الأقباط متحدون - هاى كوبى
أخر تحديث ٠٦:٠٥ | الخميس ٩ اكتوبر ٢٠١٤ | توت ١٧٣١ ش ٢٩ | العدد ٣٣٤٩ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

هاى كوبى

النظارات الشمسية
النظارات الشمسية

ترجمة لمعنى النسخة المقلدة بدرجة فائقة فى كل شىء: النظارات الشمسية، الساعات، الأقلام، العطور، الملابس.. الزمن الآن يطرح النسخ المقلدة، وتتفاوت درجات التقليد من التقليد الركيك الرخيص إلى التقليد المتقن.. أصل واحد نادر كالمخطوطات ونسخ مقلدة لا تنتهى، أفلام مقلدة، مسرحيات مقلدة، موسيقى مقلدة، وطريقة حياة مقلدة.. لا أتصور مثلاً فى الماضى حينما كانت تنتصر حضارة على أخرى أن يتغير ذوق وملابس وعطور ونمط حياة وألوان الحضارة المهزومة إلى الحضارة المنتصرة، هل كان الرومان حينما يهزمون الفرس مثلاً يحولونهم إلى نسخ رومانية مقلدة؟ وهل حولت الحضارة العربية الإسلامية البلاد التى دخلتها إلى نسخ عربية مقلدة؟ هل كان العالم فى فترة نسخة مقلدة من روما وفى فترة أخرى نسخة مقلدة من فارس أو من بغداد أو دمشق أو الإسكندرية أو أورشليم أو منف أو طيبة أو الصين... الخ؟ لماذا صار الجميع الآن يسعى ليصل إلى الـ«هاى كوبى»، طموح غريب، تجتهد فى تعليم أولادك فى مدارس دولية باهظة الثمن ليتحدثوا لغة أجنبية تصل إلى مستوى «هاى كوبى» من الطالب الأجنبى، ويسمع أغانى ويأكل طعاماً ويضحك على إيفيهات، ويشاهد أفلاماً هى جميعها تقربه من النسخة المقلدة بإتقان أو الـ«هاى كوبى»، حتى النجوم المحليون الموهوبون حينما يموتون نبدأ فى صنع نسخ مقلدة، فتهبط السوق نسخة شعبية من أحمد زكى، ونسخة أخرى طبقة وسطى، ونسخة ثالثة، ورابعة، وتجتهد النسخ الأربعة ليس فى الاقتراب من تلك الطريقة فى الحساسية والأداء، ولكن يقتربون من فكرة النسخة المقلدة بإتقان، فيفتح هذا عينيه، ويمطّ هذا شفتيه، ويهز الثالث كتفيه، ويرقص الرابع وسط النساء، فيظل النماذج الأربعة هم النسخ المقلدة المتتابعة المعروضة على الجمهور لعشر سنوات متتالية، فى حين أننا أصلاً لسنا فى حاجة على الإطلاق إلى أحمد زكى آخر، نحن بحاجة إلى مواهب أخرى مغايرة وجديدة بقدر موهبة أحمد زكى، لكن رغبة الجميع فى تخليق نسخ ورغبة تلك النسخة المختلقة فى أن تجتهد وتناضل فى رحلة الـ«هاى كوبى» هى التى تخنق كل شىء، وحينما ينجح عمل يتحدث عن الفقراء وآخر يتحدث عن التصوف وثالث يتحدث عن العنف ورابع يجمع بين البلطجى والراقصة وفريق الشعوذة الفنية المسمى «المهرجانات»، يتم تكرار تلك النماذج، وكأن الفن لا يصنعه إلا الببغاوات التى تردد الكلام بلا فهم، حتى التجارب المستقلة قد تصاب أحياناً بمرض الـ«هاى كوبى».

كانت الطبقية القديمة تميز الناس عبر ملابسها وأماكن السكن وطريقة الحياة ونوع السيارة، لكن عصر الـ«هاى كوبى» يجعل الطبقية أكثر إيلاماً وأشد فتكاً، فكلاهما يرتدى ملابس تحمل نفس الماركة والشعار، لكن هناك اختلاف، كلاهما يرتدى نظارة شمسية تحمل ذراعاها نفس العلامة التجارية، لكن إحداهما مقلدة، حتى اللغة الأجنبية كلاهما يتحدثها، لكن أحدهما كـ«هاى كوبى» يتحدثها بطلاقة، والثانى يطجنها تطجيناً فتصبح النسخة المقلدة بغير إتقان هى مصدر سخرية النسخة الـ«هاى كوبى»، وينقسم المجتمع إلى فريقين، فريق الـ«هاى كوبى» الذى يتعلم كالخواجات ويتحدث كالخواجات ويلبس ويأكل ويتحرك بكاف التشبيه تلك، وفريق الكراكترات مثيرى ضحكات الـ«هاى كوبى»، وهم على الدوام فى سباق وتنافس، فالأقل حظاً فى التعليم والغنى يصبح غايتهم تقليد الـ«هاى كوبى»، فيحملون الموبايلات الذكية لكن الصينية، ويرتدون الملابس الشبيهة ويأكلون فى مطاعم موازية مقلدة تحمل نفس العناوين باختلاف حرف أو حرفين، ويصبح الوطن بين نسختين، كلتاهما ليست أصلية، لكن إحداهما نسخة مقلدة بإتقان، والأخرى تقليد عشوائى، ويضيق الفريقان بالسكان الأصليين، هنود الوطن الحمر، على الدوام ويطاردونهم ويحاصرونهم مستغلين غرابة أدائهم، وبساطة ملابسهم وطريقة حياتهم، ففى مهنة الفن مثلاً يميل المنتجون إلى الاحتفاء والتحمس بالنسخ الـ«هاى كوبى» فى السيناريو والإخراج والتمثيل، ويرتبكون جداً أمام فصاحتهم المصطنعة ويتواضعون أمام غرورهم الزائف ويسخّرون أموالهم ليصنعوا بها أفلاماً كبيرة بسيناريو يشبه السيناريو فى صورته الأمريكية المستنسخة، ويسندونه إلى مخرج «هاى كوبى» يرطن بجودة ويخرج العمل ليشاهده أيضاً جمهور «هاى كوبى» يرغب فى نسخ من الأفلام الأجنبية التى تربَّى عليها، ولكن ناطقة بلغته المحلية فتثير اهتمامه أكثر، ويكتب عنها أيضاً نقاد «هاى كوبى» يقيّمون الفيلم بمفاهيم مستعارة، ويصبح للفريق الثانى أيضاً أصحاب النسخ المقلدة العشوائية منتجوهم ومخرجوهم ومؤلفوهم وجمهورهم ويختفى البطل الشعبى ويحل محله البطل المصنع، سلسلة رقبة من البرازيل وسروال من الهند وحزام من إندونيسا ورقصة من مستشفى الأمراض العقلية، ولا مانع من خمس جمل مسجوعة تشبه الأمثال يرددها ببلاهة حتى يضحك عليه الـ«هاى كوبى»، باعتبار أنه شعبى ويضحك عليه الشعبيون باعتبار أنه عجيب، ويفتقد الهنود الحمر سكان البلد الأصليون مكانهم فى السينما وفى المسرح وفى الشارع وحتى فى البيت.. يجلس الهندى الأحمر يتطلع إلى جهاز التليفزيون بدهشة ويمسك الريموت ويلغى الصوت ويسأل نفسه عن أولئك الذين يرقصون أمامه فى صمت: من هؤلاء يا جماعة؟ عمن يعبرون؟؟؟

فى مخازن كبرى يتم تخزين الحكايات المستوردة، حكايات أرجنتينية ومكسيكية وتركية وكورية، ويستقدم لها الصناع لتتبيل تلك الحكايات وطهوها وتقديمها للجمهور، وعلى أبواب الأمل يقف الهندى الأحمر يحمل حكايته الأصلية لا يجد لها متحمساً، ويقف المطرب ذو النبرة الخاصة يتابع سيارة فارهة خارجة من الاستديو يلوح من خلف زجاجها مطرب «هاى كوبى» لمراهقات ومراهقين «هاى كوبى» يلقين بأنفسهن تحت سيارته وعلى شاشة التليفزيون تبتسم المذيعة الـ«هاى كوبى» بإعجاب وتسأل النجم الـ«هاى كوبى» عن سر النجاح فيمتعض المخرج الـ«هاى كوبى»، لأنه على يقين بأنه أولى بالسؤال، وينظر المؤلف الـ«هاى كوبى» للأرض فى تواضع زائف وهو يلعن جهل الجميع فى سره وتلمع عيون النجم الـ«هاى كوبى» وهو يبوح بسر النجاح الخطير: إنه الصدق يا سيدتى.. الصدق حينما تصنعين حكاية أصلية. ويصفق الجمهور الـ«هاى كوبى» تصفيقاً يشبه تماماً تصفيق الأجانب فى البرنامج الأصلى، هناك فى شمال الكرة الأرضية، بينما يغلق الهندى الأحمر التليفزيون، ويدخل سريره حزيناً ينام، ويحلم بأن تتحقق المعجزة، وهى أن يصحو من نومه وقد تحول إلى «هاى كوبى».

نقلا عن المصرى اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع