الأقباط متحدون - السيد يسن.. وعودة شيخ إلى صباه!
أخر تحديث ١٧:٣١ | السبت ٤ اكتوبر ٢٠١٤ | توت ١٧٣١ ش ٢٤ | العدد ٣٣٤٤ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

السيد يسن.. وعودة شيخ إلى صباه!

السيد يسن
السيد يسن
بقلم   د. سعد الدين إبراهيم  
احتفلنا منذ سنوات بعيد الميلاد الثمانين، لعالم الاجتماع المصرى السيد يسن، ولم نتوقع منه مزيداً من الإنتاج الفكرى بعد حياة حافلة، بالعطاء، تلقى فيها العديد من الجوائز المصرية والعربية، كان آخرها منذ شهور، وهى جائزة سُلطان العويس الإماراتية.
 
ولكن، يبدو أن ثورات الربيع العربى عموماً، وثورتى ٢٥ يناير و٣٠ يونيو، خصوصاً، قد جددتا حيوية السيد يسن، فأتحفنا بكتابين جديدين، أحدهما عن ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، بعنوان الشعب على منصة التاريخ، إصدار الهيئة المصرية العامة للكتاب، ٢٠١١، والثانى، بعنوان الزمان الثورى، ٢٥ يناير ـ ٣٠ يونيو، تحليل الموجات المتدفقة.
 
وقد استفاد السيد يسن من تنوع خبراته الشخصية المُباشرة، منذ كان تلميذاً بمدرسة رأس التين الثانوية بالإسكندرية فى أوائل خمسينيات القرن الماضى، حيث أثر فيه مُدرس للتاريخ (محمد صقر) لقراءة التاريخ قراءة نقدية، وليس كما تحاول الأنظمة السياسية الحاكمة تسويق أو تشويه هذا التاريخ. ولا ينسى السيد يسن أن يرد فضل أستاذه الدكتور سعد عصفور فى مرحلة تالية، بحقوق الإسكندرية، فى الاعتراف بأنه لا يعرف كل شىء، حتى فى مجال تخصصه (القانون الدستورى) ولكنه يسعى دائماً لتقليص ما يجهله. وأخيراً، ينوّه كاتبنا، بمحطة ثالثة فى رحلة حياته المعرفية، على يد الدكتور أحمد خليفة بالمركز القومى للبحوث والدراسات الاجتماعية والجنائية، والمنهجية الصارمة على يد رائد علم النفس الاجتماعى، بجامعة القاهرة، د. مصطفى سويف.
 
وكان ابتعاث السيد يسن لباريس مُتزامناً مع ثورة الشباب فى العالم، والتى بلغت قمتها عام ١٩٦٨. وهو ما أتاح له فرصة نادرة لتشريح تلك الثورة، ثم بعد ذلك بأربعين سنة سيُقارنها بثورات الربيع العربى، فى تونس، ومصر، وليبيا، والبحرين، واليمن (٢٠١٠-٢٠١٣).
 
ويضع السيد يسن يده ببراعة على القسمات المشتركة لتلك الثورات، سواء فى فرنسا فى ستينيات القرن الماضى، أو فى البُلدان العربية فى أوائل القرن الحادى والعشرين. وأول هذه القسمات المشتركة هى شبابية تلك الثورات. فرغم أن كهولاً أو شيوخاً، قد يُمهدون للثورة، بنقدهم للنُظم الحاكمة فى بُلدانهم، إلا أن القادرين والمُبادرين على الفعل الثورى، هم عادة الشباب.
 
فالشريحة الشبابية القلقة، هى أحد التكوينات الاجتماعية، التى بدأت تظهر على مسرح التاريخ الأوروبى ـ والأمريكى، منذ أواخر القرن الثامن عشر. وتواكب ذلك مع انهيار عصر الإقطاع، وبداية الصعود التاريخى للطبقة البرجوازية، والتى هى المُعادل الوظيفى للطبقة الوسطى، فى مصر وبُلدان الوطن العربى.
 
هذا القلق الشبابى لأبناء الطبقة الوسطى، سيُقابله جمود، وعدم اكتراث الطبقة الحاكمة المُستبدة. وهو ما تجلى، مثلاً، فى عبارة ملكة فرنسا، مارى أنطوانيت الشهيرة، حينما سمعت من ردهة قصرها، فقراء باريس يُطالبون بالخُبز، فقالت ولماذا لا يأكلون الكعك؟
 
ولعل ذلك لا يختلف كثيراً، عن عبارة الرئيس حسنى مبارك، حينما وصلته أخبار الجماهير الغفيرة فى ميدان التحرير، عصر يوم الثلاثاء ٢٥ يناير ٢٠١١: دعهم يتسلون!
 
لقد رصد السيد يسن، بعين الناقد الاجتماعى، وقائع الثمانية عشر يوماً، التى كانت بمثابة الزلزال الثورى، الذى أنهى الحقبة التاريخية، لا فقط لحكم حسنى مبارك (١٩٨١-٢٠١١) ولكن أيضاً لما يزيد على النصف قرن، والتى يمكن إجمالها، تحت عنوان حقبة ثورة يوليو ١٩٥٢ (محمد نجيب ـ جمال عبدالناصر ـ أنور السادات ـ حسنى مبارك).
 
ولعل اختيار السيد يسن للعنوان الفرعى للكتاب عن تدفق موجات الثورة، يوحى أيضاً بوعيه بأحداث الثورة الفرنسية التى ظلت مُشتعلة، لمدة ثمانية عشر عاماً. شهدت فيها تصفيات مجموعات من الثوار لبعضهم البعض، وهو ما أدى بالمؤرخين إلى مقولة إن الثورات تأكل أبناءها. كذلك تؤدى أحداث الثورات، وما تنطوى عليه من عُنف ودموية، إلى حنين الناس إلى النظام القديم، الذى رغم كل مساوئه، كان يضمن لهم حداً أدنى من الأمان والاستقرار، وهو الأمر الذى أدى بدوره إلى ثورات مُضادة، حاولت إحياء أو استرجاع النظام القديم (Counter Revolutions).
 
إن وعى كاتبنا، السيد يسن، بكل هذه التواريخ، جعل من مُعالجته لثورتى ٢٥ يناير ٢٠١١، و٣٠ يونيو ٢٠١٣، مُعالجة فريدة ومُتميزة. فهو يذهب إلى أن الثورة ظاهرة حية ومُتجددة، ومُرتبطة بتحديات وتوقعات وتطلعات الأجيال المُتعاقبة، والتى لا تتوقف عن نقدها للأوضاع القائمة والمُستجدة، والتى هى دائماً دون المأمول!
 
ومن اللقطات الطريفة التى رصدها السيد يسن، فى ميدان التحرير، بعد نجاح الثوار فى إجبار الرئيس حسنى مبارك على التنحى، لافتة يحملها أحد شباب الثورة، مكتوب عليها: يسقط... يسقط، الرئيس القادم!
 
وكان من المقطوع به فى تلك اللحظة (١٢ فبراير ٢٠١١) ألا أحد يعرف اسم الرئيس الجديد بعد. ولكنه كسر جدار الخوف عند المصريين، وتحطيم أسطورة الرئيس الإله. فاللافتة فى الواقع تقول، إنه أياً كان اسم وشخص الرئيس الجديد، فإنه ليس عصيّاً أو مُحصناً ضد الإسقاط.
 
وفى الواقع، فإن ذلك هو ما حدث، تماماً. فمع اختطاف الثورة بواسطة آخر من التحقوا بها، وأول من انقضوا عليها، وهم جماعة الإخوان المسلمين، والذين نجحوا فى انتخاب واحد من كوادرهم، رئيساً لجمهورية مصر العربية، وهو الدكتور محمد مرسى، فإن الشعب انتفض مرة أخرى، فى أقل من ثلاث سنوات، ليُجبره بمساعدة الجيش على التنحى.
 
وهكذا، فإن نفس الشعب الذى لم يُسقط حاكماً فى ستة آلاف سنة، نجح فى إسقاط حاكمين، فى ثلاث سنوات.
 
وهكذا مدلول اللقطة الذكية التى رصدها عالم الاجتماع المُبدع، السيد يسن فى لافتة أحد ثوار التحرير: يسقط، يسقط الرئيس القادم.
 
حفظ الله السيد يسن، وألهمه المزيد من الابتكار والإمتاع.
 
وعلى الله قصد السبيل
 
نقلآ عن المصري اليوم

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع