الأقباط متحدون - مباراة ومعلقان.. ثقافتان
أخر تحديث ٠٦:٠٩ | الاربعاء ٨ اكتوبر ٢٠١٤ | توت ١٧٣١ ش ٢٨ | العدد ٣٣٤٨ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

مباراة ومعلقان.. ثقافتان

مباراة ومعلقان.. ثقافتان
مباراة ومعلقان.. ثقافتان

(١)

لقطة أخرى من اللقطات التى نشاهدها فى حياتنا اليومية أعرضها عليكم، أصدقائى القراء. لقطة متى تأملنا أبعادها تعكس لنا المدى الذى وصلته أحوالنا الثقافية والعقلية والسلوكية والمعرفية... تبدأ لقطتنا عندما شرعت فى مشاهدة إحدى المباريات الأجنبية مع بعض الأصدقاء. بدأت المباراة وكان يقوم بالتعليق عليها أحد المذيعين الناطقين باللغة العربية. وما إن انطلقت صفارة البداية، حتى انطلق المذيع فى الحديث دون توقف. فعلى مدى ٤٥ دقيقة هى عمر الشوط الأول لم يتوقف المذيع عن الكلام، قط، قط، قط... ولم يقم بتنويع درجات صوته بحسب حرارة المباراة وإيقاعها، بل كان دائم الصراخ، لذا لم تكن هناك لحظة سكون واحدة على الإطلاق.

(٢)

لأول وهلة قد يظن البعض أن حرارة المباراة قد فرضت ذلك. إلا أن المباراة كانت متدرجة المستوى، ولأسباب خططية كان هناك تراوح فى إيقاع المباراة. والأهم هو أن المذيع ـ وهنا الطامة الكبرى ـ لم يكن ينقل ما يدور على أرض الملعب... وهنا يأتى السؤال الذى أظنكم تطرحونه الآن فى وقت واحد: «أمال كان بيتكلم فى إيه طول الوقت؟»... كان المذيع يتحدث فى كل شىء ما عدا المباراة ومجرياتها...عن عدد المباريات التى لعبها اللاعب «فلان»، وعن أهم الأحداث العامة التى تصادف أن حدثت مع كل هدف يسجله اللاعب «علان» من موت مشاهير، وحدوث كوارث... وعدد المباريات التى لعبها الفريقان وعدد الأهداف التى سجلت، وأهم النوادر والمواقف الطريفة التى تعرض لها اللاعبون فى الماضى... إلخ. أثناء كل هذا كانت المباراة: «تشهد جملاً تكتيكية بديعة، وألعاباً مهارية رفيعة، وأهدافاً يتم إحرازها وأخرى ضائعة، وفى نفس الوقت، تبحث عن معلق».

(٣)

وما إن صفر حكم المباراة بانتهاء الشوط الأول، قلت لمن كانوا يشاركوننى مشاهدة المباراة، لا يمكن تحمل مشاهدة شوط آخر بهذا التعليق المستفز... اقترح البعض أن نغلق الصوت، واقترح البعض الآخر أن نتابع تعليق المذيع الأجنبى للمباراة...أغرتنى الفكرة الثانية، قلت ولم لا نجرب؟...وراودنى سؤال ـ يبدو من باب الفضول البحثى ـ هل سيختلف الأمر؟... وعليه أثنيت على الاقتراح الثانى فوراً... وبالفعل شاهدنا الشوط الثانى بتعليق المذيع الأجنبى... فماذا كانت النتيجة؟

(٤)

الإحساس المباشر والفورى الذى تولد لدىّ هو: أننا «بضغطة زر» انتقلنا من «دنيا» إلى «دنيا»، ومن «زمن» إلى «زمن»، ومن «ثقافة» إلى «ثقافة أخرى»؛ لماذا؟... وجدنا المذيع الأجنبى: «منضبط الانفعالات»: حيث تتناسب ردود أفعاله وصوته ومفرداته التى يستخدمها مع ما يراه فى الملعب...و«مكثف اللغة»: حيث بكلمة واحدة، ولكنها معبرة، تجده بدقة يصف أحداث المباراة...«يجيد توظيف المعلومات»: حيث يذكر المعلومة فى حينها، وفى وقت ميت، وليس فى أثناء هجمة خطيرة، كذلك لا يفرط فى أن يبهر المشاهدين بما لديه من معلومات بما يوحى أنه مالكها وحده، ذلك لأن الإعلام الإلكترونى بات يوفر ركاما هائلا من المعلومات قبل وأثناء المباراة ويضخها أمام المعلق... «ملتزم بدوره ووظيفته»: فلا يتجاوز دوره كمعلق فلا نجده يقوم بتحليل خطط اللعب إلا فى أضيق الحدود وفى إطار الوصف؛ ذلك لأن هناك ستوديو تحليليا سيقوم بهذا الدور، أو يتقمص دور المدربين أو يقوم بإبداء آراء حول المباراة وشؤون الدنيا... إلخ.

(٥)

إنها لقطة من ضمن لقطات عديدة أظنها دالة وكاشفة عن أحوالنا... فحالة مذيع الشوط الأول المغايرة لمذيع الشوط الثانى- تعبر عن طبيعة الثقافة التى نعيشها والثقافة التى يعيشها غيرنا ممن تقدموا... كما أن حالة مذيع الشوط الأول هى الحالة الشائعة فى كثير من المجالات فى ثقافتنا... ونواصل.
نقلا عن المصرى اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع