الأقباط متحدون - د. رفعت السعيد يكشف وثائق نادرة عن: أول حزب للفلاح المصرى
أخر تحديث ١٦:٥٣ | الاثنين ٢٩ سبتمبر ٢٠١٤ | توت ١٧٣١ ش ١٩ | العدد ٣٣٣٩ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

د. رفعت السعيد يكشف وثائق نادرة عن: أول حزب للفلاح المصرى

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

بقلم - د. رفعت السعيد
.. كنت فى الرابعة عشرة من عمرى وكلما مررت عبر المتنفس الأول فى مدينة المنصورة شارع السكة الجديدة تطلعت إلى شرفة تحمل لافتتين إحداهما كبيرة «الأستاذ عبدالمجيد أبوالعز المحامى» وأخرى أصغر منها «حزب الفلاح الاشتراكى» ذات يوم استجمعت أطراف شجاعتى وصعدت حيث يوجد مكتب المحامى، وهو من المفترض أن يكون فى الوقت ذاته مقر الحزب، وبعد مناكفات مع موظف وهو وكيل المحامى دخلت إلى الأستاذ. وكان شخصية مهيبة وفى عروة الجاكت دبوس عبارة عن فأس، قلت أريد أن أنضم إلى حزب الفلاح..

أبدى دهشته من هذا الفتى الذى كان أول من طلب الانضمام للحزب فى المنصورة. سألنى مبتسما عن أبى وامتدحه، وقال صراحة إنه وحده العضو فى الحزب وإنه يتمنى أن أنجح فى تجميع أى عدد من الطلاب كأعضاء وطلب منى أن أترك رقم تليفون منزلنا فترددت خوفا من أن يعرف أبى، فتبدت ابتسامة تشوبها الحسرة.. وذهبت مرة أو مرتين فلم أجده أو هكذا قال الموظف وانقطعت.

ومنذ أيام عثرت على مجموعة وثائق تم تجميعها منذ قرابة نصف القرن ثم اختفت والوثائق عنوانها «مغامرات وطنية ضد الاستعمار والرأسمالية - عالمية ومحلية - أحمد كامل قطب المحامى».

وأحمد كامل قطب هو مؤسس حزب الفلاح الاشتراكى الذى ملأ الدنيا ضجيجا فى نهاية الثلاثينيات ثم فى الأربعينيات.

وقبل حزب الفلاح أسس أحمد كامل قطب وهو لم يزل طالبا فى السنة الثانية بكلية الحقوق «جمعية نهضة القرى» ويستهدف المشروع محو الأمية فى القرى والنهضة بالفلاح. والمثير للدهشة أن هذا الشاب الذى كان لم يزل طالبا استطاع أن يضم إلى جمعيته عديدا من الشخصيات الشهيرة فى المجتمع وثمة وثيقة بعنوان «مشروع القرى - نادى الجامعة المصرية - ٢٢ شارع المناخ بالقاهرة - محو الأمية عام ١٩٣٣. الحلقة الأولى ثم الشىء المثير للدهشة «الرئيس الأعلى حضرة صاحب السعادة على باشا إبراهيم - مدير الجامعة المصرية بالنيابة - ٨ يوليو ١٩٣٣، ثم شعار «أن من هدم ركنا من أركان الجهالة فقد شيد ركنا من أركان الوطن».

ولا تزال الدهشة محلقة إذ نقرأ أسماء هيئة مجلس إدارة الجمعية. ونقرأ أسماء لامعة د. على باشا إبراهيم الرئيس. إسماعيل رمزى باشا مدير الشرقية سابقا -الأستاذ الشيخ عبدالوهاب النجار- أستاذ بكلية أصول الدين - الشاعر خليل مطران - د. على مشرفة، أما السكرتير العام فهو أحمد كامل قطب أفندى الطالب بليسانس الحقوق وهو أيضا رئيس اللجنة التنفيذية.

ثم ملخص برنامج مشروع القرى والذى يحدد المحاضرات التى سيسترشد بها المتطوعون ويسيرون عليها فى تعليم وتثقيف الفلاحين ويتضمن المشروع تعليم الفلاحين القراءة والكتابة - نشر المبادئ الصحية - ثقافة زراعية - ثقافة اقتصادية - ثقافة اجتماعية.

وفى كلمته فى ذات النشرة يقول أحمد كامل قطب «هيا أيها الجنود المتعلمون - هيا شيدوا بالعلم مجد البلاد وارفعوا بالعلم رأس الوطن».

وفى عام ١٩٣٨ أسس أحمد كامل قطب حزب الفلاح الاشتراكى، ونقرأ بعضا من سيرته ومسيرته. حصل على ليسانس الحقوق عام ١٩٣٥ وهو من مواليد ديسمبر ١٩٠٨ أبوكبير شرقية. وكان فى الأغلب من أسرة ميسورة، فقد تزوج وهو لم يزل طالبا بالثانوية، وفى بعض الأحيان يحاول البعض تشبيهه بأحمد حسين، مؤسس جماعة الشباب الحر أنصار المعاهدة، والذى بدأ حياته العملية أيضا وهو طالب حقوق، لكنها كانت بداية خاطئة إذ تأسست الجماعة لمساندة محمد محمود باشا خلال مفاوضاته مع الإنجليز، وهو صاحب مشروع القرش

ثم أسس مصر الفتاة وتلمس طريقه نحو نزع فاشية صارخة، ثم أسس الحزب الاشتراكى.. والفارق بين الاثنين كبير فأحمد كامل قطب لم يتلون ولم تعصف به منحنيات السياسة ولم يخضع لأهوائها وأحمد كامل قطب صاحب لمسات مهمة فى أساليب النضال. هو اعتبر أن وحدة وادى النيل قضية محورية وأنه لا يمكن فصل مصر عن السودان وتحدى الإنجليز، وتسرب للسودان ثلاث مرات وقبض عليه وحوكم وطلب محامين مصريين بما أحرج الاحتلال.. وظل يتعقب الاحتلال زار لندن وهتف فى مجلس العموم البريطانى «يسقط الاحتلال. البريطانى»، وسافر إلى أمريكا وهتف فى مجلس الأمن أثناء مناقشة القضية المصرية «تسقط بريطانيا».. وفى الحالتين تعرض لاعتداء وحشى من الحراس.

وأنفق كامل قطب من ماله الخاص على رحلاته إلى أمريكا وإنجلترا وفرنسا وسوريا والسودان. وفى كل مكان كان صوته يعلو مرتفعا بالهتاف ضد الاحتلال والمطالبة بوحدة وادى النيل. وكان هذا الشاب النحيل مفعما بحب الفلاحين الفقراء. وفى عام ١٩٣٨ أعلن تأسيس حزب الفلاح وأصدر له برنامجا اجتماعيا وآخر اقتصادياً، وفى البرنامج الاجتماعى دعا إلى «محاربة الأمية بين الفلاحين» والنهوض بالمستوى الاجتماعى بين أوساطهم ومحاربة المخدرات والبدع والخرافات والجهالة وتنظيم القرية بانتخاب مجلس للقرية. والدفاع عن مطالب الفلاحين وتكوين رأى عام يمكن من انتخاب ممثلين للفلاح يدافعون عن مطالبه فى البرلمان. أما فى البرنامج الاقتصادى فنقرأ رفع الجوع والفقر والبؤس عن كاهل الفلاح وأسرته، حد -أدنى لأجور المزارعين - إنقاذ الفلاح من الديون العقارية - تحديد ساعات عمل الفلاح عند أصحاب الأملاك وتحديد أيام للراحة - تأمين اجتماعى واقتصادى للفلاح جمعيات تعاونية للفلاح.

وفى ٢٨ ديسمبر ١٩٤٥ قفز أحمد كامل قطب بأفكاره ومواقفه قفزة واسعة باتجاه اشتراكى وإن بمفهوم بدائى، وأعاد إعلان حزبه باسم حزب الفلاح الاشتراكى واتخذ له مقرا فى ٣٠ شارع فؤاد وأعلن برنامجا جديدا يعلوه شعار الله معنا والمستقبل لنا. وتحت اسم الحزب شعار آخر «أعطوا الفقير حقه دون أن يطلبه» ثم «البرنامج الاشتراكى» ونقرأ فيه (١) العلم رمز الوطن والدستور حصن الأمة والديمقراطية حياة الشعب ومصر والسودان وطن واحد وشعب. (٢) الأمة فوق الحكومة، والحكومة ما هى إلا أداة لتحقيق رغبات الشعب. (٥) عدم السماح للأجانب بتملك الأراضى فى مصر. (٧) مناهضة النزعات الاستبدادية وتمكين كل فرد أو جماعة من التمتع بحرية الرأى كاملة فى حدود الدستور. (٨) منح المرأة والشبان الذين بلغوا سن الثامنة عشرة حق الانتخاب ومساواة المرأة بالرجل فى جميع الحقوق السياسية». ونتوقف أمام هذا الشق من البرنامج لنكتشف حقيقة الفارق بين برنامج ١٩٣٨ وبرنامج ١٩٤٥.

ففى البرنامج الأول كانت أول فقرة تقول «الولاء والفداء للملك، وفى برنامج ١٩٤٥ لا ذكر للملك ففى حقيقة الأمر كان أحمد كامل قطب يخوض فى ذلك الوقت معركة حقيقية ضد القصر الملكى حيث تتركز فى يديه ملكية مساحات هائلة من الأراضى الزراعية يساء فيها معاملة الفلاحين. كذلك تصاعدت شعارات أكثر ليبرالية وتبدى واضحا الدفاع عن حقوق مساوية للمرأة والحديث عن الدستور واحترام الحريات. وإذا أتينا إلى ما سماه «القسم الخاص» فى برنامج ١٩٤٥. نجد شعارات تدافع بتشدد عن الحقوق الاجتماعية والعدل الاجتماعى نقرأ (١) الدولة ملزمة باستصدار التشريعات لتحقيق العدالة الاجتماعية وإنصاف الطبقات الفقيرة والنهوض بها.. (٢) الدولة ملزمة بضمان استقرار حياة الفرد بالتأمين الاجتماعى ضد المرض والشيخوخة والعوز والبطالة. (٣) الدولة ملزمة بتقريب الفوارق بين الطبقات، بتخفيض رواتب كبار الموظفين، ورفع رواتب صغارهم

وحد أقصى للملكية، وتوزيع الأراضى البور على صغار الفلاحين وتدعيم نظام التعاون - ثم هو يطالب بفرض ضرائب تصاعدية، وإدارة الدولة لجميع المرافق العامة وشركات الاحتكار لحساب الأمة، ثم إنهاض الصناعة الثقيلة وتحقيق الاستقلال الاقتصادى.

إنها ذات المطالب التى لم نزل نطالب بكثير منها حتى الآن.

وبهذا الفكر المستنير ينهض أحمد كامل قطب بأعمال ومواقف غير مسبوقة ففى سبتمبر ١٩٥١ أعلن الحزب اعتزامه عقد مؤتمر للفلاحين فى حديقة الأزبكية يحضره عشرة آلاف فلاح يوم ١٦ سبتمبر وطلب من الحكومة إعداد ثلاثة قطارات لنقل أعضاء المؤتمر، على أن يتوجه أعضاء المؤتمر إلى قصر عابدين ودار البرلمان، حاملين عرائض مكتوبة بدمائهم يطالبون فيها بتحديد الملكية الزراعية بخمسين فدانا وغيرها من المطالب. لكن الحكومة قررت منع المؤتمر من الانعقاد.

ثم خطوة أخرى غير مسبوقة هى توجيه إنذار رسمى من المحكمة ضد نظارة الخاصة الملكية فى تفتيش طوخ القراموس شرقية باسم جميع المستأجرين فى هذا التفتيش وتوجه المحضر مخاطبا حضرة صاحب السعادة نجيب سالم باشا ناظر الخاصة المملوكة لجلالة الملك بمحلة المختار، وهو قسم قضايا النظارة بقصر عابدين العامر. يطالبون فيها بتعديل شروط الإيجار العينى المسمى بالمحمول.

وقبلها فى ١٨ يوليو ١٩٣٩ اعتصم أحمد كامل قطب بمقر الحزب معلنا الصيام التام عن الطعام والشراب. كما أضرب ثمانية من العمال عن الطعام مطالبين بحقوقهم.. وظل أحمد كامل قطب مضربا حتى تلقى رسالة من على ماهر باشا يعده فيها بأن مطالبه «ستكون موضعا للنظر والاهتمام المتزايدين» وأنهى الرجل إضرابه.

وكانت صحيفة حزب الفلاح المسماة «النضال» قد نشرت مقالا باسم رئيس الحزب أحمد كامل قطب يدعو فيه الشعب للصيام يوم الجمعة ٢٣ يونيو ١٩٣٩ وجاء فى المقال «نعلن الصيام العام احتجاجا على إهمال مصالح الفلاح فنصوم ونجوع يوما من أجل الفلاح الذى ظل جائعا آلاف السنين، ثم يتناول أعضاء مجلس إدارة الحزب وبعض الفلاحين طعام الإفطار بمقر الحزب ومن ذات طعام الفلاح الخبز الفلاحى والمش.

وفى ٢٩ نوفمبر ١٩٤٨ قام أحمد كامل قطب بالاعتصام فى مبنى السفارة البريطانية معلنا للسفير البريطانى أنه يحتل سفارتهم احتجاجا على احتلالهم لمصر، وظل هو وزميلاه معتصمين فى صالون السفارة، معلنين أنهم لن يقبلوا الجلاء عن السفارة إلا بالقوة، وقال لسكرتير السفارة الميجر سمسبون «أنا وزميلاى سنبقى هنا حتى نقابل السفير وضحك قائلا تأذيتم لأننا نحتل ثلاثة مقاعد لعدة ساعات بينما أنتم تحتلون بلادنا بأسرها لسنوات، وبعد محاورة شديدة العنف استدعت السفارة الشرطة المصرية فحضر إلى السفارة ماهر بك رشدى بأمر من حكمدار القاهرة سليم زكى باشا وبعد محاورة طويلة قامت قوة البوليس المصرى بإخراجهم بالقوة من السفارة وأركبوهم سيارة شرطة إلى قسم عابدين حيث خضعوا لتحقيق النيابة التى أخلت سبيلهم.

وبلا حدود سنجد مواقف وإجراءات خاضها أحمد كامل قطب شجاعا وربما عصبيا فى بعض تصرفاته لكنه كان فى جميع الأحوال وطنياً مخلصاً ونزيهاً وشجاعاً.

وفى آخر أيامه أبى أحمد كامل قطب إلا أن يسجل خطوة مثيرة للدهشة فأصدر ما سماه «البيان العالمى» وقال فيه «إذا كان ماركس وأنجلز قد أصدرا البيان الشيوعى تأسيسا لمذهب الشيوعية فإننى أضع البيان العالمى تأسيسا لمذهب العالمية، مؤكداً أنها رسالة سلام ورخاء البشرية، وأنها صمام أمان ضد احتمالات الانفجار النووى».

ورحل أحمد كامل قطب كما بدأ حياته رافع الرأس شديد الإخلاص نظيف اليد مخلصاً فى جهاده ودفاعه عن مصالح الفقراء متمسكا بحقوق الوطن.

وإذ نقلب فى الوثائق فسنجد أنفسنا وقد تجسدت أمام أعيننا صورة مناضل مصرى حقيقى لا يعرف مناورات السياسة الرخيصة وإنما ظلت السياسة والحزبية عنده مجرد أداة لتحقيق أمانى الوطن ومصالح الشعب دون أى نزعة شخصية أو مصالح ذاتية.

وقبل أن يرحل وصفه أحد أتباعه قائلاً: «إنه راهب فى ميدان السياسة والحزبية، مقاتل فى شجاعة فى ميدان الدفاع عن حقوق الوطن والفقراء». وكان كذلك فعلا.

نقلآ عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع