السبت ٤ اكتوبر ٢٠١٤ -
٢٠:
٠٨ م +03:00 EEST
بقلم: القمص. أثناسيوس ﭼورﭺ
استشهد في مثل هذا اليوم السادس من أكتوبر لسنة ۱٩٨۱...المتنيح الطيب الذكر الأنبا صموئيل أسقف الخدمات العامة بالكنيسة القبطية٬ انسكب دمه في حادث المنصة الشهير٬ بعد أن سكب حياته كل نهار ووجدها بالدم لا بالكلام. كان هو أول من تكرس لخدمة مدارس الأحد وأسس فروعها مهتماً بالتعليم الديني حاملاً مشعل الأرشيدياكون حبيب جرجس في إنشاء المدارس الأولية بالقرى المحرومة... وهو الذي أسس خدمة الدياكونية الريفية ، واهتم بالمناطق العشوائية والمحرومة فكان يجول يصنع خيراً في القرى والنجوع حاسباً أن الضرورة موضوعة عليه... وقد عاد بالفرح حاملاً الأغمار عندما صير هذه الخدمة التي اهتم بها في شبابه المبكر٬ خدمة أصيلة وأساسية في خريطة العمل الكنسي الرسمي لما أقامه الله أسقفاً في كنيسته المقدسة.
كان باكورة خريجي القسم النهاري الجامعي في الكلية الإكليريكية. كذلك هو من أول الرواد في الخدمة والعمل الروحي والإجتماعي والتعليمي ، حيث حقول التربية الكنسية وخدمة الكبار وقافلة القرية وإعداد الخدام القرويين المحليين وتأسيس الفروع ووضع البرامج والمناهج.... كذلك هو أول من قام بالتدريس في المدرسة اللاهوتية بالحبشة ،وكانت مراحم الرب تقوده كل يوم بفيض من الخير والنعم مختبراً حلاوة العشرة الإلهية.
اشتهر بوداعته وعُمقه وطول أناته وتزين بحكمة الشيوخ وهو بعد في مقتبل العمر... تاركاً وظيفته مكرساً حياته واضعاً يده على المحراث ليخدم في فلاحة الله... محباً لخدمة الذين ليس لهم أحد يذكرهم (ليس لي إنسان) يو ٧:٥. فألقى شبكة حياته ودخل إلى العمق وعاش تقديس الروح في علاقة رسمية مع روح المعونة التي تأيد بها وأنجزت به الكثير لمجد الثالوث القدوس.
ولأن العمق ينادي عمقاً فقد دعته النعمة للحياة الرهبانية فعاش نذورها وتتلمذ تحت إرشاد القمص مينا المتوحد -البابا كيرلس السادس- الذي سامه راهبا و سكن معه بدير مارمينا بمصر القديمة ، واستلم الطقس الرهباني كالأولين على يديه... قائلاً له (ما يرشدك الله إليه فأنا خاضع له) لذا لم يُخدش اسم المسيح بسببه ولم تُهان كرامة زي القداسة التي لبسها ، ورتب له الله كل الأمور حسب مسرته ، وقد أُعطي نعمة علوية وسيرة سماوية ،جعلته يتحدث دائما عن تغيير الذهن وترتيبه،وعن المعرفة الأصلية وحياة السكون ،وعن التوسل والسجود ،وعن صلابة الإرادة ،محلقا في قمم الآلهيات .
تسمى بالراهب مكاري٬ وكان يذيل كل خطاباته بإمضاء (الحقير مكاري) لكن الله رفعه وأقامه على عشر مدن بعد أن ألقى رجاءه على الله الحي... كانت ميامر مارإسحق السرياني والسُلَّم إلى الله والشيخ الروحاني شهية جداً في مسامعه٬ عاشها وتدرب على ما جاء بها من برّ وفضيلة٬ كذلك سكن في مسكن إلهنا إلى جوار قبة الهيكل بمصر القديمة إلى جوار معلمه مينا البراموسي المتوحد٬ إذ أن المثيل يستريح إلى مثيله٬ منضماً إلى طغمة كاتمي سر الملك المحبوبين لديه٬ أكثر من الجنود الذين يحاربون في الميدان... مختبراً حياة التجرد والفقر الإختياري الذي عاشه إلى النفس الأخير بالعمل والقدوة٬ فتكلم بأعماله وعمل بأقواله ،ولعل كل من تعامل معه راي بشاشة وبساطة المسيح ،ولمس انفتاح أحشاء الرحمة ،وحياة القوات العقلية التي حملته الي آفاق تقدمية ورحب سابق بها عصره .
اختارته العناية الإلهية ليكون أول أسقف للخدمات العامة بالكنيسة القبطية بعد أن أعده الله لهذه المهام الكنسية عبر حياة التلمذة والتقوى٬ وأيضاً عبر دراسته للقانون والتربية واللاهوت... فسبق زمانه ولم يدخر جهداً في تأسيس مشروعات العضوية الكنسية٬ والدياكونية الريفية٬ وسجل الخدمات الكنسية٬ والتدريب والتنمية الشاملة٬ ومشروع (ارفعوا الكسر)٬ تلك الخدمات التي أسسها وأثرى بها العمل الكنسي المعاصر... مهتماً بالكادحين والمهمشين والمعاقين والزبّالين... كذلك هو أول من أسس خدمة المذابح المتنقلة٬ رافعاً شعار (اعبر إلى مكدونية وأعنا) أع ٩:۱٦.
هذا وقد استحدث مادة اللاهوت الرعوي التي كتب مادتها بإختباره العميق وفكره الناضج٬ والتي سبر عمق أغوارها ومؤهلاتها بخبرته الرعوية العملية... كذلك هو الذي أنشأ معهد ديديموس٬ وكان أيضاً أداة رفع تأسيس معهد الدراسات القبطية ، ويرجع إليه الفضل في نقل الإكليريكية من مبناها القديم في مهمشة إلى مبني الأنبا رويس الحالي... إضافة إلى دوره الكبير في بناء وتأسيس الكاتدرائية الكبرى بالعباسية.
ولم يتوقف جهد أنبا صموئيل عند الداخل فقط بل صار أباً للمغتربين من الأقباط المهاجرين، وهو الرائد الأول في خدمة كنيسة المهجر القبطية التي عمل لها أول قاعدة بيانات وإتصالات وحقق حضوراً مشرفاً وفاعلاً في كل المحافل المسكونية٬كدينامو للكنيسة كلها.
إنني أذكر تفاؤلك وبساطتك وهدوءك ومبادرتك ومساندتك لي ولكل من طرق بابك٬ فأنت الذي رفعت شعار (ماذا تريد يارب أن أفعل) وقد وضعت على مكتبك أساس خدمتك (لي الحياة هي المسيح)٬ إن يوم إنطلاقك للمجد لم يبارح خاطري حيث كنتَ ترقد في مستشفي القبة العسكري عند مفارقة نفسك لجسدك.... كذلك لن أنسى كلمات المتنيح الأنبا يؤنس في تجنيزك٬ وما نعاك به المتنيح الأنبا أثناسيوس قبل دفنك... وثلاثتكم من الآباء الرؤوس فليكن ذكراكم مؤبداً لأنكم أحياء عند إله الأحياء.