف حقيقة وصدقًا قال فيها:
ويكاد يفلقني الامير بقوله كاد المعلّم ان يكون رسولا
يا من يريد الانتحار وجدته انّ المعلّم لا يعيش طويلا
قالها ابن نابلس قبل عشرات السنين ، قالها عندما كانت السكينة والوداعة والأخلاق لا تزال تستوطن بيننا ، وعندما لم تكن "الحضارة" بعد قد غزت نفوس وعقول طلاّبنا .
فالمعلم اليوم وفي ظروف كثيرة يعيش وضعًا صعبًا لا يُحسد عليه، ويعلّم وهو مغلول اليدين، يخشى ان يزلّ لسانه بكلمة تجرح شعور طالب امتهن حرفة المشاغبة!! وعندها تقوم الدنيا ولا تقعد .فالطالب هذا بمقدوره ان شاء ان يهين المعلم ويلقي به في دوامة التحقيقات الشرطية ، وقد لا يفكّه الحج الى كانوسا!!
لا ابالغ .... فأننا نعيش هذا الواقع " ونتمرّغ " فيه يوميًا
وهو يهيمن على وضع جميع المعلمين ، ولذلك تراهم يعتنقون مقولة اليأس : من شاء ان يتعلّم فليتعلّم !.
قد ابدو مغاليًا مسرفًا في الشطط وربّ قائل يقول :ما كل الطلاب ينتظمون في بوتقة الأخلاق السيّالة هذه وليس كل الأهل يتحاملون على المعلمين.
عندها سأقول "نعم" ولكن وللأسف الشديد انّ هذه الدائرة آخذة في الاتساع يومًا بعد يوم ، وهي تؤثّر سلبا على عملية التعلّم والتعليم ، وعلى عطاء المعلّم وتضيّق عليه الخناق وتزرع في نفوس باقي الطلاب عنصر التمرّد والعصيان.
انّنا لا نشتاق الى عصور "الارهاب" و"الفلقة" و"حلاوة يا سيدي حلاوة" ولكني أموت اشتياقًا الى عصر احترام المعلم وتقديس القيّم والفضائل.
واحنّ الى اللّحمة المتينة التي ربطت الاهلين بالمدرسة والصلة المتينة التي ربطتنا بالخالق الرائع .
وبما اننا على أبواب السنة الدراسية الجديدة ، والتي اتمناها مثمرة خيّرة ، تحمل في ثناياها علمًا وثقافة واخلاقًا، وفي عطفيها سلامًا وأمنًا، وعلى منكبيها زنابق الحضارة ونسرين المجد....فأنني اهيب بجمهور المعلمين وخاصة الصغار منهم الى اعتبار مهنة التعليم كما اعتبرها معلمونا الاوائل : رسالة مقدّسة تسترعي وتستدعي التضحية والبذل والتفاني، فلا يصحّ ان يتعوّد بعض المعلمين ويدمنوا على الغياب قائلين بلغتنا المحكيّة " اللّي ملّيها واللّي كاسرها واحد"
كما يجب ان يأخذوا هذه الرسالة بجدّية تامّة، فيحضّروا ويطالعوا ويضعوا أبدًا الطالب في المركز، عاملين الجهود الجبّارة في سبيل ارضاء الله والضّمير وخلق انسان واعٍ ومستقل، يمتلك كل الوسائل للنهوض بنفسه بالمجتمع ، فما عادت عملية التعليم حشو الرؤوس بالمعلومات.
ثم ان المعلم الناجح ومن خلال تجربتي الطويلة في هذا السلك ، يحبّب الطالب بالموضوع ويجعله يعشقه عشقًا سرمديًا، هذا اذا كان المعلم نفسه يهيم بموضوعه ويعشقه، ثم يجب الاّ ننسى ان هناك دورًا للأهل وآخر للسلطة المحليّة والوزارة ، فيجب على كل فئة ان تتحمّله بفنيّة وإتقان، وعندها قد تكتمل الدائرة فنحظى بما نتوق ونصبو اليه .