بقلم: ماجد سمير
"صديقي الصدوق" يحب دائما ان يصفني بالجملة الشهيرة التي ارتطبت لفترة طويلة في العقل الجمعي للأطفال بسلسة أفلام الكارتون الشهيرة "تيمون وبمبة" التشبيه جميل وأصبح كل منا بالنسبة للآخر "الصديق الصدوق" جمعنا العمل معا منذ نحو 21 سنة في جريدة لا أتذكر اسمها ولا شكلها ولا عدد صفحاتها ولا على أقل الفروض أحتفظ باي عدد من أعدادها لأنها بكل بساطة كانت لاتصدر من الأساس، فقط نتكتب بشكل يومي ونقدم العمل في موعده دون أي تأخير، ونذهب في الصباح ونوقع في دفتر الحضور في موعدنا، كل شىء يسير بانتظام شديد فيما عدا صدور المبطوعة التي لا ترتبط باي من مهارات مهنة البحث المتاعب إلا بكلمة البحث فقط والبحث هنا عن الجريدة ذاتها لأنها غير موجودة على الدوام.
سخرت مرة من الجريدة قائلا له : ياصديقي الصدوق دعنا نعتبرها جريدة تابعة للهندسة الفراغية، لذا لا يشترط أن تصدر تظل دائما هائمة عائمة في الفراغ اللانهائي، قلتها له أثناء رحلة عودتنا اليومية كل مساء بعد الانتهاء من العمل، كنا نفضل دئما أن تكون رحلة العودة سيرا على الأقدام من محطة التعاون بشارع الهرم حتى شارع ترعة الزمر – لأن المشوار "الكعابي" على الأقل سيكون أسرع بكثير من ركوب ميكروباص يظل واقفا أو ربما زاحفا بزهو في اشارات شارع الهرم التي لاتنتهي - نتبادل الحوار ونضحك ونتحدث بصوت عال من يرانا يعتقد أننا غير مبالين بالمستقبل غير واضح المعالم لانرى طريق حياتنا المحفوف بالعديد من علامات الاستفهام التي تنتظر اجابة واحدة ..اجابة في صيغة سؤال أين المصير؟
مرت الأيام سريعة ظلت رحلة العودة على الأقدام المتنفس الوحيد لنا للهروب من هموم البطالة لأننا ببساطة اتفقنا على أننا نعمل في الجريدة عديمة الأسم والصدور حتى نجد عمل آخر، سمح عمرنا الذي كان في العشرينيات وقتها بالسير دون كلل او الشعور بالتعب وربما كان الشعور بالارهاق البدني الدافع الوحيد للنوم دون التفكير والبحث عن اجابة للسؤال الأزلي الأبدي " أين المصير؟ " توطدت العلاقة بيننا وتبادلنا الزيارات المنزلية لم أشعر يوما بالغربة في بيته ورأيت بين والديه واشقائه تشابه كبير بل تطابق مع أهلي المقيمين في الفيوم.
بعد فترة حصل على منحة دراسات عليا في اوربا ، المحنة كانت بمثابة تعويض لظلم جائر تعرض له في كليته التي لم تقدر تفوقه وضنت عليه بالتعين كمعيد في صدمة اعتاد عليها كل من يشبهنا من الشعب واستمر الظلم ولم يقع عله الاختيار بالعمل كباحث سياسي في مجلس الشعب رغم انه كان الأحق بالوظيفة، سافر لتحقيق الحلم، اعتقدت وقتها انه لن يعود سيظل في أوربا لأن الدول المتقدمة تقدر الكفاءات تقدر المتفوق وتعطيه المزيد من الفرص تصورت أنه سيكون مثل الرحالة سليف العالم كله، بحثا عن أرض تستحق الاستقرار، تستحق الحياة لن يتعرض فيها لظلم لمجرد انه ينتمي إلى طبقة وسطى ولايوجد في عائلته صاحب سمو سابق أو حالي.
بعد سفره بسنة أو أكثر بقليل وجدت فرصة في جريدة شهيرة بدأت الأمور تتغير للأحسن وجدت اجابة للسؤال ولكن لم أجد الصديق الذي يسير معي رحلة العودة المعتادة على الأقدام ، تزوجت وأنجبت طفلا، وفجأة عاد بعد حصوله على الماجستير طلبت منه العمل معي وافق وعدنا لرحلة العودة معا المسافة كانت أطول وربما أصعب لكنها في طريق واضح المعالم.
الرحالة لايمل السفر حصل على فرصة جيدة للعمل كمستشارا إعلاميا لمنظمة اقليمية سافر للخليج عدت مرة أخرى لرحلة العودة الفردية صديقي ترك القارة وذهب، كنت أعلم أنه سيعود مرة أخرى وبالفعل نقلت المنظمة مكتبها من الخليج للقاهرة فقطع أجازته وعاد للعمل في "الجريدة" بجانب عمله في المنظمة، وعدنا لرحلة العودة المرتبطة بصداقتنا.
سنة 2014 السنة الـ 21 لصداقتنا بلغت سن الرشد حسب القانون المصري نضجت تماما ورغم ذلك فاجأني بقرار جديد شخصية الرحالة بداخله دائما تنتصر قرر الهجرة لدولة من دول المهجر الشهيرة، البحث عن المستبقل هذه المرة كان من أجل بنته وابنه قرر أن يحميهم من البحث عن اجابة السؤال الصعب "اين المصير؟" ربما تكون فكرة الهجرة صعبة في كل مرة يسافر فيها كلانا يدرك أن العودة أمر مفروغ منه وأن الرحلة مهما طالت سترسو مرة أخرى على بر الجيزة، لنعود للسير معا في رحلة العودة الممتعة، لكن هذه المرة علي أن أتحسس طريق العودة وحيدا فربما يكون سيري بمفردي في الطريق حتى نهاية الرحلة دون "صديقي الصدوق" هو المصير الحتمي.