الأقباط متحدون - المضطهدون معكم فى كل حين...
أخر تحديث ٠٤:٣٧ | السبت ٢٧ سبتمبر ٢٠١٤ | توت ١٧٣١ ش ١٧ | العدد ٣٣٣٧ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

المضطهدون معكم فى كل حين...

بقلم منير بشاى
أكتب هذه الفقرة بعد كتابة المقال وقبيل نشره. وقد انتشرت اخبار تفيد ان سيدة جبل الطير قد عادت لأسرتها. التفاصيل ما تزال تاتى تباعا ولكن مما تم معرفته ان السيدة تعرضت للخطف والتهديد.  ولابد من الاشارة ان الأمن تعامل مع الحادثة برعونة كادت ان تؤدى الى اندلاع شرارة تهدد بحرق الوطن.

  كان على الامن ان يدرك ان الأمر يتعدى تحول انسان من دين لدين، مع ان هذا لم يحدث، فالأمر يمس الشرف وحماية العرض، وهى امور لها حساسية خاصة فى القرية.  لا يجب ان يمر هذا الحادث دون مساءلة وعقاب لمن تسببوا فى هذه الجريمة او تستروا عليها.

ولكن هذا المقال يتناول الموضوع من زاوية أخرى وهى دور الكنيسة.  وعنوان المقال يستخدم أساسا له كلمات السيد المسيح "الفقراء معكم فى كل حين" يوحنا 12: 8  مع استبدال مفهوم الفقر بمفهوم الاضطهاد.  فالمغزى من وراء المفهومين يكاد يكون واحدا.

خلفية الموضوع وردت فى الاصحاح الثانى عشر من انجيل يوحنا حيث جاء السيد المسيح مع تلاميذه قبيل صلبه بأيام لزيارة اسرة حبيبه لعازر.  وفى خلال هذه الزيارة فاجأت مريم (اخت لعازر) الحضور بأن اخذت قارورة طيب ناردين خالص كثير الثمن ودهنت بها قدمي السيد المسيح ومسحتهما بشعر راسها.  كان هذا العمل يعبّر عن الحب والولاء والبذل الغير العادى.  كان المعتاد ان المضيف يغسل رجلى ضيفه بالماء ويمسحهما بالمنشفة.  ولكن مريم استخدمت الطيب الذى تبلغ قيمته 300 دينار (اى ما يعادل تقريبا راتب العامل فى العام فى ذلك الوقت) – استخدمت مريم الطيب عوضا عن الماء واستخدمت شعرها الذى هو تاجها عوضا عن المنشفة.

وكان هذا العمل الرائع يستحق التقدير والثناء من الجميع. ولكن هناك دائما من يحاول ان يبحث عن شىء لينتقده.  وكان الناقد فى هذه الواقعة يهوذا الاسخريوطى.  هذا مع ان الطيب لم يكلفه هو شيئا بل وحتى ثمنه لم يخرج من الصندوق ليعتبره اسرافا.  كان الطيب مملوكا لمريم وهو شأن خاص بها وهى التى قدمته بارادتها وهذا حقها.  ولكن يهوذا اراد ان يتظاهر كمن يهتم بالفقراء فقال ان هذا الطيب كان يجب ان يباع ويعطى ثمنه للفقراء.  كان يهوذا يتظاهر بانه صاحب القلب العطوف والكريم تجاه الفقراء وان كان على حساب الغير.

  ولكن يسجل عنه الكتاب المقدس ان  دوافعه الحقيقية كانت نفعية شريرة.  فيقول عنه الانجيل " قال هذا ليس لأنه كان يبالى بالفقراء بل لأنه كان سارقا وكان الصنوق عنده وكان يحمل (يأخذ) ما يلقى فيه" يوحنا 12: 6
اما يسوع فقد قدّر عمل المحبة عند مريم ودافع عنها قائلا "اتركوها لانه ليوم تكفينى قد حفظته لأن الفقراء معكم فى كل حين واما انا فلست معكم فى كل حين" يوحنا 12: 7 و 8
قول السيد المسيح ان الفقراء معنا فى كل حين لم يكن هدفه ان ينهانا عن مساعدة الفقراء او يقلل من اهمية هذا العمل.  ولكنه اراد به ان يقول لنا ان ظاهرة الفقر ستستمر معنا طالما وجد الانسان على هذه الأرض، ولذلك لا يجب ان نجعلها تطغى على نواحى اخرى مهمة فى حياتنا بحجة مساعدة الفقير.  الحياة لا يجب ان تتوقف لأن هناك فقراء.  نعم يجب ان نساعد الفقراء ولكن فى نفس الوقت علينا ان نعيش الحياة الطبيعية الكاملة فى كل ملئها.
تطبيقا لنفس المبدأ يمكن ان يقال ان المضطهدين هم ايضا معنا فى كل حين.

  والمفروض ان كل واحد فينا يساعد المضطهدين بما اوتى من المال والجهد ليخفف عنهم ويلات الاضطهاد.  ولكن الحياة لا يجب ان تتوقف عند هذا، فهناك اهتمامات كثيرة تشغلنا فى هذه الحياة وكل واحد فينا مطلوب منه ان يعيش الحياة المتكاملة فيقوم بكل التزامات حياته الشخصية والعائلية والمهنية مع اهتمامه بالمضطهدين والفقراء والمحتاجين.  اى اننا يجب ان نفعل هذه ولا نترك تلك.

هذه مقدمة طويلة ولكنها  ضرورية للرد على من انتقدوا الكنيسة فى تناولها لما حدث للاقباط فى جبل الطير. وكانت رغبة هؤلاء ان الكنيسة توقف كل اعمالها ولا تهتم بشىء سوى قضية مسيحيى جبل الطير.  وأنا هنا لا أدين احدا ولا اقول ان هؤلاء المنتقدون كانوا اشرارا مثل يهوذا، بل اعتقد انهم كانوا مخلصين فى اهدافهم.  ولكن هذا لا يمنع ان مطالبهم- حسب اعتقادى-  قد جانبها الصواب.

من الأمور التى تم تناقلها رغبة البعض فى ان قداسة البابا يقطع زيارته الرعوية لكندا ويعود فورا لمصر ليباشر مسألة الدفاع عن ابنائه فى جبل الطير ضد التجاوزات التى حدثت لهم من رجال الداخلية.  فهل كانوا محقين فى طلبهم؟
ربما لو كان مؤكدا ان حل المشكلة مرتبط بوجود قداسة البابا فى مصر لأمكن الدفاع عن هذا الرأى.  ولكن كل ما كان يستطيع قداسة البابا عمله فى مصر يمكنه عمله فى كندا عن طريق الاتصالات الحديثة المتوفرة.  فمكان التواجد ليس هو العامل الأهم ولكنه الاستعداد للتجاوب.
ثم انه قد نشف حلقنا ونحن نطالب بان قضايا الاقباط السياسية يتناولها قادة علمانيون يمثلون الاقباط سياسيا.  ولكن ما يحدث دائما انه كلما حدث اضطهاد للاقباط نجدهم يهرولون للكنيسة طلبا للحماية ويغضبون اذا لم تقم الكنيسة بالدفاع عنهم بالطريقة التى يريدونها.

ثم لماذا الاصرار على ان قداسة البابا يترك برنامجه المعد من شهور ومقابلاته مع كبار المسئولين ويعود فورا لمصر؟ المضطهدون معنا فى كل حين وافتراض ضرورة تواجد قداسة البابا فى مصر كلما حدثت مشكلة معناه انه لن يستطيع مغادرة مصر لأن الحوادث تكاد تتكرر يوميا.

وهناك نقطة فى منتهى الحساسية وهى الرسالة التى ستبث على العالم لو قطع قداسة البابا برنامجه ليعود فجأة لمصر.  من المؤكد ان هذا سيعلن ان الأقباط يمرون بمشكلة امنية وان الدولة عاجزة عن حمايتهم.  هل هذا ما نريد ان نقوله للعالم اثناء القاء الرئيس السيسى لخطابه فى الجمعية العامة للامم المتحدة؟ ألا يتفق هذا مع ما يريد المعارضون له ان يبثوه؟ ألا يخدم هذا اعداء مصر من المتطرفين وبالتالى سيسىء لمصالح الاقباط؟ ألم يتحمل الاقباط احراق حوالى 100 كنيسة فى يوم واحد ولم يشتكوا حتى يفوّتوا على الارهابيين ايقاعهم فى نفس الفخ ؟

ثم نأتى الى موضوع زيارة قداسة البابا لشلالات نياجرا واستنكار البعض له.  ولكن أليس قداسته من حقه ان يزوره خصوصا وهو قريب منه فى زيارة قد لا تتكرر لمدى سنوات؟ هل يجب ان تتوقف الحياة نتيجة حادثة اضطهاد مثل آلاف الحوادث التى تحدث فى كل يوم؟  المضطهدين معنا فى كل حين ولو اوقفنا حياتنا كلما حدث اضطهاد فإننا نكون قد انجحنا مخطط الارهابيين الذين يريدون ان يكدروا علينا حياتنا.  ولكن رسالتنا لهم يجب ان تقول: اننا لن ننهار، فنحن قادرون على الاستمرار فى الحياة بكل آلامها وآمالها.  الدموع لن توقف عنا الابتسام، والجراح لن تنزع منا الأفراح. وكما قال الرسول بولس "كحزانى ونحن دائما فرحون" 2 كو 16: 10

ويسعدنى ان اعلم ان آلاف الأقباط كانوا على مستوى المسئولية ولم يبلعوا الطعم المسموم.  لقد كان استقبالهم للرئيس السيسى علامة وعى ووطنية من أناس يحبون مصر ويريدوا ان يرفعوا شأنها فى العالم.  اما مشاكل الأقباط، فلن ننساها ابدا، فهناك مكان وزمان لطرحها.  فالاقباط يعرفون اولويات الأمور ولا يحتاجون لمن يذكرهم ان مصلحة مصر فوق مصلحة الجميع.
Mounir.bishay@sbcglobal.net
 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter