الأقباط متحدون - كيف نُقيِّم حُكم السيسى؟
أخر تحديث ٠٢:٢٠ | الاثنين ٢٩ سبتمبر ٢٠١٤ | توت ١٧٣١ ش ١٩ | العدد ٣٣٣٩ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

كيف نُقيِّم حُكم السيسى؟

الرئيس عبد الفتاح السيسى
الرئيس عبد الفتاح السيسى

بقلم جمال أبوالحسن

كُتلة عريضة من المصريين راهنت على «مشروع السيسى». المشروع باختصار: اختيار رجل من القوات المسلحة لأداء مهمة إنقاذ عاجلة للبلد، وانتشالها من هوة سقوط محقق. مهمٌ- عند التقييم- أن نتفق على هذا التوصيف «للمشروع». هو ليس مشروع «نهضة»، بل إنقاذ. ليس انطلاقة كُبرى للأمام ولكن مسيرة على حبل مشدود فوق هوة من الجحيم.

كثير من الناس يخلطُ بين الأمرين، فيتوقع من الرجل إنجازاً يدخل- عملياً- فى باب الاستحالة. المُشكلة أن الرئيس نفسه يخلط بين الأمرين. تراه مرة يتحدث ويُفعِّل سياسات تدخل فى باب الانطلاقة النهضوية الكُبرى. وتراه تارة أخرى يتحدث وقدماه مكبلتان بمحددات الواقع. هذا التناقض قد يكون مكمن الاضطراب الرئيسى فى رئاسة السيسى حتى الآن.

مع ذلك، هناك مؤشرات أولية على أن هذه الرئاسة- كمشروع إنقاذ- لديها إمكانيات لا بأس بها للنجاح. المائة يوم الأولى حملت أخباراً جيدة. أول معيار للتقييم غير ملموس لكنه جوهرى: استعادة الثقة. سنوات الثورة، ثم الحكم الإخوانى، قوضت «شبكة الثقة» فى المجتمع المصرى. هذه الشبكة هى الضامن الأول للاستقرار. إنها الصمغ الخفى الذى يربط بنيان المجتمع. الزيت الذى يسهل دوران عجلاته. شبكة الثقة تعكس توقعاتنا كأفراد من الحكومة ومن بعضنا البعض ومن المستقبل. هناك مؤشرات على أن شعور الناس العام يُغلِّب احتمالات تحسن الأحوال فى المستقبل. هذا أمرٌ حاسم فى استقرار المجتمع، لأنه يعين الناس على تحمل أوضاع سيئة فى الوقت الحالى أملاً فى غد أفضل.

بوادر استعادة الثقة لم تتشكل من تلقاء نفسها. الحُكم أظهر تصميماً فى مواجهة التهديدات الأمنية. فى صيف ٢٠١٣ كانت مصر تعيش أجواء اضطرابات أهلية مستمرة، اقتربت بها- خاصة بعد فض اعتصام رابعة- من حافة الحرب الأهلية. الحُكم أخذ خيارات محددة فى مواجهة العنف. هذه الخيارات أسفرت عن الوضع الحالى: اضطرابات متفرقة لا تهدد السلم الأهلى العام.

الوضع الأمنى ليس مثالياً بأى حال. الإرهاب قد يتصاعد، وقد يتخذ صوراً جديدة وأكثر دموية. مسيرة تدهور الأمن العام لم تتوقف (إذا سُرقت سيارتك فالاحتمال الأكبر هو أن الشرطة لن تتمكن من استعادتها). مع ذلك، الحُكم أظهر عزماً لافتاً فى مواجهة العنف واستعادة الأمن. منذ مايو الماضى فقد ما يقرب من مائة من أفراد الشرطة والجيش حياتهم فى مواجهات مع الإرهاب. نصف هؤلاء على الأقل استشهد فى معركة سيناء. إنها واحدة من أخطر المعارك التى تخوضها مصر الآن. انتصارنا باستعادة السيطرة الكاملة على هذه البقعة من أرض الوطن وتأمين سُكانها هما الفيصل فى أن تظل مصر بعيدة عن سيناريوهات التفتت والفراغ الأمنى التى نشاهدها فى أماكن قريبة. هذه المعركة تمثل معياراً مهماً فى تقييم الحُكم الجديد.

من المبكر الحُكم على الاقتصاد. القرار الشجاع برفع جزء من دعم الطاقة (الذى يمثل ربع الإنفاق الحكومى) يمثل خطوة فى الاتجاه الصحيح وفرت للموازنة ما يُعادل ٢.٥% من الناتج الإجمالى. على أن السياسة الاقتصادية للنظام الجديد ما زالت غير واضحة. هناك توجه نحو سياسات توسعية (مشروع قناة السويس بتكلفة ٤ بلايين دولار)، مع توجه- معاكس- لضبط الإنفاق العام الذى يذهب نصفه للأجور والدعم. ليس واضحاً بعد إن كان لدى الحُكم الجديد عزم حقيقى على تغيير هيكل الاقتصاد المصرى الشاذ الذى يقوم على قطاع حكومى متضخم وغير منتج.

تظل السياسة الخارجية أحد أفضل جوانب الحُكم الجديد. السيسى قال أمام الأمم المتحدة: «مصر قادرة على أن تكون منارة لاستعادة النظام الإقليمى لتماسكه، ولن يتوانى المصريون عن القيام بدورهم هذا تجاه محيطهم». هذه العبارة تعكس فهماً جيداً للوضع الإقليمى الصعب ودور مصر إزاءه. التحرك العسكرى- المُفترض- فى ليبيا علامة أخرى جيدة تُضاف إلى الإدارة الرشيدة لأزمة غزة الأخيرة. هذه التحركات وضعت مصر مجدداً على خريطة مرتبكة ومضطربة. وضعتها كفاعل لا مجرد مسرح للأحداث. متابعة الوضع فى ليبيا والتدخل فى الوقت المناسب وبالطريقة المُثلى يظلان التحدى الأخطر أمام حُكم السيسى حالياً.

بقى أمرٌ لابد أن يُقال بأقصى درجات الصراحة والأمانة مع النفس. المصريون لم يختاروا «مشروع السيسى» لتحقيق الديمقراطية. بل وُلد هذا المشروع من رحم المعاناة مع تجربة قصيرة وفاشلة مع الممارسة الديمقراطية. لابد أن يكون ذلك واضحاً فى الأذهان حتى يكون التقييم أميناً، ولا يتحول إلى أداء استعراضى بتسجيل نقاط هنا أو هناك. مع إدراكنا لهذه الحقيقة فإن ثمة مظاهر وشواهد تظل مقلقة للكثيرين فى الحُكم الجديد وطريقة ممارسته للسلطة.

هناك شعور بأننا أمام «عرض الرجل الأوحد». هناك شعور متصاعد- وغير صحى على الإطلاق- بأننا أمام زعيم يرى نفسه مُلهَماً ومُلهِماً (أو بتعبير د.حازم حسنى- وهو رجل مشهود له بالاستقامة والتجرد: «يريد الناس على قلب رجل واحد هو قلب الرئيس، ولو كان الأمر بيده لألغى الحياة الحزبية»). هناك شعور بأن الدائرة المُحيطة بالرئيس لا تضم أفضل العقول أو أشجعها. لا نعرف من ينصح الرئيس. نلمح بوادر للاعتماد على الجيش ورجاله بصورة تعود بنا إلى ما قبل عصر مبارك. لا نرى توجهاً نحو بناء مؤسسة حُكم، بل اعتماد على شعبية فرد.

لا ينبغى أن تتعزز هذه الاتجاهات المُقلقة أو تستمر. المؤسسات تبقى وتدوم. الشعبية إلى زوال مهما طال أمدها.
نقلآ عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع