بقلم - ماجد كامل
نجح العالم الفرنسي فرانسوا شامبيلون في فك رموز اللغة الهيروغليفية ؛وكان ذلك في عام 1822م ؛ وتحديدا يوم 14 سبتمبر . ولكن هذا النجاح لم يأت من فراغ أو بجهده وحده ؛وأنما أستعان بكاهن قبطي يدعي "يوحنا الشفتشي " في مساعدته علي فك رموز اللغة الهيروغليفيةوذلك عن طريق ربطها بقواعد اللغة القبطية ؛فلقد آمن شامبيلون بأهمية اللغة القبطية وأنها التطور الطبيعي للغة الهيروغلفية ؛لذا أفترض أن معرفته للغة القبطية سوف تساعده كثيرا في فك رموز اللغة الهيروغليفية .
ولقد سجل هذه الحقيقة في مذكراته إذكتب يقول (سلمت نفسي بالكامل إلي اللغة القبطية ؛ لقد أصبحت قبطيا إلي درجة أن تسليتي الوحيدة الآن هي ترجمة كل مايخطر علي بالي إلي اللغة القبطية ؛ثم إني أتحدث إلي نفسي بالقبطية وقد تمكنت من هذه اللغة إلي درجة أنني قادر أن أعلم قواعدها لأي شخص خلال يوم واحد ) ثم يضيف (لقد تتبعت تماما تسلسل الروابط التركيبية لهذه اللغة
والعلامات التي لا يمكن ملاحظتها ؛ثم حللت كل شيء تحليلا كاملا ؛وهو ما سيعطيني دون أدني شك المفتاح اللازم لحل اللغز وفك شفرة نظام العلامات الهيروغليفية ؛وهو المفتاح الذي حتما سأعثر عليه ) ولقد ذكر شامبيلون فضل الكاهن القبطي يوحنا الشفتشي صراحة في مذكراته إذ أرسل خطابا إلي أخيه يقول له فيه (إنني ذاهب إلي كاهن قبطي يسكن في سانت روش Saint –Roch في شارع سانت هونوري Saint –Honore وهذا الكاهن يعلمني الأسماء القبطية وكيفية نطق الحروف وإنني أكرس الآن نفسي كلية لتعلم اللغة القبطية إذ أريد أن أتقن هذه اللغة مثلما أتقن الفرنسية .
وأن نجاحي في دراسة البرديات المصرية سيعتمد علي إتقاني لهذه االلغة القبطية .وهو أمر ذو أبعاد كبيرة ) .كما ورد ذكر يوحنا الشفتشي أيضا ضمن مجموعة العلماء الذين ساعدوا في إعداد كتاب "وصف مصر " ولقد ذكر هذه الحقيقة وزير داخلية فرنسا في خطاب مؤرخ عام 1802 إذ قال فيه ( جاءتني تزكية عن الكاهن القبطي المدعو يوحنا بأنه يتمتع بسمعة طيبة كعالم متمكن من اللغات الشرقية ؛وقد علمت أنه يمكن الاستفادة من كفاءته في العمل العظيم الذي ينكب عليه الآن العلماء العائدين من مصر ) . وفي الحقيقة نحن لا نعرف إلا أقل القليل عن يوحنا الشفتشي
ومن هذا القليل الذي نعرفه والذي يمكن أن نستتجه من أسمه أنه ولد لعائلة من صياغ الذهب ؛فكلمة الشفتشي في اللغة العربية يستخدمها صائغ الذهب للدلالة علي خيوطه الدقيقة المنقوشة في حيز مفرغ من اللبة ولا يراها الناظر إلا في شفافية الضؤ ؛ولعل ما يدعم هذا الاستنتاج أن صياغة الذهب كانت حرفة متوارثة بين الأقباط منذ أقدم العصور ؛ وأنه ولد في القاهرة الكبري ؛وانه عمل مترجما فوريا بمنطقة الجيزة وكاتبا أول في محكمة الشئون التجارية ؛كما عمل بناء علي توصية من العالم الرياضي "فورييه " (1768- 1830 ) مترجما لدي الللجنة التي شكلها كليبر لجمع مواد تاريخ الحملة الفرنسية ؛وعندما خرج الفيلق القبطي بقيادة المعلم يعقوب من مصر متوجها إلي فرنسا خرج معهم
ولقد عثر العالم المصري الراحل الدكتور أنور لوقا( 1927- 2004 ) في مخطوطات المكتبة الوطنية بباريس علي إشارة مقتضبة وردت في خطاب من وزير الداخلية الفرنسي إلي أحد العلماء بالمدرسة المركزية يسأله رأيه في الاستعانة بكاهن قبطي إسمه يوحنا يقال أنه واسع العلم باللغات الشرقية ؛ كما عثر علي توصية من عميد مدرسة اللغات الشرقية يشيد فيها بفضل هذا الكاهن القبطي ويدعو إلي الإفادة من علمه ؛وعثر أخيرا علي تزكية مؤرخة بتاريخ 6 أبريل 1816 م تحمل توقيعات سبعة من أشهر العلماء الفرنسيين في القرن التاسع عشر يثنون فيها علي ثقافة يوحنا الشفتشي الواسعة مع الإشارة إلي زهده وتواضعه . ثم عمل كاهنا مقيما بشارع سان روك بباريس عندما قصده الطالب شامبيلون ليأخذ منه دروسا خصوصية في نطق اللغة القبطية .وظل راعيا للاقباط المهاجرين لفرنسا ؛حتي قرر أن يرحل في سنة 1825 إلي مرسيليا التماسا لمناخ أدفأ وأنسب لحالته الصحية
وتوفي في نفس السنة تقريبا كما تذكر بعض المراجع .ومما هو جدير بالذكر أن شامبيلون لم يكن هو أول من حاول فك رموز اللغة الهيروغليفية عن طريق الربط بين اللغة القبطية واللغةالهيروغليفية ؛وإنما سبقه إلي ذلك الراهب اليسوعي الألماني "أثناسيوس كرشر " ( 1601- 1680 ) إذ كتب كتابا في عام 1636 حاول فيه أن يثبت هذه العلاقة غير أن جهوده لم يكتب لها النجاح ؛وأنتظر العالم حتي مجيء شامبيلون ليفك رموز اللغة الهيروغليفية ؛ويخلد التاريخ ذكراه كمؤسس علم المصريات ؛ولكن يبقي الكاهن القبطي "يوحنا الشفتشي " هو الجندي المجهول وراء هذا الإنجاز التاريخي .