قضى الإخوان على أنفسهم منذ نشأتهم بالموت، بعد أن أقرّوا نظامَهم الأساسى الذى انطوى على أخطاء تاريخية كان أسوأها فرض مبدأ السمع والطاعة على كل من هو دون القيادة العليا، ويقال إنه حتى فى هذا المستوى فإن المبدأ مرعىٌ بشدة وفق التراتبية! وقد حَصَرَ إعمال هذا المبدأ نوعية الأعضاء فيمن لهم تركيبات نفسية خاصة، حتى لو كان فى بعضهم بعض الذكاء، فإنهم يَقبلون على أنفسهم أن يغلقوا عقولَهم وأن ينصاعوا للأوامر دون مناقشة، وأن يُسلِّموا أنفسهم لقيادتهم المباشرة، دون أسئلة ودون إبداء فضول أو حب استطلاع عما يدور فى الجماعة، بل حتى أنهم لا يطلبون تفسيراً عن التكليفات التى عليهم تنفيذها!
ولعله صار لدى قيادات الجماعة الآن متسع من الوقت، بعد أن صدرت ضدهم أحكام بالسجن المؤبد، ليراجعوا أخطاءهم، ليس لتصويب سياستهم فيما هو آت، لأنه لم يعد لهم فرصة فى المستقبل المنظور والمحسوب، وإنما من باب إقرار الحقائق ورصدها علَّهم يفيدون بها التاريخ، وإن كان هذا غير متوقع منهم بعد أن تكلَّست خبراتهم فى إطار السمع والطاعة!
لم ينتبه واضعو هذا النظام أن من قواعدهم، بعد أعوام فى العضوية، سوف تصعد الفئة الوسيطة فى الجماعة، وهم الذين يترشح منهم قيادات الأسر والمناطق والمحافظات والأمانات النوعية، ثم مكتب الإرشاد، ثم المرشد نفسه! وهكذا يصبحون مسئولين عن اتخاذ كل القرارات، بما فيها البت فى المسائل المصيرية، فى وقت لم يؤهلوا فيه على اتخاذ أى قرارات، بل إن ما زكّاهم إلى الترقى والتصعيد فى الجماعة هو أنهم ينفذون القرارات فقط!
وقد تجلَّت نتائج فقدانُ القيادة للمهارات الأساسية فى الأخطاء التاريخية التى اقترفتها الجماعة عبر تاريخها والتى كان أفدحها فى السنوات الأخيرة، وخاصة بعد ثورة يناير، وبالذات طوال العام الكارثى الذى تولوا فيه السلطة، ثم فى إدارتهم لأزمتهم بعد أن لفظهم الشعب واستنجد بالقوات المسلحة لإنقاذه من هذا الكابوس!
وطوال الزمن الذى امتد فيه عملهم سرياً لما يزيد عن 80 عاماً، حتى فى الاستثناءات قبل 1952 وما بعدها، لم تكن الجماهير تعلم عن الإخوان بشكل عام إلا القليل، معظمه من خصومهم، لأن الأعضاء، عملاً بمبدأ التقية، كانوا يدعون عدم معرفتهم بالجماعة أصلاً، قبل أن ينكروا عضويتهم بها، وحتى بالنسبة للأعضاء كان الجسد السرى معتماً عليهم لا يعرفون عنه بأكثر ممن هم خارج الجماعة!
وأما الخطأ التاريخى الآخر فكان الكذب الذى تبين أنه أكثر عمقاً فى طبيعتهم بأكثر مما كان يتخيل أحد، بل أنه تجاوز ما يتعلق بأمن الجماعة وأمان أعضائها إلى أن يكون منهجاً مستقراً فى التعامل مع الآخرين، أفراداً أو أحزاباً أو تيارات أو حتى جماهير الشعب! ومن الواضح الآن أنهم لم يحسبوا ما هو حتمى الحدوث، عندما يكتشف الجميع أنهم كانوا ضحايا لعمليات الكذب الرهيب!
وصلت الجماعة إلى أن تكون جسداً مترهلاً بعقل ضعيف، وكان هذا حالهم بعد ثورة يناير عندما أتيح لهم لأول مرة فى تاريخهم أن يحصلوا على الاعتراف الكامل وأن يتحركوا فى العلن وأن تكون لهم فرصة التواصل مع كل الأحزاب والقوى الأخرى ومع الشعب، صراحة بلا وسطاء ودون مواربة، ولكنهم، وبسبب افتقاد المهارات، لم يستوعبوا أن الظرف الجديد يلزمهم أن يغيروا أدواتهم وأساليبهم تغييراً جذرياً يتفق مع المستجدات، بما كان ينطوى على إمكانيات حقيقية بتحقيقهم مكاسب هائلة لم تكن فى خيال أحد منهم قبل الثورة!
ولكنهم استمروا على ما كانوا عليه، تآمروا حتى كان لهم السيطرة على لجنة التعديلات الدستورية التى ترأسها المستشار طارق البشرى، ومرروا منها ما يفيدهم وحدهم على حساب كل الآخرين، ونسقوا مع السلفيين فى إشعال الاستفتاء على التعديلات بأنه اختيار بين الكفر والإيمان، ومع انتخابات مجلس الشعب رفعوا الشعار الكاذب عن المشاركة لا المغالبة، ثم تصاعدت نسبة مشاركتهم بالتدريج من 30 بالمئة إلى أن صارت معركة على كل المقاعد، ثم كذبوا مجدداً قبل الانتخابات الرئاسية بأنهم لن يخوضوها ليدعوا الفرصة للتيارات الأخرى، ثم فجأة قرروا النزول بمرشح ومعه المرشح الاحتياطى، الذى كانت له الفرصة بفضل الاتفاقات التى أبرموها مع كل العاملين فى الساحة السياسية، ولكنهم لم يلتزموا بحرف واحد!
وتعجب الجميع من اختيارهم للدكتور مرسى لهذا المنصب الرفيع، فى حين أن لديهم من هم أكثر منه كفاءة! وهل تصل الاستهانة بمصر، الدولة والشعب، بقواه العاملة وفئاته السياسية والمثقفة، إلى هذا الحد؟ وهل كان السبب الرئيسى بالفعل هو ضعفه ليمكنهم السيطرة عليه وإملاء ما يريدون؟ وهل ينمّ افتراضُهم أن يستمر هذا الحال طويلاً على أى ذكاء؟
ثم كانت حكايتهم المعروفة التى فبركوا فيها دستوراً للبلاد على مقاسهم هم وحلفائهم!
والآن يجوز أن يسأل أى مراقب: هل حددوا بالفعل هدفهم بعد الإطاحة بهم؟ وكيف كانت اعتصامات رابعة والنهضة ستساعد على تحقيقه؟ ثم، ما هو هذا الهدف الذى لن يتجلى إلا باستخدام العنف ضد أجهزة الدولة وبالاعتداء المسلح على الجيش والشرطة؟ وكيف يصل الأمر إلى العدوان الصريح بالقنابل الموقوتة على الأماكن التى يرتادها الشعب؟ وماذا سوف تحقق لهم أعمال التخريب غير المسبوقة فى الجامعات؟ وهل يحقق لهم العدوان على العمداء والأساتذة أى مكاسب؟ ما هى؟
لقد انقلب عليهم إدمانُهم الكذب، حتى أنهم باتوا يصدقون أكاذيبهم بأن الانقلاب إلى زوال سريع لأن جماهير الشعب تصطف خلفهم والمظاهرات المليونية تطالب بعودتهم إلى الحكم وتواجه الرصاص بصدر مفتوح، كما أن قوى العالم أجمع تؤيدهم وتساعدهم على عودة مرسى إلى الكرسى!
ومن عجائب الجماعة أن الأغلبية من شبابهم الذين لم يتورطوا فى أعمال العنف ويعيشون الحياة العادية، لا يتعجبون من كل الحقائق التى تكشفت مؤخراً، ولا يحسون أنهم كانوا ضحايا أكذوبة كبرى، بل إن منهم من يشارك فى فبركات الكتائب الإلكترونية على الإنترنت ثم يصدقها، ويتحمس لها ويأخذها حجة لصالح الجماعة وفى الهجوم على الانقلابيين أعداء الإسلام!
وكل هذا مدعاة سرور لخصوم الإخوان!
ahmadtawwab@gmail.com
نقلا عن البوابة نيوز
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع